الكاتبان: د بلال الخليفة - حسنين تحسين
يكاد يكون اللاعب الرئيس في الاقتصاد العالمي هو سعر برميل خام النفط وذلك لما له أهمية كبيرة في تحديد قيمة التعريفة الكهربائية و المحروقات وكلف سلسلة الامدادات العالمية المؤثر الكبير في سعر المواد المستوردة عالميا، خصوصًا والبشرية شهدت فوضى بسلاسل التوريد نتيجة جائحة كورونا اثرت على كل شيء.
وبالتالي ان ما يجري على أسواق النفط ستتأثر فيه اقتصادات العالم ومن ثم السياسات الدولية، حتى ذهب البعض بقول ان المحرك الأول للسياسة الدولية هو الاقتصاد وبالذات السوق النفطي. حيث ان كثير من الأمور تؤثر سلبا وايجابا على أسعار النفط العالمية ومنها الحروب كالحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة وما تعلق بها من احداث في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
بداية الأمر مع الحرب الروسية الأوكرانية حيث ارتفع سعر النفط إلى ارقام كبيرة وصلت 150 دولارا، ولاحظ حينها الأمريكان ان روسيا قد كانت مستعدة اقتصاديًا لهذا الشأن بقرارات دعمت فيها عملتها الروبل بشكل ابهر الجميع اذ قررت روسيا بيع نفطها بالروبل مما يحتم على الدول الحصول الروبل اولاً ثم النفط فبهذا دعمت روسيا عملتها و أعطتها قوة بشكل اكبر مما هي عليه قبل الحرب!! مما فلم تنفع عقوبات امريكا و الغرب حينها حتى ذهب بهم الأمر إلى مقترح ثبتوه قرارًا اعتمدته امريكا و اوروبا و ذلك بتحديد سقف بيعي للنفط الروسي، هنا بدأ استقرار اسعار النفط تحت الـ90 دولارا و نزلت دون 80 دولارا ايضًا، إذ فقدت حرب روسيا و أوكرانيا فاعليتها بالتأثير على اسعار النفط و عاد الامر لرغبة السوق بالعرض و الطلب و اصبحت الأنظار متوجهه نحو الصين و معدل النمو و تباطأ الاقتصاد بالصين كمؤثر على اسعار النفط، هذا تقديرات اوبك المؤثر بالحفاظ على سوق يوازن العرض و الطلب.
الحرب في المنطقة (الحرب على غزة)
بادئ الأمر لم تؤثر احداث السابع من اكتوبر على اسعار النفط و لكن احداث الاغلاق لمضيق باب المندب من قبل اليمنين على سفن اسرائيل و دول تدعم اسرائيل اثرت بشكل واضح على التجارة العالمية ككل و من ضمنها النفط فأصبحت السفن تضطر لسلوك طرق اخرى كرأس الرجاء الصالح لتجنب هذه المنطقة.
لكن رغم ذلك لم يتأثر سعر برميل النفط كثيرًا و طويلًا و ذلك كون فلسطين و إسرائيل ليسا دول نفطية و ان العقبة كانت فقط هو عبور السفن النفطية من مضيق باب المندب.
الانتخابات الامريكية
تنتظر السوق العالمية موجات كبيرة من التسونامي الاقتصادي و ذلك مع قرب الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل حيث تتزامن الانتخابات الأمريكية ايضًا من بداية سلسلة خفض معدلات الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي.
تكتسب هذه الانتخابات أهميتها بالنسبة الاسعار النفط و ذلك من سلوك المرشحين للتعامل مع السوق النفطي، حيث يتزاحم شخصان متنافرين تمامًا للتعامل مع النفط، فكاميلا هآريس الداعمة للمناخ و السعي نحو الطاقة النظيفة و الاخر دونالد ترامب الذي يرى ان حماية المناخ و تأثير الطاقة كذبة على الاحتباس الحراري!!و وفق ذلك هنالك نتيجتين:-
فوز كاميلا هآريس: و يعني استمرار السياسة الأمريكية الحالية خارجيًا و اقتصاديًا، و التي تبدو فيها امريكا و كأنها الدولة العثمانية في ربعها الاخير، حيث ان امريكا كل همها هو اشغال روسيا بحرب أوكرانيا و المحافظة على تفاهم مع اوبك و خاصة السعودية يعطي النفط سقفه الذي لا يتجاوز فيه 90 دولارا.
فوز دونالد ترامب: و هو الأوفر حظًا إلى الان و وصوله يعني انقلاب كل شيء رأسًا على عقب، فالرجل تاجر يُتقن لعبة الأسواق يبيع بالذروة و يشتري من حين يستسلم الجميع. ترامب كما اسلفنا يرى ان مسألة المناخ و الحفاظ عليه كذبة هدفها تعطيل قوة امريكا مما يسمح للصين بالتقدم، و على عكس بايدن و الرؤساء الأمريكان السابقين الذين يرون روسيا انها العدو التقليدي لأمريكا، يرى ترامب بأن روسيا ممكن ان تكون حليف يمكن الوثوق بيه و انه عدوه هو الصين التي تعاظمت بهدوء و انشغال امريكا بروسيا.
وصول ترامب للقيادة مرة اخرى يعني ان الدول ريعية الاقتصاد ستتكبد الضيم الكثير، و ذلك لان ترامب يعتمد على استراتيجية الانتاج الكبير من النفط حتى تنخفض اسعار النفط الامر الذي يعني انخفاض في كلفة تشغيل الطاقة اللازمة للإنتاج المحلي و العالمي.
ترامب معروف عنه انه لا يريد اسعار نفط فوق 70 دولارا، و مرجح انه يريدها دون 60 دولارا و قلها قبل ايام انه " لا تتفاجئوا إذا رأيتم ان سعر النفط قد بلغ 30 دولارا في عهد ترامب الجديد!!!" هذا الرقم يحدث من خلال ضغوطاته و اتفاقياته التي تسمح للدول النفطية و حثها على رفع الانتاج و ذلك لزيادة المعروض، معادلة اقتصادية ذكية.
هذا امر حتمي و لكن دول مثل العراق إذا نزلت اسعار النفط دون 60 دولارا او حتى 70 دولارا، ماذا تصنع؟
حيث يعني العراق من عجز حالي اكثر من 60 ترليون دينار فكيف إذا نزل النفط و لو بنسبة 30% !!! الأمر مخيف ستكون الدولة عاجزة عن واجباتها.
لا حل امام العراق والدول الريعية المنتجة للنفط إلا بالاستعداد من الان لزيادة الانتاج النفطي عندما يتم الاتفاق لزيادته و كذلك كسب مزيدًا من المستوردين و تحسين قيمة النفط الخام المنتج حتى تؤهله للتنافس القادم. مع التفكير بجد لزيادة اعداد المصافي بالعراق و السعي لتصدير المشتقات النفطية والبتروكيمياوية وخصوصًا إذا حدثت حرب عالمية شاملة تكون الحاجة للمشتقات النفطية اكبر إذ ان المصافي في الدول المتحاربة تكون اول الاهداف.