بغداد اليوم - متابعة
نشرت مجلة "ناشينال إنترست" الاميركية مقالاً للباحث كامران بخاري ، قال فيه إن أي حرب أمريكية على إيران ستصبُّ في مصلحة الأخيرة على حساب العالم العربي السني الذي وصفه بالضعيف.
وقال بخاري في مقاله، أن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث ينخرط الجانبان في تحركات عالية المخاطر، لفرض كل منهما تغييراً سلوكياً على الآخر وصحيح أن واشنطن وطهران أعربتا عن رغبتهما في تجنُّب الحرب، يقول الكاتب، لكن في مثل هذه البيئة المتصاعدة، تزداد مخاطر سوء التقدير بشكل كبير، وبغض النظر عن نتيجة هذا الصراع، من المرجح أن تحتفظ إيران بنفوذها الإقليمي من خلال الحافة الشمالية للشرق الأوسط، بسبب الضعف المزمن في العالم العربي.
ورأى الباحث أن ظهور "داعش" نتيجة رئيسة غير مقصودة للحرب الأمريكية في العراق، لكن هناك تداعيات أكثر أهمية بكثير، وهي أن تحرُّك عام 2003 لتغيير النظام في بغداد كان عامل تمكين لجهود إيران في الظهور كقوة إقليمية.
ومن الواضح أن إيران تقوض هيكل الأمن الإقليمي الحالي، حيث تعتمد الاستراتيجية الإيرانية إلى حد كبير على التصرف بالوكالة من خلال المليشيات الشيعية (معظمها من العرب)، وليس فقط على الجهة الغربية الممتدة إلى البحر الأبيض المتوسط، ولكن أيضاً في شبه الجزيرة العربية يضيف بخاري.
ويتابع الكاتب: "في الواقع، نشهد الآن حملة هجومية متزايدة من جانب المتمردين الحوثيين المؤيدين لإيران في اليمن على أراضي المملكة العربية السعودية أما الجانب الآخر الأقل تطوراً عن جزء من استراتيجية النظام الديني، فهو استراتيجية المفاوضات الأكثر أهمية بكثير"
ويَعتقد أن على الجانبين الذهاب إلى مفاوضات متساوية، وهو أمر إيجابي، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ تسعى طهران إلى تعزيز مكاسب حققتها المليشيات التابعة لها، والتي تبلغ قوتها الإقليمية مجتمعةً نحو مئة ألف مقاتل، من خلال عملية المفاوضات.
ويضيف: إن "هذه المليشيات تتطور -كما رأينا في لبنان والعراق- إلى حركات سياسية ترسخ نفسها في العملية السياسة الرئيسة"
ويواصل الكاتب وبصفتها راعية لها، تصبح إيران، من خلال عملية الحوار، من أصحاب المصلحة الرئيسين في هذه البلدان بهذه الطريقة استطاعت إيران أن تزيد من آثارها الجيوسياسية في العالم العربي وإن المنطق الجيولوجي للنزاع الإقليمي هو أن المقاومة السُّنية للمخططات التوسعية الإيرانية يتصدرها تنظيما "داعش" و"القاعدة"، وغيرهما من الجهات الفاعلة من السلفية الجهادية
وبهذه الطريقة، تحاول الولايات المتحدة باستمرارٍ تحقيق التوازن بين الشيعة والراديكالية السُّنية، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى عدم الاتساق داخل الفضاء السُّني العربي السائد.
بناء على ذلك، ستبقى واشنطن تتأرجح بين مواجهة إيران والحركات الجهادية الفاعلة خارج إطار الدول، حتى يتمكن العرب السُّنة من العمل على تحصين فاعل ضد تهديد "الذات" الطائفية و"الآخر"
وعلى المدى الطويل، فإن هذا التأرجح الدائم يهدد بتقوية كل من إيران والجماعات المتشددة؛ ومن ثم تقلُّص المساحة أمام الجهات الفاعلة في الدول العربية السُّنية، يقول الباحث ، ومثلما تزدهر الحركات المتشددة العابرة للحدود من الحرب، تستفيد إيران أيضاً بشكل كبير من الصراع في المنطقة بحسبه.
ويضيف انه وعلى الرغم من أن إيران و"داعش" في عداء مرير، فإن إحداهما تحتاج الأخرى، حتى يكون بمقدورهما النهوض بقضاياهما والفرق الرئيس هو أن "داعش"، لكونها القوة الإسلامية السُّنية الأكثر تطرفاً من غير الدول، تتعرض لردٍّ هائل من تحالف عالمي، وهو ما يمنعها من ترسيخ نفسها كنظام ، وفي الوقت نفسه، فإن إيران طرف فاعل، وهو وضع يمكنها الاستفادة منه لتحقيق هدفها، المتمثل في أن تصبح قوة إقليمية معترفاً بها دولياً.
ومن ثم، يقول الكاتب، لن تؤدي حرب كبرى أخرى في المنطقة إلا إلى مزيد من العمل لمصلحة هذين الممثلَين على حساب الدول العربية الضعيفة للغاية ، من هنا، يجب أن تستمر الجهود المبذولة لمواجهة إيران دون اندلاع قتال، وأي تسوية تفاوضية بإمكان إدارة ترامب التوصل إليها يجب أن تكون تكتيكية
وعلى المدى القصير، يجب أن يكون الهدف هو منع إيران من الحصول على دور دائم في شؤون العالم العربي، لكن على المدى الطويل، لا يمكن التراجع عن هذا الهدف دون إصلاح الانقسام في نسيج العالم العربي السُّني.