كتب: السياسي الأكاديمي سيروان عبدالكريم علي
شَهِدَ التاريخ البشري العديد من حملات التطهير العرقي التي استهدفت مجتمعات معينة بدعوى تحقيق أهداف سياسية.
ومع ذلك، فإن هذه الحملات لم تؤدِ إلى النتائج المرجوة، بل غالبًا ما كانت لها عواقب وخيمة على جميع الأطراف المعنية. فبدلاً من تحقيق الوحدة والاستقرار، أدت هذه الأفعال إلى تفكيك المجتمعات وتدمير الثقافات، وزيادة الكراهية، وتعزيز الانقسامات.
تُعتبر هذه الحملات بمثابة وصمة عار في تاريخ الإنسانية، حيث تذكرنا بخطورة التمييز والعنف. إن الفشل في تحقيق أهداف التطهير العرقي يبرز الحاجة الملحة إلى قبول الآخر والاحتفاء بالتنوع، كسبيل حقيقي نحو السلام والتعايش. في هذا المقال، نستعرض بعض الأمثلة التاريخية، بما في ذلك الحملات ضد الكرد، ونناقش كيف أن قبول الآخر والتعايش السلمي هو الحل الحقيقي للسلام.
لقد شهد تاريخنا العديد من حالات التطهير العرقي والسياسي، حيث استخدمت الحكومات والجماعات المتسلطة العنف لإزالة فئات معينة وغالبًا ما تم تبرير هذه الأفعال بدوافع سياسية أو دينية، لكن النتائج كانت مدمرة وطويلة الأمد.
يُعد غزو التتار وهولاكو لبغداد في عام 1258 خير مثال، فقد تعرضت العاصمة العباسية بغداد لغزو وحشي من قبل قوات هولاكو، كانت النتيجة مدمرة بشكل فادح؛ حيث دمرت المكتبات، وألقيت آلاف الكتب في نهر دجلة، وقُتل العلماء والمفكرون مما أدى إلى فقدان تراث ثقافي وعلمي هائل.
هذا الغزو لم يؤثر فقط على بغداد، بل كان له آثار طويلة المدى على العالم الإسلامي، حيث أدى إلى انهيار الخلافة العباسية وفتح الباب أمام فترات من الفوضى وعدم الاستقرار.
الصراع السني- الشيعي يمثل أحد أبرز الأمثلة على الانقسام الديني. فقد شهد المجتمع الاسلامي منذ مئات السنين أعمال عنف وتطهير لا انساني، مما أدى إلى استمرار التوترات وعدم الاستقرار إلى يومنا هذا. تتجلى تبعات هذا الصراع في النزاعات المستمرة بين الجماعات المختلفة، مما يعوق جهود بناء مجتمع متماسك. فقد أدى هذا الصراع، الذي بدأ في القرن السابع الميلادي، إلى انقسام دائم داخل الأمة الإسلامية، مما يجعل الحاجة إلى الوحدة أكثر إلحاحاً. هذا الانقسام لا يزال يؤثر على العلاقات بين المجتمعات الإسلامية والدول والحكومات حتى اليوم.
نذكر في إطار التاريخ الأوروبي حرب البوسنة 1992-1995 كمثال آخر على التطهير العرقي، حيث تعرض البوشناق والكروات للأذى. وقد أظهرت هذه الحرب كيف يمكن أن تؤدي التوترات العرقية إلى صراعات مدمرة. تُعتبر أزمة الروهينجا في ميانمار كواحدة من أبرز الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث تعرض الروهينجا للطرد والعنف.
وتظهر هذه الأزمة الحاجة الملحة لقبول الآخر وتوفير الحماية للحقوق الإنسانية.
وتاريخ الكرد ليس بعيداً عن هذه السياسات القمعية، بل هو حافل بالعديد من الحملات التي استهدفتهم، حيث تعرضوا للعديد من حملات الإبادة الجماعية عبر التاريخ. بدءًا من الحملات العثمانية التي استهدفتهم في القرن التاسع عشر، وصولًا إلى هجمات نظام البعث في الثمانينات، مثل حملة الأنفال، التي أدت إلى مقتل الآلاف وتهجير العديد منهم. هذه الحملات أظهرت كيف يمكن أن تؤدي السياسات القمعية إلى آثار مدمرة ليس فقط على الكرد، بل على استقرار المنطقة بأسرها.
اليوم في إقليم كردستان، يعيش الناس حالة من الفوضى والقلق نتيجة لعدم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة الفيدرالية والحكومة المحلية. هذا التوتر لا يقتصر فقط على القضايا السياسية، بل يتجلى أيضًا في تأثيره المباشر على حياة المواطنين اليومية. يُعتبر هذا الوضع نوعًا عصريًا من التطهير الاقتصادي والاجتماعي، حيث تتأثر الفئات الأكثر ضعفًا مثل الموظفين والمتقاعدين بشكل خاص جراء ذلك، إن استمرار هذه الحالة يزيد من تعقيد الأوضاع ويعمق الأزمة. لذا، يتطلب من الجميع إعادة التفكير في سياساتهم وتوجهاتهم، والعمل بجدية من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار للجميع.
قبول التنوع وقوة الحوار يلعبان دورًا أساسيًا في بناء الجسور بين المجتمعات المختلفة.
هناك العديد من المبادرات الناجحة التي أثبتت فعالية الحوار في تحقيق السلام، مثل برامج التبادل الثقافي والمبادرات المجتمعية. تعد تجربة جنوب أفريقيا نموذجًا يحتذى به في الانتقال من الفصل العنصري إلى أمة موحدة. لعبت لجان الحقيقة والمصالحة دورًا حيويًا في هذا التحول، حيث سمحت للأفراد بمشاركة تجاربهم والعمل على بناء مجتمع أكثر تماسكًا.
كما تُظهر دول مثل كندا وسويسرا واستراليا وامريكا كيف يمكن أن يسهم التنوع الثقافي في النمو الاجتماعي والازدهار. هذه الدول تبنّت سياسات تعزز التعايش السلمي وتعترف بحقوق جميع الأفراد بغض النظر عن هوياتهم.
ومن هذا المنطلق تبرز رؤية رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، التي تدعو إلى قبول التنوع والتعايش السلمي. إن هذا الفهم والتقدير للاختلافات يمكن أن يسهم في بناء مجتمعات أكثر تضامنًا وسلامًا، حيث يعمل الجميع معًا لتعزيز ثقافة السلام والتسامح. لذلك يُعتبر تدخل سيادته في هذه المرحلة نقطة تحول تاريخية، حيث يمكن أن تساهم سياسته الرشيدة في إعادة بناء الثقة بين المكونات المختلفة في المجتمع العراقي. عبر تشجيع الحوار والتعاون، كما يمكن أن تسهم هذه الرؤية في تجاوز الأزمات الحالية وفتح آفاق جديدة من التعاون والتنمية، مما يعيد الأمل إلى المواطنين ويعزز من استقرار العراق والمنطقة.
في الختام، نستنتج أن عمليات التطهير العرقي والسياسي لا تقتصر على كونها عديمة الجدوى فحسب، بل إنها تفضي أيضاً إلى أزمات إنسانية طويلة الأمد. إن قبول الآخر وتقبّل الاختلافات هو السبيل الحقيقي نحو السلام والاستقرار.