الصفحة الرئيسية / الجفاف يضرب الثروة الحيوانية في نينوى.. غياب خطط التنمية يهدد بفقدان اللحوم المحلية خلال سنوات

الجفاف يضرب الثروة الحيوانية في نينوى.. غياب خطط التنمية يهدد بفقدان اللحوم المحلية خلال سنوات

بغداد اليوم- نينوى

"أبيع قسماً منها لإطعام البقية"، هذه هي الإستراتيجية التي يتبعها مربي الماشية، مهدي حسين (55 عاما) من قرية (بايبوخ) في سهل نينوى، شرق الموصل (405كم شمال بغداد) ليحافظ على بعض رؤوس الماشية التي يمتلكها ويديم مهنته المهددة، بعد جفاف المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف بنحو قياسي.

يحاول أن يتذكر كم يبلغ سعر الطن منها في ظل الارتفاع المستمر، يرفع صوته سائلاً عن ذلك ابنه مصطفى (16 سنة) المنشغل في مكان قريب بمراقبة مجموعة من الخراف، يجيبهُ الفتى بحماس وهو يرفع يده للأعلى كأنه في حصة مدرسية "900 ألف دينار".

فيقول الأب وهو يصفع يديه ببعضهما، متذكراً "نعم، من 200 ألف دينار خلال فترة وجيزة، إلى 900 ألف، وقريبا مليون دينار للطن" أي 753دولاراً. ويتابع بحيرة "كيف يمكننا ادامة مهنتنا، الحليب واللبن والجبن، أسعارها مثل ما هي، لذلك فما نبيعه منها لا يكاد يغطي سوى جزء من نفقاتنا".

يقطع مهدي، عشرات الكيلومترات يومياً بحثاً عن مساحة خضراء تسد جوع ماشيته، فانحسار الأمطار، حولت المكان إلى أرض مقفرة، مع أن سهل نينوى يقع ضمن ما يعرف بالخط المطري، وأراضيه مشهورة بخصوبتها.

الكثير من مربي الماشية في نينوى واجهوا المشكلة ذاتها، ومع صعوبة تأمين التغذية لقطعانهم، استسلموا للأمر الواقع وهو التخلي عن مهنتهم كما تخلوا قبلها عن الزراعة، هم يراقبونها بحسرة وهي تتناقص أمام أعينهم فيفضلون البيع على النفوق بسبب الجوع

هذا الأمر أدى إلى تقلص غير مسبوق في الثروة الحيوانية بمحافظة نينوى، يحدده مطلعون بأكثر من 20%، وبعضهم يتحدث عن 50% خاصة مع تزايد عمليات تهريب الماشية إلى دول الجوار، وبالتالي ارتفاع في أسعار اللحوم الحمر في أسواق المحافظة.

 

تراجع كبير بسبب الجفاف

قبل نحو عقدين من الآن، كانت نينوى تعرف بـ"سلة خبز العراق"، لأنها كانت تضم 45%من الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى البلاد، وكانت فيها مساحات رعي طبيعية شاسعة، فضلا عن بنى تحتية ضخمة لتربية الدواجن والمواشي

لكن بفعل انحباس الأمطار والجفاف وزحف الرمال على القرى التي كانت تنشط في الزراعة، تغير الأمر، وبعد التقلص الكبير في المساحات المزروعة ولاسيما في مناطق جنوبي وغربي المحافظة، جاء الدور على الثروة الحيوانية التي تشهد تناقصاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة.

يتحدث عن ذلك بنبرة قلق، أحمد الطائي، مدير قسم الثروة الحيوانية في زراعة نينوى، إذ يؤكد تراجع أعداد المواشي بنحو كبير خلال السنوات الأخيرة "بعد أن كانت الأغنام لوحدها في المحافظة، تشكل %30 من إجمالي ما موجود منها على مستوى البلاد"، مستنداً في ذلك على أرقام مركز الإحصاء التابع لوزارة الزراعة.

"الجفاف أكل كل شيء" بهذه العبارة الموجزة يصف تأثير القحط، على الثروة الحيوانية في نينوى منذ 2019. ويضيف: "كان لدينا في المحافظة 5 مليون رأس غنم وماعز، و120 ألف رأساً من الأبقار، و26 ألف رأس جاموس، لكن هذه الأعداد هبطت في 2022 إلى أربعة ملايين رأس غنم وماعز، و 75 ألف رأس بقر، و 23 ألف رأس جاموس، والانخفاض مستمر بنحو متسارع". 

وهذا ينطبق على الأبل التي انخفضت أعدادها في نينوى إلى 21 ألف رأس، والخيول، 500 رأس فقط.

هذا التراجع في اعداد المواشي في نينوى، التي تضم النسبة الأكبر للمواشي في عموم البلاد، يؤشر حجم تراجع الثروة الحيوانية الى الحد الذي ربما ستفتقد فيه البلاد اللحوم المحلية خلال العقد المقبل اذا استمرت معدلات التدهور الحالية للمراعي بسبب الجفاف الذي يزيد سنويا مساحات الأراضي المتصحرة، بحسب خبراء.

ويحددالطائي بعض أبرز الأسباب وراء تراجع الثروة الحيوانية في المحافظة، وترتبط جميعها بالجفاف نتيجة التغير المناخي، وتتمثل في ارتفاع أسعار الأعلاف المحلية والمستوردة، وتخلي العديد من المربين عن مهنتهم بسبب تكبدهم لخسائر مالية أو هجرتهم إلى أماكن أخرى بحثا عن مراعي خضراء بعد انحسارها بشدة في مناطق نينوى المختلفة.

ويتابع بأسف: "أغلب المربين يحاولون التخلص من مواشيهم ببيعها، او ينحرونها قبل هلاكها بفعل الجوع والعطش نتيجة الجفاف في بعض المواسم".

ولكن ثمة سبب آخر، لانخفاض أعداد الماشية في نينوى، إذ يقول الخبير في مجال الثروة الحيوانية شهاب قاسم، أن التغيير المناخي وما ترتب عليه من شحة الأمطاروخسارة المراعي أثر على الثروة الحيوانية وبالتالي انتاج اللحوم في العديد من المناطق القريبة من نينوى ولذلك نشطت عمليات بيع وتهريب الماشيةً إلى خارج المحافظة.

ويوضح: "الكثير من تجار الماشية، يتوافدون الى نينوى، ولا سيما الى المناطق التي تتركز فيها تربيتها، يشترون قطعاناَ كاملة وينقلونها إلى محافظات أخرى، او يهربونها إلى سوريا، بسبب جودتها ورخص أسعارها مقارنة بتلك المناطق".

ويلفت إلى أن هذا الأمر أدى كذلك إلى ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في مدينة الموصل مركز المحافظة ومراكز الأقضية والنواحي فيها، ووصل إلى 16 ألف دينار للكيلوغرام الواحد لبعض الانواع أي ما يعادل 12 دولار.

لكن تظل تلك الأسعار أقل من الأسعار في محافظات اقليم كردستان المجاورة بنسبة تصل الى 20% ما يشجع مربي المواشي في نينوى الى بيعها في الاقليم وباقي محافظات البلاد.

ولا ينفي قاسم تأثير شحة الأمطار وبالتالي ارتفاع أسعار المواد العلفية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأعلاف التي يعتمد عليها المربون في حال ندرة المراعي أو في الحضائر، على تراجع اعداد المواشي

ويتفق مدير المستشفى البيطري في نينوى الدكتور عدي العبادي، على أن بيع أعداد كبيرة من الماشية خارج نينوى يؤثر على تلك الثروة في ظل الجفاف وضعف برامج دعم المربين. وأتهم الجهات الأمنية بالتقصير في مواجهة ما وصفه "بنزيف المواشي" في نينوىومحافظات عراقية أخرى

ويلفت الى ان أصحاب الماشية يبيعونها لمن يطلبها، فهذا أفضل من أن تنفق بسبب الجوع والعطش والأمراض، أو يضطروا لذبحها.

ويقترح الطبيب البيطري، عمر خزعل، أن يتم جرد رؤوس الأغنام والأبقار في المحافظة وإحصاء أعدادها بدقة، لتكوين قاعدة بيانات شاملة يتم من خلالها مراقبة السوق، ومنسوب التراجع في الثروة أو ما تحقق من معالجات حكومية إن وجدت".

غياب الدعم الحكومي

رئيس جمعية الثروة الحيوانية في نينوى، عبدالحميد الراشدي، وبخلاف ما ذكره مدير قسم الثروة الحيوانية من أرقام بشأن أعداد الموشي، يقول بأنها انخفضت إلى النصف، ويلقي باللوم على الحكومتين المركزية والمحلية متهما إياهما بعدم الاكتراث لفقدان الثروة الحيوانية وعدم وضعها برامج لتنميتها.

ويؤكد:"الحكومة لم تدعم مربي الماشية في أعوام الجفاف السابقة وهذه السنة الدعم مفقود أيضا"، ويرى بأن دعم أسعار الأعلاف، وتوفير اللقاحات سيحفزان المربين على البقاء في مهنتهم وتطويرها

توجد في نينوى التي يزيد عدد سكانها عن أربعة ملايين نسمة، ثلاثة أسواق لبيع مختلف أنواع الماشية، لكن مع ذلك تسمى (سوق الغنم). اثنان منها بالجانب الأيسر لمدينة الموصل، والثالث في الجانب الأيمن.

وتوجد في المحافظة مجزرة ماشية واحدة فقط تقع في الجانب الأيسر للموصل، لكن لا يلجأ اليها دائما الجزارون وتجار اللحوم، إذ يتم جزر الماشية خارجها على الرغم من وجود تعليمات بمنع الجزر العشوائي.

يصل سعر الكيلو غرام الواحد من وزن العجل الحي إلى 11 ألف دينار (نحو 8 دولار) ويضرب في وزنه الكلي، ويبلغ سعر الجاموس الواحد بين 6 الى 7 مليون دينار، (4000، 5000 دولار)ويتراوح سعر الخروف بين 300 الى 700 ألف دينار،(225 الى 500 دولار) حسب وزنه.

الأمراض وارتفاع اسعار الأعلاف

منطقة كوكجلي، شرقي مدينة الموصل، غالبية سكانها من الشبك، توجد فيها العشرات من حظائر تربية وتسمين العجول، عانت القطعان فيها من الحمى القلاعية بين شهري تشرين الثاني/نوفمبر 2022 وشباط/فبراير2023، وتعرض أصحابها إلى خسائر قال بعضهم أنها كبيرة جداً، إذ نفقت خمسون رأساً من العجول في الأقل يومياً.

مهند أحمد مربِي ماشية، يقول بأن المرض يضرب المنطقة كل عام تقريبا، إلا أن المرة الأخيرة كانت الأشد ربما بسبب تدهور نوعية الغذاء والماء حسب قوله دون ذكر أسباب علمية تؤكد على ذلك. ويقول أطباء بيطريون ان سبب ظهور المرض قد يرجع الى استيراد حيوانات مصابة، او نتيجة اعلاف ملوثة بالفيروس، منبهين الى ان المرض ينتقل من خلال الغذاء والمياه الملوثة. وقد أصيبت القطعان في الحظائر مما أدى الى ازدياد الخسائر وفقا لما ذكر، وطالت غالبية مربي الماشية الذين تراجع انتاجهم من الحليب واللحوم بسبب المرض، واحتاروا ما بين بيع مواشيهم سريعا وخسارة مهنتهم او المغامرة بمواصلة العمل في بيئة تواجه تحديات كبيرة.

واشتكى أحمد من قلة اللقاحات المضادة للمرض وارتفاع أسعارها، وندرة عيادات الطب البيطري القريبة، وارتفاع تكاليف نقل المواشي من المنطقة إلى باقي أنحاء المحافظة أو إلى خارجها.

وفيما يخص تحديات إطعام الماشية، بسبب ارتفاع أسعار أعلافها نتيجة تقلص المراعي، يقول مهند: "كنا نشتري طن التبن الواحد على سبيل المثال في 2019 بـ 1000 دينار، والآن أصبح 5000 ألف دينار، ولأن مياه الإسالة لا تصل الينا، وأمر حفر الآبار في المنطقة مكلف وغير مجد، فأننا نشتري المياه بواسطة الصهاريج، وبسعر 25 ألف دينار في كل مرة".

الحمى القلاعية انتشرت كذلك بين قطعان الماشية في غربي مدينة الموصل، وتحديداً في منطقة بادوش، التي تتركز فيها تربية الجاموس بسبب قربها من نهر دجلة، وتسبب المرض بنفوق المئات منها خلال الأشهر الأولى من 2023 وتراجع انتاج الألبان واللحوم على أثر ذلك.

وفي فترات انتشار المرض يبقى المربون والرعاة قريبين من القطعان ليلاً ونهارا، ومعهم سكاكينهم الحادة فبمجرد رؤيتهم لأي من جواميسهم على وشك الموت، يبادرون إلى نحرها، ومن ثم توزيع لحومها، على حد تأكيداتهم.

الطبيب البيطري عمر خزعل، يشير إلى أن الحمى القلاعية ترفع درجة حرارة الحيوان وتتسبب بتقرحات في الفم يعجز معها عن تناول الطعام فيصاب بالهزال، ليتداعى بعدها ويفقد قدرته على الحركة ويبقى طريحا لمدة يومين أو أكثر لينهض مجددا بعد إعطائه البرتوكول العلاجي المتمثل بالمصول وخافض الحرارة، ويموت أحيانا اذا تأخر علاجه.

تغير المناخ يضرب قطعان الجاموس

على ضفتي نهر الخوصر، وهو رافد فرعي لنهر دجلة ينحدر من شمالي الموصل، ليتلقي بالنهر في وسط المدينة، كانت وحتى قبل سنوات، تنتشر بيوت طينية وسقائف لمربي الجاموس.

وكان منظر الجواميس وهي في مجرى النهر الضحل، مألوفاً لسكان المدينة، إلا أن نضوب المياه في النهر، دفع مربيها لترك المكان والبحث عن مصدر مياه في مكان آخر.

اغلب هؤلاء توجهوا إلى منطقة الحاوي، على الضفة اليمنى لنهر دجلة، لكن وفق بعض المربين هناك، فهم باتوا يواجهون بدورهم تحديات عديدة، مثل تمدد العمران السكني بالقرب من الضفة، وشكاوى أهالي المنطقة ضدهم، لذلك فالكثير منهم سيضطر للمغادرة مجدداً بحثا عن مناطق أخرى تتوفر فيها المياه لقطعانهم، التي أصيبت بدورها بالحمى القلاعية في العام 2023 حاملة خسائر لا تعوض لمربيها

وقدرت دائرة زراعة نينوى، خسائر المربين من جراء انتشار مرض الحمى القلاعية في ظل غياب اللقاحات بأكثر من 540 مليار دينار عراقي، وحذر موظفو قسم الثروة الحيوانية فيها من تفشي المرض واستفحاله مرة أخرى في الأشهر الأخيرة من العام 2023.

بحزن بالغ قال مربي الجاموس، حاتم حبيب (43 سنة) وهو ينظر إلى قطيعه من الجاموس المسترخي على ضفة النهر "فقدت ثمانية منها في غضون أسبوع واحد فقط، إنها عين واصابتني!". ويستدرك"لست الوحيد الذي خسر من حلاله، هنالك أكثر من 600 مربي جاموس تعرضت قطعان الكثيرين منهم للعدوى القلاعية وفقدنا جميعا ما يقرب من ألف رأس منها، دون أن نلمس أي تحرك من جهة رسمية لدعمنا في مواجهة هذه المشكلة".

أحمد شاهين، تاجر حبوب في منطقة (اليابسات) في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، قال بأن شحة الأمطار رفعت أسعار علف الماشية إلى نحو 500 دولار بسعر الجملة. بعد أن كان بسعر 150 دولاراً.

وذكر بأن وفرة الأمطار ستعني توافر المراعي، وقلة الطلب على الأعلاف، وبالتالي انخفاض أسعارها، ويستدرك: "الأسعار مرتفعة عالميا في الوقت الحالي، لأن الجفاف مشكلة تواجهها الكثير من البلدان وليس العراق فقط".

مربي الأغنام ستار الجبوري، من منطقة القيارة جنوب الموصل، بدا عليه الضيق وهو يجوب سوق الحبوب، إذ تفاوض مع العديد من التجار هناك من أجل شراء طنين من العلف لخرافه. يقول وهو يفرد أصابع يديه أمامه بحيرة: "كل عشرة رؤوس من خرافي، تساوي الآن طناً واحداً فقط من العلف". ويذكر بأنه يملك الآن فقط 300 رأساً من الأغنام، من أصل ألفاً كان يملكها قبل سنوات، ولا يستبعد بأن يفقدها هي الأخرى إذا ما أستمر الجفاف على ما هو عليه.

في سوق الماشية جنوبي غرب الموصل، كان مربٍ آخر هو الحاج علي، يعرض خمساً من خرافه للبيع، قال بأن لديه فقط 25 رأسا، ويضيف بحدة "غدرت بنا الأعلاف"، ويعني بذلك ارتفاع أسعارها.

أما سعد إسماعيل فقد ترك مهنة تربية الحيوانات التي كان قد توارثها أباً عن جد، بعد عودته من رحلة النزوح، إلى سهل نينوى أثر انتهاء سيطرة داعش عليه في 2016، يقول "الأعلاف بالنار والزراعة تقلصت بشكل كبير في سهل نينوى ولم تعد هناك مراعى وفيرة للحيوانات، والكثير من المزارعين قطعوا أراضيهم الزراعية وباعوها للسكن".

ويذكر ان الكثير من سكان سهل نينوى وقضاء سنجار، وهي المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش في 2014، فقدوا كل مواشيهم وتكبدوا خسائر لا يمكن تعويضها أبداً.

بكثير من الحسرة، يؤكد علي حسن، من قرية قابوسي جنوب سنجار، تلك الحقيقة: "استولى التنظيم على مواشي الايزيديين والمسلمين الكرد، ودمر بيوتنا بعد ان نهب كل ما فيها، تحولنا فجأة من مزارعين ومربي مواشي منتجين الى مستهلكين ينتظرون المساعدات في المخيمات".

يضيف حسين، الذي لم يعد الى قريته ويقيم في مخيم بمدينة زاخو قرب الحدود التركية "بعد سنوات من المستحيل علينا العودة لمزاولة مهنة تتطلب رأسمال بعشرات ملايين الدنانير، حتى من بدأوا بتنمية قطعان صغيرة يواجهون مشكلة الجفاف، فاضطر غالبيتهم ترك تلك المهنة ومزاولة مهن أخرى كالعمل في مجال البناء".

تدهور مهنة الرعي

المهندس الزراعي أنس الطائي، يؤكد بأن مربي الأغنام وحتى الإبل في مناطق جنوبي وغربي نينوى يعانون بشدة من الجفاف وقلة المراعي، وأن الآبار التي يعتمد عليها سكان تلك المناطق لسقي المواشي والزراعة جفت لاسيما في مناطق "الحضر وزمار والعياضية والبعاج".

وكان تقرير مشترك قد صدر في شباط/فبراير2023 عن منظمتي سوليداريتي الدولية، حماة نهر دجلة  المحلية، قد دق ناقوس الخطر بشأن الوضع البيئي في المناطق الغربية لمحافظة نينوى، وحذر من اضطرار قرابة مليون نسمة من سكانها للنزوح في غضون السنوات السبع المقبلة بسبب الجفاف الشديد واحتباس الأمطار.

وتوقع البيان توجه أغلبيتهم للاستقرار في المناطق المشهورة بالزراعة وتربية المواشي على ضفتي نهر الزاب الكبير الذي يغذي الأجزاء الشرقية من سهل نينوى ومناطق غرب محافظة أربيل.

وتقر لجنة الزراعة النيابية بتقلص الثروة الحيوانية في العراق بفعل الجفاف، إذ يقول عضو اللجنة رفيق الصالحي بأن الجفاف لم ينعكس على الواقع الزراعي فحسب بل امتد للثروة الحيوانية، وأن هناك تسع مناطق في العراق متضررة وبشدة، من بينها محافظة نينوى

تداعيات الجفاف، ألقت بظلالها على مهنة الرعي، إذ فقد المئات وظائفهم، ولاسيما في مناطق جنوبي وغربي محافظة نيوى، ويضطر المتبقون منهم، ولاسيما رعاة الأغنام، إلى قطع مسافات طويلة بحثا عن الكلأ والماء بعد أن حاصر الجفاف مناطقهم.

سمرة غصوب، من منطقة البعاج غربي نينوى، ورثت مهنة الرعي من زوجها المتوفي قبل أربع سنوات، تقول بأن همها اليومي هو الحصول على المياه والعشب، لاعتماد اسرتها التي تعيلها على مجموعة الخراف التي تمتلكها.

هي تتمسك بأمل أن تتغير الأحوال وتعود الأمطار لتتساقط وأنلا تضطر لبيع مزيد من خرافها دون أن تتمكن من تعويضها: "اطفالي صغار، وأنا لا أعرف عملاً آخر، وليس بوسعنا الرحيل إلى مكان آخر".

اثنان من أشقاء سمر، تركوا الرعي، وانخرطوا في سلك الشرطة، والعديد من أٌقربائها، توقفوا عن الزراعة ولم تعد لديهم ماشي، حسبما تقول، وترى بان ذلك أمر محزن.

تدهور مهنة الرعي، تؤرق تاجر الأغنام أبو شامل (67 سنة) من سكان قضاء الحضر جنوبي الموصل، فقد كان يتعامل وحتى قبل سنوات قليلة، مع عائلات تمتهن الرعي، فيسلمها قطعان ماشيته مقابل أجور يصفها بالمجزية "كنت أدفع للراعي وأؤمن له أحيانا السكن مع عائلته وهو يوزع مهام الرعي على أفرادها".

غير أن أبو شامل وجد صعوبة في الصيف المنصرم في العثور على رعاة يمكن الوثوق بهم، وفقاً لتعبيره، ويضيف:"أما نزحوا لمناطق أخرى أو أصبحوا في الشرطة أو الجيش، عملنا يتداعى". ثم يضيف بثقة "الراعي لا يتقن عملا آخر، وسيظل راعيا مهما تنقل بين مهن أخرى".

رغم ذلك يعتقد أبو شامل، بأن نينوى ستستعيد عافيتها في مستقبل قريب، ذلك ان أعمل الكثير من سكانها ترتكز بالدرجة الأساس على الزراعة وتربية الماشية، لكنه يشترط لتسريع ذلك التعافي، دعماً حقيقاً من قبل الدولة، في منح الاعلاف واللقاحات بأسعار مدعمة، والحد من التهريب، وإنشاء مشاريع اروائية.

حلول مقترحة

رئيس جمعية الثروة الحيوانية في نينوى، عبدالحميد الراشدي، يرى بأن الدعم الحكومي لمربي الماشية هو الحل الأمثل لمواجهة ما تتعرض له الثروة الحيوانية في نينوى، والدعم هذا يكون من خلال "توفير الأعلاف واللقاحات لكي يتجاوز المربون بقطعانهم موسم الصيف في أقل تقدير، ويحمونها من الأمراض او يتداركونها لتجنب الخسائر الكبيرة".

في حين يؤكد مدير المستشفى البيطري الدكتور عدي العبادي، بأن "الحكومة المحلية عازمة على دعم مربي الماشية بسبب الضرر الذي لحق بهم جراء قلة الامطار، تماما مثلما تلقوا الدعم عقب حقبة داعش لحثهم على العودة في 2017".

العبادي يشير الى حزمة من الأوراق على مكتبه "هذه مخاطبات استباقية لتوفير لقاحات للماشية تحسبا لموجة الحمى النزفية ونفوق الحيوانات كما حدث العام الماضي، ونسعى إلى منع تتكرار ذلك"، مشددا على اهمية اطلاق برامج وطنية لتنمية الثروة الحيوانية.

المهندس الزراعي اياد شريف، يقول بأن تركز الثروة الحيوانية في نينوى، يقع في مناطقها الغربية، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه على المستويين الزراعي والحيواني، لابد من تنفيذ مشروع ري الجزيرة الجنوبي، الذي سيعيد الحياة وفقا لما يقولهللملايين من الدونمات الزراعية ويوقف زحف الرمال، ناهيكبإعادة عشرات الآلاف من سكان تلك المناطق الذين نزحوا إلى مدن أخرى الى الزراعة والرعي

ويقترح في حال عدم تمكن تنفيذ المشروع، بسبب عدم وجود تخصيص مالي، أو لعدم كفاية امدادات المياه من نهر دجلة، أن يتم اللجوء إلى تنفيذ مشاريع حصاد المياه في غربي نينوى، والتي بوسعها حسب رؤيته توفير كميات كبيرة من المياه صيفاً لمربي الماشية، وستعمل على استقرارهم بدلا من النزوج والتنقل.

 

* انجز التحقيق ضمن مشروع "الصحافة البيئية" بدعم من "منظمة انترنيوز" وتحت اشراف شبكة "نيريج"


29-10-2023, 08:56
العودة للخلف