بغداد اليوم - بغداد
وجه رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، رسالة عاجلة إلى رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم بشأن التظاهرات التي دعا إليها، فيما حذره من أن استخدام مبدأ "الموالاة والمعارضة" في العراق سيقود لـ"أخطاء منهجية خطيرة" تشبه في نتائجها تجربتي 8 و14 آذار في لبنان.
وفيما يلي نص رسالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إلى رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم:
في اجتماع القيادات يوم (15 تموز) جرى نقاش حول التظاهرات المزمع انطلاقها لتيار الحكمة، القيام بها وكلام عن المعارضة والمولاة، لم اتدخل بالنقاش لان المجال ضيق والممارسة تتطلب نقاشا هادئاَ ومفتوحاً، لهذا فضلت الكتابة لنعمق البحث ليس بيننا نحن الاثنين فقط، بل ايضا لدائرة اوسع بما يخدم مصلحة تيار الحكمة وغيره من التيارات الوطنية وبما ينضج الرؤى والممارسات السياسية والفكرية التي تقوم عليها تجربتنا السياسية.
1 _ الموالاة والمعارضة مفهوم غير دقيق وسيقود استخدامه في العراق لأخطاء منهجية خطيرة، ولعله نقل الينا من التجربة اللبنانية وتجربة 8 اذار و 14 اذار استنادا لبعض المتشابهات بين اوضاع البلدين، الامور المتشابهة يجب الا تنسينا الفروقات الكبيرة فمفهوم الموالاة والمعارضة قائم اساسا على فكرة التعطيل (الثلث المعطل وقيام حكومة تصريف اعمال لسنوات عدة) وليس على اساس الاغلبية والاقلية السياسييتين وخشيتنا ان ننقل الى التجربة العراقية فقط.
2 _ ان عدم الاخذ بكل المباني قد يقود لانزلاقات خطيرة، فالعراق سعى لتأسيس نظام دستوري وديمقراطي وهذا النظام مازال هشا بكل تأكيد ولم يستقر تماما بشكل نهائي ومازالت تتداخل فيه الكثير من المحاصصة والطائفية ونزعات الشخصنة والسيطرة التي تحل اما بلي الاذرع او بالتوافق، فاذا كرسنا السير في نظام يقوم على الموالاة والمعارضة فسنكرس واقعا، نعلن علنا رفضنا له.
3 _ في نظام الموالاة والمعارضة في لبنان تعطلت الحكومة بسبب الثلث المعطل وفي حالتنا، حيث لا وجود لثلث معطل على صعيد تشكيل الحكومة فان التعطيل لن يتحقق سوى باستخدام قوى الضغط الإعلامية الصحيحة او الخاطئة (حملات إعلامية، تنسيقيات، تسقيطات، مواقع وجيوش الكترونية) او وسائل التعبير الشعبية الصحيحة (اعتصامات، تظاهرات نظامية) والخاطئة (تمردات، عصيان، ثورات، انقلابات الخ ..)، وان بعض قوى الضغط هذه قد تشترك مع ممارسات ديمقراطية، لكنها ايضا قد تنزلق للممارسات خطيرة مناقضة تماما للديمقراطية.
4 _ نرى (واعتقد جازما ان هذا ماترونه في نهاية المطاف) ان التأسيس يجب ان يقوم على اساس الاغلبية والاقلية الدستورية والسياسية بكل مايستلزمه ذلك من شروط وبناءات، وهذا واقع لم ننهِ تأسيسه في العراق حقيقة، وهو مسؤولية لا تتحملها الحكومة المحلية اساسا، بل تتحملها الحكومات السابقة، التي كلنا شركاء فيها والقوى السياسية كافة ونحن جزءاً منها، ومع عدم انجاز ذلك، بل قد يكون بسبب ذلك يحصل هذا الانزلاق السريع لتوصيف الممارسة بالموالاة والمعارضة، عندها سنضع انفسنا كمعارضة افتراضية تقوم على الرفض دون ان نبنى لذلك واقعا برلمانيا وشعبيا (إذا كنا في تجرية ديمقراطية) او واقعا ثوريا (إذا كنا في تجرية ثورية)، فنحن مرة جزء من النظام لانريد ان نتحمل مسؤولياته بل نطالب فقط بحقوقه، ومرة جزء من خارجه لا نريد ان تخلط اوراقنا بكل ما هو خارجه من وقائع واحداث وضغوطات واعداء وظروف تحيط ببلادنا وتجربتنا، والخشية ان الخلط في المفاهيم سيقود الى خلط خطير في الممارسات خصوصا عندما يزداد ضغط التدافعات وتتسع دوائر الحركة ويصبح لها من يتصدى ويتكلم وينطق باسمها ويستسهل طرح المفاهيم ويدعو للممارسات قد تقود لمجاهيل ترتد علينا جميعا اذا لا يستطع شخص او جهة ان يسير على شارع فيه الكثير من الانفلات، حديث التجربة في الحريات والممارسات والديمقراطية ومحاط بمنطقة غير مستقرة ينتشر فيها حمل السلاح في بلد قضى سنين اختلطت فيها التظاهرات السلمية بالسلاح وحرق المقرات وسقوط مدن، ففي مثل هذه الاجواء يجب الحذر من التصعيد وتجنب الحافات التي قد يفلت فيها الامن المجتمعي الهش من ايدي الجميع.
5 _ أما استخدام تعبير المعارضة فنحن أمام خيارين: أما أن تكون معارضة للنظام والدولة أو معارضة للحكومة وسياساتها، لا أعتقد أن مقصدكم هو التوجه الأول.. اذ ترددون دائما أنكم مع الدولة لكنكم تعارضون الحكومة، وبالطبع أن معارضة الحكومة أمر سليم وضرورة ولكن بشرطها وشروطها ومعارضة الحكومة – حسب الفرضية الثانية – تعني أن الحكومة هي حكومة أغلبية وأنكم تريدون كأقلية احتلال مواقع المعارضة، وجميع هذا مشروع كما ورد أعلاه، لكن في هذا كله تبسيط ولايمكن القفز عليه بسهولة، فالحكومة لم تأتِ إلا لفشل القوى السياسية الفائزة في الانتخابات في الوصول إلى اغلبية سياسية تنقذ البلاد من ورطتها، فاضطرت للتوافق مرة أخرى وفق صيغة لاتخلو من تعقيدات لايمكن رميها الآن على الحكومة بمفردها. انها حكومة تسوية يراد منها حل الإشكالات الأمنية والاقتصادية والخدمية والإقليمية والدولية خلال أشهر من تشكيلها، فمن السهل رؤية النواقص المتراكمة.. كما من السهل التنصل من المسؤوليات التاريخية والذاتية ورميها على الآخرين، وتحميل الحكومة كل شيء والظهور أمام الرأي العام كمجرد ناقدين ومستهجنين ومعارضين ومتظاهرين وعاملين للصالح العام.. لا شك أنكم تتفقون معنا أن الدعوة للتظاهر اوللاعتراض أمر سهل لكن البناء وشق الطرق وسط كل هذه التراكمات والصعوبات والظروف الداخلية والخارجية أمر في غاية الصعوبة، فنرجو وضع الأمور في نصاباتها. فلابد للاعتراضات والتظاهرات أن تكون له غايات. فأين سيقف، هل سيقف باسقاط الحكومة وكيف سيقوم بذلك؟ وهل يقوم به برلمانيا أم بالعصيان؟ وما العمل لو قدمت الحكومة استقالتها؟ وهل يستهدف تعطيل المصالح العامة ليرغم الحكومة على اتخاذ مواقف محددة؟ أم سيكون معارضا في السلبيات متنصلا من اعبائها، ومواليا في الإيجابيات مطالبا بحصة في منجزاتها؟ أم ستتحول التظاهرات إلى نمط حياة ومجرد أسلوب للتحشيد، والتعبئة للحالة الجزئية والخاصة دون الاخذ بالاعتبار الحالة الكلية والعامة؟ باختصار التظاهر ليس هدفا بذاته بل وسيلة لأهداف واضحة ومحددة ومقبولة ومدروسة.
- نقول هذا كله لأن الضجة التي أثيرت حول الموضوع وبعض المفردات المستخدمة من بعض الناشطين تفتح المجال لمثل هذه الأسئلة والاحتمالات، أملنا كبير أن يبقى التظاهر وسيلة للتعبير عن الرأي، ولا يقود للتصعيد وتوتر الأوضاع وله موضوعات محددة وهدفه التقويم ودفع العملية السياسية والاقتصادية والأمنية للامام، ولايعطل المصالح الخاصة والعامة ويربك عمل الحكومة والدولة، فهذا أمر مرحب به وهو بلا شك ما ستوصون به.
6 _ الديمقراطية رغم كل نواقصها هي الوسيلة الافضل تحت ايدينا اليوم لحكم البلاد عبر ممثلين حقيقيين للشعب، هذه الديمقراطية اساسها الدستور الذي تم استفتاء الشعب عليه والانتخابات المباشرة النزيهة، حيث لكل مواطن صوت واحد، وحيث تحترم توازنات البلاد، وحيث تعمل المؤسسات الجادة والحقيقية والشفافة والنظم الانتخابية السليمة التي لاحتكر او تكرس سلطة شخص او طائفة او حزب والحياة الحزبية والسياسية السليمة، حيث تمارس المفاهيم الدستورية والديمقراطية، اذ كما يقولون لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين ولا دستور بدون دستوريين، عند توفير أو توافر هذه الشروط التي يجب على الجميع العمل عليها واستكمال نواقصها يمكن قيام اغلبية دستورية سياسية، وأقلية دستورية سياسية برلمانية وحكومية تتنافس عبر صناديق الاقتراع أساسا لتشكيل حكومات تقوم ليس على أسس الفردية والمحاصصة والطائفية بل على أساس المنهاج والبرامج والتوازنات الوطنية العامة، عندها تأخذ التظاهرات والمعارضات معانيها الحقيقية وتتحول إلى ممارسات طبيعية واعتيادية ووسائل مشروعة ومطلوبة للتعبير عن الرأي ولكسب الجمهور لقضايا مشروعة، وليس لأي أمر آخر.