بغداد اليوم _ بغداد
"تعبنا ودمرونا.. لازم يجي الوزير ويشوف معاناتنا والمآسي وعمليات التسليب اللي نتعرض لها"، يقول أبو فراس العكيلي (48 عاما) وهو متكئٌ على إطار شاحنته الكبيرة، التي تعكس لهيب أشعة الشمس في وقت الظهيرة، بانتظار السماح له بدخول بغداد، وقد مضت 9 ساعات على انتظاره أمام بوابة الحسينية شمال شرق العاصمة.
ويضيف العكيلي، وهو سائق شاحنة لنقل البضائع التجارية من كركوك إلى بغداد: "رجال الأمن المتواجدين في السيطرات والنقاط الأمنية المنتشرة على الطريق يقومون بمضايقتنا لأرغامنا على دفع مبالغ مالية لهم كاتاوات مقابل السماح لنا بالمرور، وإلا فأنهم يعطلوننا لعدة أيام دون سبب في طوابير الانتظار على جانب طريق كركوك بغداد".
وبينما هو ينتظر رجل أمن يُعرف بـ"المعتمد" يسترسل سائق الشاحنة الذي يسكن محافظة الديوانية في حديثه لـ(بغداد اليوم)، إن "المعتمد يتولى جمع أموال تتراواح ما بين (30-20) ألف دينار عراقي من سائقي الشاحنات، مقابل تخليصهم من طابور الانتظار"، مبينا بلهجة المضطر: "ندفع هذه الأموال من أجل تجنب خيارات صعبة قد تفرض علينا.. الحجز مثلا، والعاقل من اتعض بغيره".
ويوضح، أن "هناك شر وتعب يدفعه عن نفسه منذ سنوات دون تردد، بدفع أتاوة أسبوعية تصل إلى أكثر من 85 ألف دينار عراقي، لأحد المجرمين منذ سنوات دون تردد، لا سيما بعد أن شاهد بأم عينه قدرة هؤلاء الفاسدين على الحاق الاذى بمن يرفض"، بحسب كلامه.
ويبلغ طول الطريق الذي يعمل عليه أبو فراس، نحو 300 كلم، وهو الطريق الرئيس الرابط بين كركوك ومدن أخرى، كالحويجة والعظيم وطوزخورماتو، وأكثر من 30 بلدة وناحية مختلفة وصولا إلى العاصمة بغداد، ويعتبر أيضا شريان توريد ونقل البضائع بين إقليم كردستان وباقي مدن العراق، وكذلك البضائع القادمة من تركيا وإيران، وتعمل عليه حوالي 2000 شاحنة.
"نصف أجرة السائق تذهب للأتاوات"!
من جانبه، يبيّن قاسم الغراوي (36 عاما) وهو سائق شاحنة على نفس الطريق أيضًا وزميل لأبو فراس، إن "أجرته لاتتجاوز 400 دولار، يذهب منها 200 كأتاوت إلى نقاط التفتيش التي يمر بها"، موضحًا أن "سيطرة ما يسمى بالحولي داخل محافظة كركوك مثلا، تأخذ من كل سائق ما لا يقل عن 150 ألف دينار عراقي، فيما تستقطع النقاط المشرفة على ما يسمى (بقبان كركوك) مبلغ 20 الف دينار، أما عناصر الأمن المتواجدين في سيطرة آمرلي فأنهم يرغمون السائقين على دفع مبلغ 15 ألف دينار".
وأضاف، أن "سيطرة سونار الناي الواقعة في قضاء الخالص بمحافظة ديالى يفتعلون الزحامات لساعات طويلة من أجل فرض أتاوات على كل سائق تتراوح ما بين 25-15 ألف دينار، تحدد حسب طبيعة العلاقة مع منتسبي السيطرة"، مبديا اعتقاده بأن "هذه المشكلة متجذرة وتشترك بها قيادات أمنية وعصابات مسلحة حتى أن رئيس الوزراء بنفسه لايقدر على حلها"، ويُكمل وهو ينظر في الفضاء المفتوح على جانب الطريق والأسى بادٍ على وجهه "كأننا ننتقل من دولة إلى أخرى".
علي الحسيني، المتحدث باسم محور الشمال في الحشد الشعبي كان قد كشف في 13 كانون الأول 2018 "وجود نقاط جمركية تعمل بدون علم الحكومة الاتحادية على الطريق الرابط بين بغداد – كركوك"، فيما اتهم حينها احمد الجبوري محافظ صلاح الدين السابق المعروف بـ"ابو مازن"، ومستثمراً من اهالي الدجيل يدعى "الحاج كاظم"، بأنهما "يختزلان الواردات".
بدوره، يؤكد عضو مجلس محافظة كركوك نجاة حسين وجود "خمس نقاط تفتيش في منطقة العظيم وطوزخورماتو وجبال حمرين، تفرض على شاحنات نقل البضائع وكذلك المارة أتاوات تتراوح ما بين 50-20 ألف دينار حسب قيمة البضاعة".
ويقول حسين في حديث لـ(بغداد اليوم)، إن "تلك النقاط تفرض هذه الأتاوات على المارة منذ ما يقارب عامين، ونحن في مجلس كركوك لا سلطة لدينا عليها باعتبار تلك النقاط تابعة لمحافظة صلاح الدين"، واصفا العناصر الأمنية في هذه النقاط بـ"قطاعي الطرق".
وأشار إلى أن "مجلس كركوك أرسل كتابا الى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وللحالي عادل عبد المهدي، أبلغهما فيه بحقيقة ما يجري في السيطرات ومعاناة سائقي شاحنات نقل البضائع"، لافتا الى أن "هناك مجاميع تنتشر داخل مدينة كركوك تعمل على فرض أتاوات على أصحاب المحال التجارية تتراوح بين 15-25 ألف دينار، مقابل منح وصولات استلام مزورة وغير أصولية بحجة الحراسات الليلية".
وأوضح عضو مجلس كركوك، ان "هذه المجاميع مسنودة من جهات أمنية وأخرى متنفذة، وقد وجهنا سؤالا الى محافظ كركوك بشأنها، فأخبرنا بأنها شركة أمنية، لكنه لم يوضح لنا طبيعة عمل الشركة وأسمها، وكيفية حصولها على موافقة العمل".
وبالعودة لبوابة الحسينية مدخل العاصمة، رفض عضو اللجنة الأمنية في مجلس بغداد، سعد المطلبي، تأكيد أو نفي ما تحدث به سائق الشاحنة أبو فراس العكيلي، وحث على "تزويد لجنته بأدلة تثبت وجود عمليات ابتزاز ودفع رشى واتاوات تحدث في السيطرة".
ووعد المطلبي عبر (بغداد اليوم)، بـ"اعداد تقرير مفصل إلى قيادة عمليات بغداد، وقائد الشرطة، حال وردته المعلومات، من أجل فتح تحقيق بالشكوى ومعرفة حيثيات الموضوع وكشف الحقائق أمام الرأي العام"، متوعدا "المخالفين بعقوبات قاسية".
في مقابل ذلك، يستعد سائقو الشاحنات بالخروج في تظاهرات حاشدة على الطريق الرابط بين كركوك وبغداد، احتجاجا على "الإجراءات التعسفية والأتاوات" التي تفرض عليهم، وللمطالبة بضبط سلوك افراد السيطرات ونقاط التفتيش المتواجدة على الطريق، وتغيير النظام الجمركي الذي فاقم معاناتهم، و"فتح باب الفساد والابتزاز على مصراعيه".
"موجة غضب قد تنفجر بأية لحظة"
من جهتها توعدت لجنة الأمن والدفاع النيابية بـ"تشكيل لجان فرعية عن لجنته، تجري زيارات سرية إلى تلك النقاط لتستمع إلى شكاوى السائقين وفتح تحقيق حول الأتاوات والرشاوى التي تؤخذ منهم".
وأكد عضو اللجنة ناصر محيي، أن "هذه الممارسات باب من أبواب الفساد ومنافية للإنسانية، كما أنها تهديد لأمن المواطنين"، مرجحا "وقوف شخصيات وجهات متنفذ وراء اغلب السيطرات وعمليات جمع الجباية".
وحذر محيي في حديثه لـ(بغداد اليوم) من "موجة غضب شعبية قد تنطلق في أية لحظة، بسبب الظلم الذي يتعرض له سائقو الشاحنات"، مطالبا الحكومة بـ"التدخل والغاء جميع اطر الجباية غير الرسمية، ومحاسبة المخالفين".