بغداد اليوم - متابعة
سلطت صحيفة بريطانية في تقرير مفصل الضوء على اتباع الديانة المسيحية في البصرة، وفيما بينت أنهم يتلقون إغراءات لترك العراق، أوضحت أن اجراس كنائسهم لن تدق قريبا في المحافظة.
وذكرت صحيفة الاندبيندنت بنسختها العربية أنه، "في البصرة العراقية عائلات مسيحية تسلك مسارات الهجرة الى أوروبا وأميركا، ومع توالي الأشهر وتعاقب الأعوام، فقدت مدينة البصرة الواقعة جنوب العراق معظم مسيحييها، ومن تبقى لم يسقط من حساباته فرضية الهجرة بحثاً عن الطمأنينة والعيش الرغيد في أوطانٍ جديدة، أما كنائسهم التي كانت تكتظ بهم خلال مناسباتهم الدينية، فباتت بمعظمها مقفرة بلا قساوسة ومصلين".
وتابعت أنه، "في العام 2016 أعلنت قوات الشرطة إلقاء القبض على ثلاثة متهمين، كانوا يشكلون عصابة متورطة بالاستيلاء على بيوتٍ وقطع أراضٍ تعود ملكيتها إلى مسيحيين مهاجرين، من خلال تزوير مستندات وأوراق ملكية. وفي العام نفسه أطلق مجهول النار من مسدس على مواطنٍ مسيحي عمره 47 سنة وأرداه قتيلاً. هذه الأحداث، وعلى ندرتها، يكون وقعها ثقيلاً على المسيحيين البصريين، الذين لم يكونوا في غضون الأعوام الماضية طرفاً في صراعٍ دينيٍ أو خلافٍ سياسي أو نزاعٍ عشائري، لكن صراعات وخلافات ونزاعات الآخرين تضخم قلقهم وتؤجج لدى بعضهم، الرغبة في الهجرة".
وبينت أنه، "حوالى خمسة آلاف عائلة مسيحية كانت في البصرة منتصف القرن الماضي، أخذت أعدادها بالتناقص التدريجي مع بداية الثمانينيات، بسبب ظروف حرب الخليج الأولى (1980-1988)، ثم نتيجة تأثيرات الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق خلال التسعينيات. وتصاعدت وتيرة الهجرة خلال الأعوام التي أعقبت العام 2003، وعلى الرغم من عدم توافر إحصاء دقيق لعدد العائلات المتبقية".
ونقلت عن رئيس أساقفة الأبرشية الكلدانية في جنوب العراق المطران حبيب هرمز قوله إن "بضع مئات من العوائل المسيحية لا تزال تعيش في البصرة، ولو فتحت لهم الدول الأوروبية أبواب اللجوء سيهاجرون بغالبيتهم"، مضيفاً أن "الكلدان أكثر المسيحيين عدداً في المدينة، يليهم الأرمن، ثم السريان الكاثوليك، ومن بعدهم السريان الأرثوذكس، والإنجيليون (البروتستانت) هم الأقل عدداً".
وتابعت الصحيفة أن، "للمسيحيين في البصرة مقعد (كوتا) في مجلس المحافظة، الذي يمثل أعلى سلطة تشريعية ورقابية محلية، ويتألف من 35 عضواً، وبذلك هم أوفر حظاً من الصابئة المندائيين، كما يعمل العشرات منهم كموظفين في مؤسسات حكومية مختلفة، ويتمتع الأطباء منهم على وجه الخصوص بسمعة مهنية متميزة. وخلال العقود الماضية أنجبت البصرة العديد من الشخصيات المسيحية، التي كان لها أثرها البالغ في إثراء الحياة الاقتصادية والعلمية والثقافية في المدينة".
وبينت أنه، "جرت العادة في البصرة أن يتوافد وجهاء المدينة من شيوخ عشائر ورجال دين مسلمين من السنة والشيعة، إلى الكنائس لتقديم التهاني والتبريكات للمسيحيين في أعيادهم ومناسباتهم الدينية، فالبصرة تُعرف منذ مئات السنين بتنوع نسيجها الاجتماعي، وتحلّي أهلها بالتسامح الديني، وتاريخها حافل بمواقف وأحداث تعبر عن عمق التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين، وكثيراً ما تنعكس هذه العلاقة على أسلوب التعامل مع المسيحيين الغرباء".
وقالت إنه، "في كتابه (رحلة إلى الهند) يروي رجل الدين المسيحي أثناسيوس أغناطيوس، الذي أقام في البصرة من العام 1888 وحتى العام 1893 أن "أهل البصرة يشتهرون بالسخاء والكرم والبذخ وإعزاز الغرباء.
وتضيف الصحيفة ان "الحكومة العثمانية أثناء حربها مع روسيا في العام 1876 أصدرت الأوامر بجمع إعانة حربية من رعاياها في سائر الولايات، فاستدعى والي البصرة الأعيان والتجار، وكان من بينهم بضعة أشخاص من المسيحيين، وهم تجارٌ غرباء، ولما جاء دورهم لجمع تبرعاتهم تقدم عين أعيان البصرة قاسم الزهير وقال: أرى عاراً علينا أن تثقلوا بشيءٍ على هؤلاء التجار الغرباء الوافدين إلى مدينتنا مسترزقين، فالإعانة التي تريدونها منهم أنا أدفعها. وقد دفع عنهم 200 ليرة عثمانية، وشكر له المسيحيون، وأثنوا على أريحيته الثناء الطيب".
وفيما يخص حال الكنائس أردفت الصحيفة أن، "الكنائس في القدم تحولت مع مرور الزمن إلى أثرٍ بعد عين، ولا أحد يعرف بالضبط أين كان يقع الدير المسيحي، الذي منه اكتسب الدير الواقع شمال البصرة اسمه منذ مئات السنين. أما أقدم كنيسة قائمة فهي كنيسة الأرمن الأرثوذكس في منطقة البصرة القديمة، ويعود وجودها إلى العام 1736. وفي المنطقة نفسها، تقع كنيسة "مار توما" الكلدانية التي شُيدت في العام 1886، ولا تقام فيها الصلاة منذ أعوام بسبب تشقق جدرانها وسقوفها الآيلة للسقوط، أما الكنائس الأخرى فمعظمها جديدة نسبياً، وأحدثها الكنيسة الوطنية الإنجيلية التي افتتحت في العام 1998 في منطقة "مناوي باشا"، وتتبع لها حوالى عشر عائلات، يرعى أفرادها روحياً، قساً مصرياً".
وأوضحت أنه، "من كنائس البصرة كنيسة "القلب الأقدس" للسريان الكاثوليك التي بُنيت في العام 1936، وتقع في منطقة "العشار"، وكنيسة "سيدة البشارة" للكلدان الكاثوليك التي بُنيت في منطقة "الطويسة" في العام 1973، وفيها مدرسة تعمل فيها راهبات، وكنيسة "مار إفرام" التي افتُتحت في العام 1969 في منطقة "البريهة"، وضمنها يقع مقر الأبرشية الكلدانية في جنوب العراق. كذلك كنيسة القديسة "تيريزا" للكلدان الكاثوليك التي شُيدت في العام 1978 في منطقة "مناوي باشا"، وكنيسة السريان الأرثوذكس التي أُسست في العام 1938 في منطقة "العشار"، ومن تبقى من العوائل التي تتبع هذه الكنيسة لا يزيد عن 15 عائلة. بالإضافة إلى كنيسة مريم العذراء للكلدان الكاثوليك في منطقة "الخندق"، التي افتُتحت في العام 1934، وصارت كاتدرائية في العام 1954، لكنها أغلقت في العام 1981، ومنذ أسابيع يجري ترميمها بتبرعٍ من مصارف أهلية في سبيل الحفاظ عليها باعتبارها ذات طرازٍ معماريٍ فريد ونادر، إذ لا تشبهها إلا كنيسة ثانية في إيطاليا".
وتابعت أن، "الكنائس التي أُغلقت أبوابها نتيجة هجرة مرتاديها أو عدم توافر قساوسة لإدارة شؤونها، هي كنيسة مار يوسف التي أنشئت في العام 1951 في منطقة "المعقل"، وأغلقت في العام 1992، ولم يتبقَّ منها إلا هيكلها المتداعي، وكنيسة مار بيوس التي بُنيت في العام 1953 في منطقة "الجمهورية"، وهي مهجورة منذ 30 عاماً، أما الكنائس الآشورية في البصرة فجميعها مغلقة لأن عدد العوائل المتبقية من هذه الطائفة لا يزيد عن 10 من أصل 500 عائلة كانت في المدينة خلال السبعينيات، وهي كنائس مريم العذراء في منطقة "الجمهورية"، ومار كوركيس في منطقة "كوت الحجاج"، ومار أوجين في منطقة "المعقل"، ومار بنيامين في منطقة "الشعيبة".
واردفت أنه، "ما من أحدٍ تبقّى في البصرة من الطائفة السبتية (الأدفنتست)، ولكنيستهم المهجورة منذ نصف قرن قصة مختلفة تعود إلى العام 1968، عندما أعلنت الأجهزة الأمنية تفكيك شبكة تجسس تعمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، ومن ضمن الاتهامات التي وجهت إلى المتهم بترأس الشبكة، التاجر العراقي اليهودي عزرا ناجي زلخا، إرسال معلومات حساسة إلى تل أبيب باستخدام جهاز لاسلكي كان مخبأ على سطح كنيسة الطائفة السبتية، وأعدم رئيس وأعضاء الشبكة البالغ عددهم 14 شخصاً من اليهود والمسلمين والمسيحيين، وعُلّقت جثث بعضهم في ساحة "أم البروم" في البصرة، وبعضهم الآخر في ساحة "التحرير" في بغداد، وأُغلقت الكنيسة باعتبارها مسرح جريمة. وإلى اليوم لم ينقطع الجدل بشأن ملابسات القضية وحقيقة تورط المتهمين، فهناك من يعتبرهم أبرياء راحوا ضحية وضع سياسي متأزم، وهناك من يعتقد أنهم كانوا جواسيس".
وبحسب المطران حبيب هرمز فإن "الكنيسة السبتية ليست كنيسة رسولية، والسبتيون ليسوا مسيحيين بالمعنى الحصري، وهم شديدو التأثر بالفكر الديني اليهودي، ويتضح ذلك من خلال إكرامهم يوم السبت بدل الأحد"، وتابع قائلاً "وجودهم في البصرة كان محدوداً ومؤقتاً، وهو بفضل وجود شركاتٍ أجنبية كان يعمل فيها سبتيون، وعندما غادرت الشركات رحلوا معها".
وذكرت الصحيفة أن، "الطائفة السبتية ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية خلال القرن 19، وأتباع هذه الطائفة كانوا يُعرفون أيضاً بالميليريين، نسبةً إلى مؤسس الطائفة الواعظ المعمداني وليم ميلر (1782-1849)، وهم يؤمنون بقرب المجيء الثاني للمسيح، وحرفية الكتاب المقدس. وتشير تقديرات إلى وجود 19 مليون شخص منهم حول العالم، ويعود نشاطهم الديني في العراق إلى عشرينات القرن الماضي، افتتحوا كنائس لهم في مدن البصرة وبغداد وكركوك والموصل، لكنها أغلقت تباعاً، وفي العام 2018 أعلنوا افتتاح كنيسة في مدينة إربيل".
وقالت إنه، "مع استمرار هجرتهم، يصعب التكهن بمستقبل الوجود المسيحي في البصرة، والتطمينات الحكومية المتكرّرة لهم لا تبدو كافية لإقناعهم بالبقاء والاستقرار في وطنهم، خصوصاً أن الأنباء الجيدة التي تردهم من أقاربهم وأصدقائهم المهاجرين إلى أوروبا وأميركا تغريهم باللحاق بهم، وتزداد حماستهم للهجرة مع استمرار المنغّصات التي تعتري الحياة العامة، لكن من المستبعد أن تخلو البصرة في يومٍ ما من المسيحيين، ومن المستبعد أيضاً أن تُقرع مجدداً أجراس كنائسهم المغلقة، على الأقل في المستقبل القريب".