بغداد اليوم - بغداد
في عام 2003، اصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر، قراراً بتعليق حكم الاعدام في العراق الذي يطال بحسب القوانين العراقية مرتكبي الجرائم ذات الطابع الإرهابي والقتل مع الظرف المشدد والجرائم الماسة بامن الدولة الخارجي والداخلي، الا ان الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة اياد علاوي اعادت العمل بها بالقرار رقم (3) من العام 2004.
وعقوبة الإعدام هي جزاء يقع باسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي، بعد أن تثبت مسؤوليته عن الجريمة، أو هي جزاء ينطوي على الم بالمحكوم عليه لمخالفته نهي القانون وأمره، وقد عرفها الفقه بأنها إزهاق روح المحكوم عليه أو هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع.
اعداد المحكومين بالاعدام
تحرت "بغداد اليوم" عن اعداد المحكومين بالاعدام وعن الاسباب التي اخرت تنفيذ الاحكام، ليكشف لنا رئيس منظمة ديالى لحقوق الانسان طالب الخزرجي وجود "قرابة 7 الاف محكوم بالاعدام بينهم "اجانب" في سجون وزارة العدل"، لافتا الى ان "كل محكوم يكلف من 25-30 الف دينار يوميا للطعام والشراب والالتزامات الاخرى، اي ان الارقام تصل الى المليارات".
واضاف رئيس المنظمة الحقوقية، ان "كل احكام الاعدام تنفذ فور حصولها الدرجة القطعية، الا انه في بعض الاحيان يتأخر لسنوات لأسباب تتعلق بضغوط دولية يرافقها ضغط المنظمات الانسانية، مثل منظمة العفو الدولي، اضافة الى تأخر مراسيم مصادقة رئاسة الجمهورية التي وفق الدستور هي المعنية باعطاء التوقيع الاخير للمضي في تنفيذ الاحكام"، مؤكداً ان "دورات رئاسة الجمهورية دائما تنتهي مع عدد محدود جدا من المصادقات قياسا بالارقام المعلنة للاحكام".
وتنفيذ أحكام الإعدام وفق الدستور، تتطلب مصادقة رئيس الجمهورية عليها حتى تكتسب الصفة القانونية، على أن تتولى وزارة العدل تنفيذها بعد استلام المراسيم الخاصة من الرئاسة.
مسؤول في رئاسة الجمهورية اكد لـ "فرانس برس" في العام 2021 أنه جرت "المصادقة على أكثر من 340 حكم إعدام صادرة من المحاكم العراقية المختصة مكتسبة الدرجة القطعية وفي قضايا مختلفة إرهابية وجنائية وأصدرت المراسيم الجمهورية وفقا للدستور والقانون"، ما يعني أنها صدرت بمعظمها خلال فترة الرئيس الاسبق فؤاد معصوم في فترة انتشار تنظيم داعش، وبين هذه الأحكام عدد قليل خلال فترة الرئيس برهم صالح الذي نُصب في 2018، اما في العام 2022 وبحسب الارقام المعلنة فقد تم تنفيذ الاحكام بـ11 شخصاً.
فيما اوضح المتحدث باسم وزارة العدل أحمد لعيبي في العام 2021، لوكالة الأنباء الرسمية، إن "أحكام الإعدام بحق الارهابيين تنفذ بعد اكتساب الدرجة القطعية، وأغلب الأحكام التي ترد الوزارة يكون بها تمييز".
وأضاف، أن "تمييز الاحكام احيانا يؤخر صدور حكم الإعدام، وأحيانا يغير الحكم وهذا السبب الرئيس بعدم تنفيذ الأحكام بالارهابيين".
وتعتبر وزارة العدل هي الجهة المنفذة لحكم الإعدام في العراق بعد إصدار الاحكام من المحاكم المختصة التابعة للسلطة القضائية، التي بدورها ترسل قوائم المحكومين بالإعدام إلى رئاسة الجمهورية ليتم الموافقة عليها من قبل رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه قانونياً.
منظمات دولية تتدخل
تعتبر المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه أن العراق يشهد "انتهاكات متكررة للحق في محاكمة عادلة وتمثيل قانوني فعال، مع اتهامات بالتعذيب وسوء المعاملة"، الامر الذي يجعل عقوبة الاعدام "إجراء حكوميا تعسفيا بالحرمان من الحياة".
ويقول المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج، بحسب تصريحات صحفية سابقة: "منذ الأيام الأولى للغزو الأميركي ارتكبت قوات الاحتلال جرائم بشعة، وفتحت الأبواب أمام العصابات والمليشيات لتقوم بعمليات إعدام واسعة النطاق، تنفيذا لأجندات خارجية ولمخطط كان قد وضع قبل الغزو".
يعتقد حرج أن "النظام القضائي العراقي لا يطبق أيا من المعايير الدولية التي قد تقود إلى المحاسبة ثم تحقيق العدالة للضحايا، كما أنه بصورة عامة يفتقد إلى الاستقلالية اللازمة عن السلطة التنفيذية لتأدية مهمته على أفضل وجه".
ويتابع "لذلك لا يبقَى أمام الحقوقيين العراقيين، والمنظمات الحقوقية العراقية والدولية، إلا الاستمرار بعرض هذه الانتهاكات والجرائم على أوسع نطاق والمطالبة بمحاكمة مرتكبيها دوليا بعد تعذر محاكمتهم في المحاكم الوطنية العراقية".
وفي ايار الماضي، أعلنت منظمة العفو الدولية، انخفاض عدد عملیات الإعدام المسجلة في عدد البلدان ومنها في العراق، خلال عام 2022 حيث تم اعدام 11 محكوماً، مقارنة بالعام الذي سبقه 2021 حيث تم اعدام 17.
وتعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات دون استثناء بغض النظر عن طبيعة الجريمة أو ظروفها؛ أو الشعور بالذنب أو البراءة أو الخصائص الأخرى للفرد؛ أو الطريقة التي تستخدمها الدولة في تنفيذ عملية الإعدام.
بينما قالت بلقيس والي الباحثة المتخصصة في العراق لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش" لوكالة فرانس برس في قةت سابق، إن "عقوبة الإعدام أداة سياسية".
وأوضحت أن "القادة يستخدمون هذا النوع من الاعلانات ليقولوا للناس إنهم يعملون من أجلهم، من دون الالتفات الى حقيقة العيوب التي تشوب المحاكمات".
البرلمان في حرج
وصف رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب النائب أرشد الصالحي قضية تنفيذ أحكام الإعدام بـ"المحرجة جدًا"، مؤكدًا بتصريحات صحفية سابقة، أن لجنته سجلت مطالبات وضغوطات عديدة على الحكومة من قبل عوائل شهداء ضحايا العمليات التي وصفها بـ"الإرهابية"، وذلك بغية تنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين بتلك الجرائم التي أدت لسقوط المئات من الضحايا.
على الجانب الاخر، يطالب ممثلو المكون السُني في المجلس بإعادة النظر بهذه الاحكام كون ظروف التحقيق وعملية القاء القبض لم تكن صحيحة من وجهة نظرهم، اضافة الى تعريف "الارهاب" المطاطي، الذي يشمل (العمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية)، بحسب المسودة الاخيرة لقانون العفو، والذي وعد مجلس الوزراء قبل ارساله الى البرلمن بمراجعته.
في هذا الشأن، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان محمد عنوز خلال تصريحات صحفية سابقة، إن هناك اتفاقات سياسية جرت بين أطراف سياسية مع رئيس الحكومة، قبل تكليفه، وكان من أبرز الاتفاقات هو قانون العفو العام، بعد إجراء مراجعة قانونية للقانون، مبيناً أن "القانون يمثل مطلباً شعبياً واجتماعياً وسياسيا أيضاً، عدا عن أنه يسهم في رفع الظلم ويدفع باتجاه تحقيق العدالة، لا سيما وأن هناك وثائق كثيرة تشير إلى أن نسبة كبيرة من السجناء في بعض المحافظات أدينوا قضائياً نتيجة ما سمي بـ"المخبر السري".
وسبق أن وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بفتح ملف انتزاع الاعترافات قسراً خلال التحقيقات القضائية، منتصف تشرين الثاني 2022، داعياً كل من تعرّض لأي صورة من صور التعذيب أو الانتزاع القسري للاعترافات إلى تقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان، معززةً بالأدلة الثبوتية، كما خصّص بريداً إلكترونياً لاستقبال الشكاوى.
دفاع عن الاحكام
ورأى عضو مفوضية حقوق الإنسان الحكومية في العراق علي البياتي إن حكومة بلاده محاصرة بين الرأي العام الذي يطالب بالانتقام والمنظومة السياسية والأمنية والقضائية غير القادرة على وقف هجمات الجهاديين، وفي النتيجة "أصبح العراق أمام خيارات محدودة" في ما يتعلق بحقوق الإنسان، بحسب تصريحات سابقة.
وأوضح البياتي الذي يعد أحد أبرز المنادين بحقوق الإنسان في العراق، أن "حكم الاعدام جزء من المنظومة القانونية العراقية اذ ليست لدينا مراكز تأهيل حقيقية مثل الدول الديموقراطية التي تهتم بحقوق الانسان والسجناء، وخصوصا الارهابيين الذين يحولون السجون مراكز تجنيد للآخرين".
وأكد البياتي وجود "خلل لجهة عدم توافر ضمانات واضحة وشفافية حقيقية في التحقيق وجلسات الحكم وعدم السماح لمنظمات حقوق الانسان باداء دورها".
اعتباراً من نيسان 2021، كانت 108 دولة قد ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم، وألغت 144 دولة عقوبة الإعدام في القانون أو في الواقع الفعلي.
المصدر: بغداد اليوم + وكالات