الصفحة الرئيسية / إيزيديو الشيخان.. من أغلبية حاكمة الى أقلية ضعيفة

إيزيديو الشيخان.. من أغلبية حاكمة الى أقلية ضعيفة

بغداد اليوم- نينوى

بعد نحو أربعة عقود قضاها في الشيخان، غادرهادي دوباني (57 سنة) البلاد مع عائلته، البلدة الايزيدية الواقعة شمال مدينة الموصل، ليعيش في ألمانيا ويستقر فيها، مثلما فعل العشرات من أهله وأقاربه. يقول بصوت متقطع: "داعش خرب علينا كل شيء، قلب حياتنا، حتى رحلت عن الأرض التي لم أكن أتصور يوما أن أغادرها، أشياء عديدة دفعتنا لذلك، الأمن، الخوف من المستقبل، التمييز وغياب العدالة".

يؤكد دوباني، الذي شغل منصب مدير الوقف الإيزيدي في محافظة دهوك بإقليم كردستان لما يقرب من سبع سنوات، بأن أبواب الهجرة لو فتحت أمام الإيزيديين وتوفرت التسهيلات لذلك "ستزداد معدلات هجرتهم" من مدنهم التاريخية "فوجودهم الحالي فيها بات شكليا مجملا لصورتها". 

في آب/أغسطس سنة 2014 والأسابيع اللاحقة، هاجم تنظيم داعش قضاء سنجار والعديد من المناطق ذات الغالبية الايزيدية والمسيحية بسهل نينوى، وسيطر على مدينة سنجار والقرى المحيطة بها وبلدات عديدة في السهل التأريخي الخصب حيث تنتشر الاقليات الدينية والعرقية منذ قرون.

اختطف التنظيم في هجماته على سنجار والقرى المحيطة بها 6417 إيزيدياً، بينهم نساء وأطفال، وقتل 1,293 إيزيديا، وقام بتدمير 68 مزاراً، وترك خلفه أكثر من 80 مقبرة جماعية للإيزيديين، وفقاً لإحصائيات منظمات محلية. عمليات القتل الواسعة تلك أثارت رعب الايزيديين في سهل نينوى ومناطق انتشارهم باقليم كردستان ودفعتهم للنزوح داخليا والهجرة لاحقا الى خارج البلاد.

في ظل غياب الإحصائيات الرسمية، تقدر مديرية شؤون الإيزيديين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان، عدد الايزيديين في العراق بنحو 550 الف شخص، نزح نحو 360 ألف منهم خلال هجمات داعش الى مدن اقليم كردستان، وهاجر أكثر من 100 ألف إلى بلدان أخرى.

                                                

أغلبية أضحت أقلية

يعد قضاء الشيخان، مثل سنجار، موطنا للإيزيديين، ويقع فيه معبد (لالش) المقدس لديهم، وهو موقع يحج اليه الإيزيديون من داخل البلاد وخارجها. وعلى مدى قرون كان الأيزيديون يشكلون الغالبية الساحقة من سكان المنطقة ومحيطها. 

ويؤكد باحثون ومتخصصون في التاريخ، أن نسبتهم كانت تترواح بين 85% و90%، لكنهم اليوم أصبحوا أقلية، إذ انخفضت نسبتهم إلى نحو 30% بسبب هجرتهم المستمرة منذ ثلاثة عقود من جهة ونزوح مكونات أخرى الى القضاء من جهة ثانية.

كان هادي دوباني في الثالثة من عمره، عندما انتقلت عائلته من بلدة خانكي التابعة لمنطقة سميل في محافظة دهوك، إلى مركز قضاء الشيخان التابع لمحافظة نينوى ليستقر فيه، هناك عاش طفولته وشبابه قبل أن يقرر الهجرة بنحو نهائي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2016 الى ألمانيا حيث يعيش الآن.

"كان والدي يخبرنا دائماً ان مركز الشيخان لم يكن يضم للفترة بين 1970 إلى 1975 حيث استقرت عائلتنا، سوى ثلاثة أسر مسلمة، وسبعة أسر مسيحية، وعائلة يهودية واحدة فقط، وكان الآخرون جميعا من الأيزيديين". يقول دوباني مشيراً الى حجم التغيير الديمغرافي الذي حصل في المنطقة خلال عقود قليلة.

يضيف مسترجعاً شريط ذاكرته: "في شبابي وحتى أيام التحاقي بالجامعة للفترة بين 1989-1990 كان معظم أهالي الشيخان من الإيزيديين، كنت تجد نسبة قليلة من أبناء المكونات الأخرى".

يتابع: "بعد قيام حزب البعث ومن خلال قرارات مدروسة، بنقل خدمات عدد من الموظفين المسلمين من مدن أخرى إلى الشيخان، ومع افتتاح عدد من الدوائر الحكومية والمستشفيات والمدارس الجديدة ارتفع عدد المسلمين تدريجيا في الشيخانً".

تأكيداً، للتحولات الديمغرافية التي حصلت في الشيخان والتي غيرت التركيبة السكانية بنحو جوهري، يذكر الكاتب المختص بالآثار والمهتم بتاريخ المنطقة محمد عارف تتر، أن "قضاء الشيخان تأسس في 16-12-1924، وقبلها بنحو عشرين عاماً وتحديدا في العام 1900 نزحت من تركيا 11 عائلة مسلمة لتستقر فيه".

يضيف الكاتب:"حينها استقبل أمير الإيزيديين سعيد بك، المسلمين النازحين وآواهم في منزله، ولاحقا أعطاهم قطعة أرض لبناء مسجد، وساهم الايزيدون مع المسلمين في بنائه، ومازال المسجد قائماً لغاية اليوم".

فلاح حسن (44 ينة) هو مختار لمنطقتين سكنيتين في مركز قضاء الشيخان هما (شيخ ماند) و(شيخ شمس)، يقول أن هجرة الايزيديين لم تستثني بيتاً في الشيخان، فقد ِهاجر أربعة من إخوته الى خارج البلاد والكثير من أقاربه.

ويشير إلى أن أكثر من 100 منزل مغلق الأبواب حالياً في الحيين السكنيين، بعد أن هاجر أصحابها إلى أوروبا"، مبينا أن غالبيتهم  هاجروا بعد العام 2014، في اشارة الى ما خلفه هجوم تنظيم داعش من نتائج سلبية على حياة ووجود الايزيديين، بعد عمليات الخطف والقتل الجماعي التي ارتكبها بحقهم.

ويرى حسن، أن معدلات الهجرة كانت صغيرة قبل هجوم داعش: "من العام 2003 إلى العام 2014 كانت معدلات هجرة السكان تتراوح بيبن 3% إلى 4%، لكن بعد سيطرة داعش على سنجار وسهل نينوى وصلت نسبة المهاجرين والمتطلعين للهجرة الى 70%".

ويلفت إلى أن معظم الايزيديين في الشيخان، خلال فترة سيطرة داعش على نينوى وما بعدها "باعوا أراضيهم بأرخص الأثمان، على أثرها انتقلت عائلات من مكونات أخرى مثل الشبك والغجر والكوران إلى القضاء وسكنت فيه".

على الرغم من أن تنظيم داعش، لم يصل أبداً إلى مركز قضاء الشيخان، لأن قوات البيشمركة الكردية  مدعومة بقوات التحالف الدولي دافعت وبشراسة عن المنطقة، إلا أن الخوف والشك الذي زرعه التنظيم في نفوس الايزيديين بما فيهم أهالي القضاء، كان كفيلا بتسريع معدلات هجرتهم الى خارج البلاد.

يقول ناشطون مدنيون من المكون الايزيدي، أن الناس كانوا يخشون سقوط الشيخان مثل سنجار بالكامل بايدي عناصر داعش، وان يذهب آلاف آخرون من أبناء هذه المناطق ضحايا لتصفيات "التنظيم الإرهابي"، خاصة ان الكثير من أقارب ومعارف الإيزيديين في المنطقة وقعوا في سنجار بين أيدي عناصر التنظيم. الذس وحتى بعد هزيمته لم يكن هناك تفاؤل أو أمل بحصول استقرار دائم.

يوضح فلاح حسن، المشهد بنحو تفصيلي:"قبل وصول داعش كان عدد العائلات المهاجرة يبلغ بضعة عشرات سنوياً، لكن بعد العام 2014 وصل العدد إلى المئات. فقط في الحي الذي أعيش فيه، تم عرض أكثر من 100 منزل للايجار وتركت منازل أخرى".

يتابع:"إذا قمت بتعداد أسماء الذي هاجروا فلن أنتهي خلال ساعات، كان المنزل المقابل لداري يضم 15 فردا هاجروا جميعهم، خمسة من إخوتي الآن يعيشون في خارج البلاد، اثنان منهم هاجرا بين عامي 2007 و2009، والآخرون مع والدتي هاجروا بعد العام 2014". 

جغرافيا تضم الشيخان نواحي، اتروش، قصروك، كلكجي، باعدري، زلكان، وكل من قرية مهات وبتنار التي يسكنها الإيزيديون، دوشيفان وتسقلا كلتاهما يسكنها المسلمون، وسروكانى التي يعيش فيها أبناء الديانتين الإيزيدية والمسلمة.

يبلغ عدد سكان الشيخان، بما في ذلك النازحين، حوالي 130 ألف نسمة، يتواجد 40 الف في وسط المدينة، والباقي في نواحيها وقراها، وهي إداريا تابعة لمحافظة نينوى، لكنها تدار فعليا من محافظة دهوك منذ العام 2003، كونها منطقة متنازع عليها بين حكومتي اربيل وبغداد، ولم يحسم مصيرها لغاية الآن.

ذلك التنازع الاداري بين الحكومتين، أثر على واقعها العمراني والخدمي، فظلت طوال سنوات محرومة من الكثير من الخدمات، بينما تلقي كل حكومة مسؤولية ذلك إلى الأخرى.

متى بدأت الهجرة من الشيخان؟

تنقسم ظاهرة هجرة الإيزيديين في قضاء الشيخان إلى مراحل عدة، المرحلة التي شهدت اعلى معدلات الهجرة كانت بعد سيطرة تنظيم داعش على سنجار واقترابه من الشيخان إثر سيطرته على غالبية بلدات سهل نينوى التي تضم المسيحيين والايزيديين الى جانب الشبك والكرد المسلمين. لكن حتى بعد القضاء على التنظيم وانتهاء خطره في 2017، لم تعد الا نسبة محدودة من العائلات إلى منازلها في مجمل محافظة نينوى.

يؤكد ذلك المسؤول الايزيدي السابق هادي دوباني، قائلا "الهجرة الواضحة من الشيخان جرت على مرحلتين، الأولى كانت بعد العام 2003 حيث ظلت النسبة منخفضة، بمعدل شاب واحد من كل 20 أسرة، لكن المرحلة الثانية بعد العام 2014 كانت مختلفة وشهدت هجرة واسعة ولن تجد عائلة لم يهاجر احد من افرادها نتيجة المخاوف الأمنية والتدهور الاقتصادية وعدم اليقين بشأن مصيرهم".

غالبية المهاجرين الايزيديين يقصدون دول أوربا الغربية، ألمانيا على وجه التحديد حيث توجد الجالية الايزيدية الأكبر على مستوى العالم، بينما هجر بعض الايزيديين الشيخان باتجاه دهوك وضواحيها أو إلى مدن أخرى تتوفر فيها فرص العمل ومستوى أفضل من الخدمات.

يقول محمد عارف، الذي درس الآثار في جامعة الموصل، ويدرس حاليا الدكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية: "إذا قارنا عدد الإيزيديين في مركز الشيخان بين عامي 1900 و2014، نلاحظ حجم التغيير السكاني الذي حصل وحجم التراجع في نسبتهم".

يضيف الباحث:"في بداية القرن الماضي كانت نسبة الإيزيديين تتراوح بين 88 إلى 90 بالمئة من نسبة السكان، بحسب الأرقام المتاحة لدينا، لكن نرى أن النسبة انخفضت مقارنة ببقية المكونات بنحو الثلثين وبات الايزيديون يشكلون 30%، نتيجة النزوح والهجرة الى دول العالم".

لماذا يهاجر الإيزيديون من وطنهم؟

يعلق هادي الدوباني، على أسباب ودوافع الهجرة: "كان لدي منزل في الشيخان وشقة في دهوك، وكنت مديراً للوقف الإيزيدي، حياتنا كانت جيدة، لكن عندما جاء داعش تغير كل شيء، وانقلبت الأمور".

بينما كانت الحرب مستعرة مع تنظيم داعش، ووسط الأوضاع الصعبة إذ غالبية الايزيديين تكسدوا في المخيمات، وكان يتم يوميا تناقل فظائع داعش وقصص الضحايا، فيما الكثيرون من أبناء الشيخان يتركونها بعد بيع ممتلكاتهم بمبالغ متدنية بقصد الهجرة. ترك دوباني مدينته وانتقل الى دهوك.

يقول :"كان ذلك في العام 2016 وشهدت هناك أثناء اقامتي، الهجرة التدريجية الحاصلة من كردستان. منها انتقلت الى زاخو وأصيبت زوجتي بجلطة دماغية، ومع تدهور الأوضاع المالية نتيجة تأخر دفع الرواتب واستقطاعها لنحو ثلاث سنوات، بعت ذهب زوجتي وقررت الهجرة".

قرار غالبية الايزيديين بالهجرة، كان مدفوعا بجرائم داعش وعمليات خطف وقتل الإيزيديين على الهوية، لكن كانت هناك عوامل حاسمة أخرى كالوضع الاقتصادي المتردي، ونقص فرص العمل، وغياب العدالة الاجتماعية، وإهمال الشيخان من ناحية تقديم الخدمات، الى جانب "انتهاج سياسة الأبواب المشرعة في المدينة لتصبح مجتمعاً منفتحاً دينياً وعرقياً، وجعلها عاصمة للتعايش" من قبل مسؤولي القضاء، يقول ذلك ناشط ايزيدي فضل عدم ذكر اسمه.

ويضيف:"خلق ذلك نوعا من الانزعاج لدى الايزيديين، الذين شعروا أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في القضاء".

يضيف هادي دوباني، على ذلك جملة عوامل أخرى أسهمت في زيادة الهجرة، بينها العامل السياسي، يقول: "عندما جاء الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الشيخان بعد العام 2003 وسيطر على ادارتها، اعتمد سياسة فاشلة، فمنح مناصب لأشخاص لم يكونوا مؤهلين، وقام بتقديم البعض في المواقع الادارية وتجاهل آخرين ذوي كفاءة، مما ولد رد فعل سيء".

ويتابع:"كان هنالك تمييز اجتماعي، فالشباب الإيزيديون ظلوا محرومين من فرص العمل والتعيين في الوظائف ومن مسائل أخرى، ساهمت بمجملها في انزعاج الايزيديين، حتى أن لدى ايزيديي الشيخان نكتة معروفة تقول أنهم يستخدمون كديكور للزينة فقط".

غياب العدالة الاجتماعية والقانون

يرصد محمد عارف، الباحث المهتم بأوضاع المنطقة وتاريخها، نوعاً من التمييز والتهميش الذي تعرض له الايزيديون في الشيخان والذي ساهم في هجرتهم، قائلا :"بعد اكتشاف النفط وانتاجه في المنطقة من قبل شركات أجنبية، تم استقدام عاملين من خارج الشيخان ومن مجتمعات ومكونات أخرى للعمل في هذه الشركات، وشعر السكان الأصليون انهم مغدورون ومحرومون، حين لم يجدوا لأنفسهم مكانا في الفرص الواعدة للشركات العاملة".

ويتابع الباحث :"بعد تحرير الموصل والقضاء على تنظيم داعش، استملكت الحكومة مساحات من الأراضي تعود ملكيتها للإيزيديين مقابل تعويضات قليلة، ثم باعتها البلدية بأثمان باهظة لأشخاص آخرين مثل الغجر والشبك وغيرهم من المكونات، وهو ما ساهم في زيادة نسبة المكونات مقابل تراجع نسبة الايزيديين في مركز قضاء الشيخان".

ويشير الى تكرر ذلك سابقا بتوزيع قطع أراض بعد العام 2005 بنحو يصفه بغير العادل وبالوساطات والمحسوبيات، على حد تعبيره، ويواصل "وزعت بعضها على كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني وعلى أشخاص آخرين مقربين منه".

عدا الأمن والاقتصاد والتمييز المكوناتي، يورد هادي بابا شيخ، رئيس مكتب (بابا شيخ) وهو أعلى منصب ديني لدى الإيزيدية، جملة عوامل أخرى، يرى أنها تقف وراء هجرة الايزيديين وتناقص نسب وجودهم في الشيخان.

إذ يقول:"حالة الفوضى والتسيب في الدولة وعدم وجود ضمان لتطبيق القانون، هو السبب الرئيسي للهجرة، لا وجود لحالة مشابه في كل العالم، أن تجد مختارين في نفس المنطقة والحي، أحدهما يرجع الى الحكومة الاتحادية والثاني إلى حكومة إقليم كردستان أو أن تجد دائرتين للبلدية، والزراعة، والتعليم، لو قامت مؤسسات الدولة بعملها بالشكل الصحيح، وكانت للدولة سلطة قانونية وادارة جيدة، لما حدثت هذه الهجرة".

ويضيف هادي بابا شيخ: "كثيراً ما نتحدث عن التعايش السلمي، في الحقيقة التعايش ليس بحاجة لي أنا أو اليك أنت، بل هو مرتبط بشكل ما بقانون الدولة وتطبيقه، لكن للأسف الدولة غير قادرة على ضمان تطبيق القانون. في شهر واحد فقط من العام 2024 وقعت أربع جرائم قتل في الشيخان بسبب غياب الدولة والقانون"مشيراً بذلك إلى عدم شعور الإيزيديين بالأمان.

التمييز في الوظائف

وينتقد رجل الدين بدوره غياب فرص العمل في وقت تواصل الشركات النفطية نشاطها في وسط الشيخان: "في مرتفعات ناحية باعدرا التابعة لقضاء الشيخان تعمل الشركات النفطية، أشخاص من خارج المنطقة يعملون فيها، في حين لا يزال شبابنا يعملون بالمعول والفأس".

ويوجه سؤاله للمسؤولين عن المنطقة :"مع وجود كل هذه الشركات ضمن الحدود الادارية للقضاء، ترى كم مدرسة ومستشفى شيدت هنا.. لقد تم إهمال مناطقنا بالكامل، اذهب إلى ناحية باعدرا القريبة واسأل عن عدد الدوائر الحكومية فيها، ستجد أنه لم يتم الى الآن افتتاح دوائر المحكمة والمياه والدفاع المدني والعديد من الدوائر الخدمية الأخرى، باعدرا ناحية فقط بالاسم، عندما يرى الإيزيدي كل هذه الأمور، لايجد أمامه خيارا سوى الهجرة".

ويورد هادي بابا شيخ، واقعة حصلت مع شرطي مرور ايزيدي، كمثال على غياب القانون، يقول: "منذ ستة او سبعة أعوام جاء مسؤول حكومي كبير إلى الشيخان، كان ابنه يقود السيارة وارتكب مخالفة في شارع محظور، فأوقف الشرطي السيارة وأخبره بالمخالفة. بدل معالجة الأمر، استشاط الأب (المسؤول) غضباً واتصل من فوره بقسم مرور دهوك التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق الشرطي، على اثرها أصيبت والدته بسكتة دماغية وتوفيت في ذات اليوم".

يضيف:"بسبب ذلك الحادث هاجر نحو 50 شرطي مرور إيزيدي الى خارج البلاد، رأى هؤلاء أنهم لا يستطيعون أداء واجبهم او نصرة موظف ايزيدي لم يرتكب أي خطأ ووقع عليه ظلم بسبب التمييز الاجتماعي وغياب العدالة، هذه الحوادث تثير تساؤلات لدى الايزيديين بشأن حياتهم ومستقبلهم".

مديرة بلدية قضاء الشيخان، خالد نرمو، يرجع بدوره ارتفاع معدلات الهجرة الايزيدية خاصة من الشيخان، الى تدهور الأمن في نينوى بعد العام 2003، ويقول ان الوضع الأمني في الموصل حيث كان يعمل ويدرس عدد كبير من الايزيديين، تدهور عقب تغيير النظام السابق ومع ظهور التنظيمات الارهابية.

ويضيف :"في أثرها قُتل الإيزيديون على هويتهم وانتمائهم الديني، في وقت فتحت الدول الأوروبية وبسبب الوضع الخاص للإيزيديين أبوابها لهم ومنحتهم حق اللجوء، ثم جاء داعش الذي خلق المزيد من المخاوف وتشكلت لدى الايزيديين قناعة بأن الحياة في العراق لم تعد آمنة بالنسبة لهم، فحصلت موجات الهجرة الأكبر".

وللاشارة الى مدى تأثير تلك الهجرة على التمثيل السكاني، يقول :"في ثمانينات القرن الماضي بقضاء الشيخان كان الايزيديون يشكلون 70% من سكان المركز، والباقي مسلمون ومسيحيون، وفي التسعينيات انخفضت النسبة إلى 60%، لكن منذ العام 2003 انقلب التمثيل كلياً، فمن أصل 40 ألف نسمة في المدينة اليوم يشكل الايزيديون فقط 30%، والباقي مسلمون مع عدد قليل من العائلات المسيحية".

تعامل الحكومة العراقية

لم تولِ الحكومة العراقية الاهتمام الكافي بالمناطق الإيزيدية، في ظل ضعف سلطة الايزيديين داخل الحكومة الاتحادية كون غالبية الإيزيديين يعملون مع الأحزاب والقوى السياسية في اقليم كردستان، هذا ما يؤكده مدير البلدية خالد نرمو، ويضيف :"تدهورت علاقات إقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية في العام 2012، عندما تمت مقاطعة الحكومة المحلية في نينوى، وجراء ذلك تأثرت الشيخان وسنجار نتيجة عدم تنفيذ أية مشاريع خدمية فيها، وماتزال الحكومة الاتحادية لا تتعامل بعدالة مع القضاء" وفقاً لتعبيره.

ويتابع:"بعد العام 2005 تم تنفيذ بعض مشاريع الطرق، لكن هناك حاجة إلى فتح طرق جديدة واصلاح القديمة، كما الى مشاريع تطوير كبيرة، ففي الشيخان متنزهان صغيران أو ثلاثة وهناك حاجة للمزيد، ولا يوجد غير مستشفى واحد يقصده سكان المدينة والمناطق المحيطة بها ويعاني من نقص في الأطباء والأدوية والمستلزمات".

وتسود البطالة في منطقة الشيخان خاصة لدى شريحة الشباب، نتيجة غياب القطاعات الانتاجية، حيث يعمل بعض السكان في مجال الزراعة، والبعض موظفون حكوميون، بينما يعمل آخرون في مهن حرة مختلفة، ومع انعدام المشاريع الصناعية عدا مصنع صغير لانتاج زيت الزيتون، يُجبر الكثيرون على التوجه إلى دهوك والمدن الأخرى بحثا عن عمل.

ما الذي يمكن أن يوقف الهجرة ؟

يرى خالد نرمو، أن وقف الهجرة تتطلب عملية إعادة بناء للثقة لدى الفرد الإيزيدي، وهذا لا يمكن أن يتشكل اذا لم يكن الإيزيديون في مفاصل السلطة.

ويقول:"على الرغم من أن حكومة إقليم كردستان لم تهمل هذا الجانب، لكن ينتظر الايزيديون المزيد، مثلاً أن يكون قائممقام شيخان إيزيديا، فهل من المنطقي عدم وجود شخص ايزيدي مناسب لهذا المنصب أو عدم قدرة شخص إيزيدي على إدارة القضاء"، مشددا على أهمية إعطاء القضاء خصوصية وزيادة تنفيذ المشاريع الخدمية فيها، مع توفير فرص عمل للشباب، وفي الوقت نفسه حماية هويتهم كأيزيديين وأقلية.

خلال العقدين المنصرمين، تولى ثلاثة شخصيات إيزيدية منصب قائممقام قضاء الشيخان، ثم تولاه ثلاثة مسلمون، والآن القائمقام هو شخص مسلم.

يقول جوهر علي بك نائب أمير الإيزيديين، أن حل مشكلة هجرة الايزيديين عن أرضهم، تكمن في تطوير اقتصاد المنطقة "وتوفير فرص العمل للشباب، وتنفيذ المشاريع الخدمية كبناء المستشفيات الحديثة والمدارس، وتقديم المزيد من الدعم والمساعدة للإيزيديين مادياً ومعنويا". 

لكن قيدار نمر، من سكان الشيخان، ويعيش في ألمانيا منذ 16 سنة، يقول بأن الأمر لا يرتبط بالوضع الاقتصادي والخدمي فقط، فهو يرى المسألة أكبر من ذلك، معربا عن قناعته بأن "90% من الإيزيديين الذين يهاجرون لا يفعلون ذلك بسبب الفقر، بل لأنهم لا يشعرون بالأمان".

ويوضح نمر، الذي يستبعد توقف الهجرة في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة: "قبل مجيئي إلى ألمانيا، كنت ضابطاً في الحكومة العراقية، لم تكن لدي أية مشاكل مالية، الشيء الوحيد الذي جعلني أهاجر هو أنني شعرت أن هذا البلد ليس آمنا بالنسبة لنا". 

ويتابع:"هنالك العديد من الأمثلة التي تجعلنا كأيزيديين نشعر بعدم الأمان والراحة، على سبيل المثال، ردود الفعل الكبيرة التي حصلت بشأن تصريحات قاسم ششو، قائد قوات الدفاع الإيزيدية (اتهم بالإساءة الى النبي محمد في كلمة ألقاها بقضاء سنجار) رأينا في كردستان حينها هجوما عنيفاً على كل الإيزيديين"، في اشارة الى الانقسامات المجتمعية على خلفية دينية والتي تولدت نتيجة خطأ في التعبير وقع فيه المسؤول الإيزيدي بشأن من يقف خلف فكر داعش.


ملاحظة: أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع "الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة".




29-09-2024, 22:19
العودة للخلف