بغداد اليوم - متابعة
لم تعد سوق صرف العملات الموازية وسوق العقارات وحدهما المتأثرتان من ارتفاع التضخم وتهاوي الدينار في الجزائر، إذ إن سوق الذهب التي عاشت في ركود لسنوات، ها هي تنتعش أخيراً بفعل تزايد مخاوف المواطنين من انهيار عملة البلاد ومعها سقوط الاقتصاد المتعثر.
وفاق الإقبال على الذهب خلال الأشهر الماضية تهافت الجزائريين على شراء المعدن النفيس مع بدايات جائحة "كورونا"، ما أدى إلى ارتفاع سعر الغرام الواحد من الذهب "المحطم" (مستعمل) ليصل إلى 7 آلاف دينار (51 دولاراً)، للذهب المحلي من عيار 24 قيراطاً، بعدما تراوح بين 4 آلاف دينار (29 دولاراً)، و5 آلاف دينار (37 دولاراً)، في وقت سابق، كما ارتفعت أسعار الذهب الجديد بحوالي ألفي دينار للغرام الواحد، ليلامس عتبة 10 آلاف دينار للغرام الواحد (74 دولاراً). يأتي ذلك في ظل انتشار الذهب المغشوش.
ويكشف عمر، وهو أحد الباعة في حديقة "واد كنيس" المشهورة ببيع الذهب في وسط العاصمة الجزائرية، أن "الخوف من سقوط قيمة الدينار بات الشغل الشاغل للجزائريين حاليا، فكلهم متخوفون من تكرار سيناريو فنزويلا".
انزلاق الأوضاع
من جانبه، قال البائع رضا إن "هذه الفترة في العادة تعرف انتعاش أسواق الذهب كونه موسم الأفراح والمناسبات الاجتماعية، إلا أن تخوف الجزائريين من انزلاق الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية دفعهم للاحتماء بالذهب، وما نعيشه اليوم سبق أن عشناه سنة 2020 مع كورونا، وسنة 2017، حيث شهدت البلاد موجة تهافت على اقتناء الذهب بعد تفاقم تراجع قيمة الدينار".
وكانت العملة الجزائرية قد خسرت سنة 2022 أكثر من 30 بالمائة من قيمتها أمام الدولار، بعدما قفزت من 113 دينارا إلى 139 دينارا للدولار الواحد في نهاية 2020، قبل أن تستقر عند 135 دينارا منذ بداية السنة الحالية، في أكبر انزلاقٍ للدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية، ما دفع بالتضخم للتضاعف من 4 بالمائة إلى 12 بالمائة حسب أرقام الحكومة.
واعتبر الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "تخوف الجزائريين من انهيار الدينار يزداد مع مرور الأيام، خصوصا مع معاناتهم من تراجع قدرتهم الشرائية". وأضاف نور الدين، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائريين باتوا لا يثقون في عملتهم وحتى في اقتصاد بلدهم، ويفضلون تحويل أموالهم إلى العملات الأجنبية والذهب، وهذا أمر خطير سياسيا واقتصاديا".
الآثار السلبية
ولفت إلى أن الجزائر عاشت سيناريو مماثل سنة 2020 مع ظهور جائحة كورونا، وسنة 2011 حين بدأ "الربيع العربي"، إذ تخوف المواطنون من حدوث اضطرابات في البلاد، فسارعوا إلى إخراج الأموال من الأرصدة البنكية والأموال المحفوظة في البيوت وتحويلها إلى اليورو بحكم الاقتراب الجغرافي مع القارة العجوز، ما تسبب بأزمة سيولة حادة في البلاد وأعلنت البنوك آنذاك عن وضع ضوابط مشدّدة للسحب اليومي، وشيء من هذا يحدث اليوم، فهناك نقص السيولة بعد تخوف الجزائريين من التضخم وتهاوي الدينار، ما دفعهم لسحب أموالهم من البنوك ومراكز البريد وإخراج الأموال المكدسة وتحويلها للذهب.
وعن الآثار السلبية، يقول الخبير الجزائري، إن "الإقبال على الذهب سيزيد من تمويل الأسواق الموازية بالكتل النقدية، لأن التعاملات في هذه السوق يتم جلها خارج الأنشطة الرسمية".
وفي العراق، تشهد السوق ارتفاعاً في أسعار الذهب بمختلف فئاته، حيث يراوح سعر بيع مثقال الذهب المعروف بـ"الذهب الخليجي"، عيار 21، وهو السائد في السوق المحلية، بين 400 ألف دينار و410 آلاف، ويراوح سعر بيع مثقال الذهب العراقي بين 370 ألفاً و380 ألف دينار. (1320 دينارا للدولار الواحد)، ويساوي المثقال الواحد من الذهب خمس غرامات، ويبلغ سعر أوقية الذهب (201 غرام) 1931 دولاراً.
كما شهدت السوق العراقية عمليات شراء للذهب بهدف الادخار على الرغم من ارتفاع الأسعار، ويعود ذلك لفقدان الثقة بالعملات النقدية من جهة، وضعف الأداء المصرفي الاستثماري للأموال المدخرة من جهة ثانية.
احتكار
واعتبر الباحث الاقتصادي نبيل جبار التميمي أن عمليات شراء الذهب في العراق واحدة من قضايا الادخار الآمن والمُربح في آن واحد على الرغم من ارتفاع الأسعار، مؤكداً أن أسعار الذهب ارتفعت خلال سنتين من 1300 دولار إلى 2000 دولار للأوقية الواحدة.
وأضاف التميمي، أنه في ظل محدودية فرص الاستثمار في العراق وضعف النظام المصرفي وفقدان الثقة فيه، يجد العراقيون أن شراء الذهب وخزنه نوع من الادخار، مشيراً إلى أن معظم المدخرين للذهب هم ممن يملكون أموالاً ليست طائلة، لعدم إمكانية شراء عقار أو الأصول الثابتة والمربحة.
ومن جانبه، قال عمار العزاوي، وهو أحد تجار الذهب في بغداد، إن إقبال الناس على شراء الذهب مستمر على الرغم من ارتفاع الأسعار، وهناك قيمة معنوية وأخرى مادية للذهب تجعل منه وسيلة قابلة للادخار والحفاظ على الأموال من الضياع وفقدان القيمة.
وأكد العزاوي"، أن هناك تجارا كبارا وشركات في العراق تسيطر على السوق، ولها دور في إقبال الناس على الشراء خاصة في أوقات الأزمات، حيث يتم استغلال أي أزمة تحصل سواء كانت ارتفاع أو انخفاض الدولار، أو تقلبات السوق والتضخم، من خلال الحملات الدعائية أو بث الشائعات بأن الذهب سيرتفع مستقبلاً، وهو ما يدفع الناس إلى الشراء جماعيا.ش
وقال الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، إن هناك عمليات غش للذهب المُباع عن طريق الذهب المنصهر قبل وضعه في قوالب التصميم، مبيناً أن عملية الغش الموجودة في المادة يصعب كشفها إلا من خلال صاغة متمرسين أو خبراء في الذهب.
وعن إقبال المدخرين على شراء الذهب، بيّن حسن أن عدم ثقة الأفراد بالمنظومة المالية التي تتبعها المصارف العراقية وضعف الأمان هما من بين أهم الأسباب التي تدفع إلى ادخاره كوسيلة ثابتة.
المصدر: "العربي الجديد"