بغداد اليوم- تقارير
لا ينفك العراقيون من قلقهم منذ قرار الحكومة السابقة برفع سعر صرف الدولار أمام الدينار من 1182 إلى 1460 دينارا للدولار في كانون الأول 2020، وحتى ساعة اعداد هذا التقرير يواصل الدينار العراقي التذبذب مقابل الدولار ما بين الانخفاض والارتفاع ليبلغ صباح اليوم الجمعة (28 تموز 2023)، 1544 ديناراً وهو تراجع نسبي بعد تجاوزه الـ 1570 ديناراً في الأيام القليلة الماضية.
فأزمة انخفاض سعر صرف الدينار لا تزال مستمرة، إذ لم تنجح الإجراءات الرسمية في كبح ارتفاع الدولار، فيما تترافق هذه المشكلة مع "معضلة تهريب الدولار لبعض دول الجوار".
"عقوبات أمريكية.. وتداعيات محلية"
وفي 19 تموز الجاري، منعت الولايات المتحدة 14 مصرفا عراقيا من إجراء معاملات بالدولار في إطار حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران ودول أخرى خاضعة للعقوبات في الشرق الأوسط، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الأربعاء الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين القول إن الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية.
وتمكنت مصارف وشركات صرافة من تحقيق أرباح ضخمة من تعاملاتها بالدولار، باستخدام عمليات استيراد احتيالية ومخططات أخرى، وفقا لمسؤولين أميركيين وعراقيين حاليين وسابقين.
موقف حكومي
ورأى مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح، ارتفاع سعر الصرف في الايام الاخيرة هو "ردة فعل" على حرمان 14 مصرفاً عراقياً من التعامل بالدولار.
وأوضح صالح في تصريح صحفي، أن "فارق سعر الدولار يتعلق بستراتيجية تنفيذ المنصة وتقييداتها، وقرار حرمان هذه المصارف يعطي اشارة تشددية للسوق ويخلق موجة، لكنها وقتية، حيث سيتحول الزبائن الى مصارف أخرى".
ووصف "حرمان 14 مصرفاً مرة واحدة ليس بالشيء الهين، غير أن فارق سعر صرف الدولار محكوم بمرونة المنصة".
انكماش نسبي وحرج كبير
وانعكس عدم استقرار سعر الصرف بشكل سريع على حركة السوق، مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتسجيل ركود اقتصادي، الأمر الذي ترك الحكومة أمام حرج كبير، لاسيما أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني كان قد انتقد في مرات عديدة قبل توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إقدام حكومة سلفه مطصفى الكاظمي برفع سعر صرف الدولار.
وصادق مجلس الوزراء برئاسة السوداني في 7 شباط 2023، على تعديل سعر صرف الدولار ليكون بسعر 1300 دينار.
"صدمة وتحذير من انفلات السوق"
وشكلت عملية ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية، صدمة جديدة للسياستين المالية والنقدية، بعد أن بذلتا جهوداً كبيرة خلال الفترات الماضية بهدف إجهاض ارتفاع الدولار، الأمر الذي عده مختصون في الشأن الاقتصادي "ناقوس خطر" مشددين على ضرورة اتخاذ تدابير صارمة للحد من تحليق العملة الخضراء مقابل الدينار، وايجاد تسويات مالية سريعة تلبي احتياجات المستوردين والتجار، وخلق توازن ملموس بين عرض الدولار وطلبه، بهدف السيطرة على أسعار السلع والمواد من استغلال "الجشعين".
في المقابل قلل مختصون في الشأن الاقتصادي من مخاطر تلك الارتفاعات على السوق المحلية، مبينين أنَّ 75 % من المواد والسلع في الأسواق تدخل العراق بالسعر الرسمي الذي حدده البنك المركزي، وأن التجار يجرون حوالاتهم الخارجية وفقاً لذلك السعر، في حين ان 25 % من التجارة العراقية متأثرة بسعر الصرف الموازي.
"توضيح للمركزي"
وبرر محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي الى :"عدم دخول التجار على المنصة الإلكترونية للبنك" متهما "البعض من يريدون شراء الدولار لا يعتمدون الطرق الصحيحة عبر الذهاب للمنصة الإلكترونية".
وأوضح إن "المصارف الممنوعة من الدولار لا تشكل طلباتها سوى 8% من التحويلات الخارجية" لافتا الى، أن "المصارف المحرومة من التعامل بالدولار تتمتع بكامل الحرية في التعامل بالدينار العراقي والعملات الأخرى".
"تطمينات برلمانية"
واستبعدت اللجنة المالية النيابية، ارتفاع سعر الصرف الى "خارج المألوف".
ويقول عضو اللجنة معين الكاظمي، ان :"الحديث عن ارتفاع اسعار الصرف ووصل المائة دولار الى ٢٠٠ الف دينار غير واقعي لان العراق يمتلك احتياطا كبيرا من العملة الأجنبية وقادر على استيعاب السوق واحداث توازن" حسب قوله.
"احتجاجات وتحذير من عواقب وخيمة"
ودفع الارتفاع الحاد للدولار بعشرات الأشخاص الى الاحتجاج أمام البنك المركزي وسط بغداد أول أمس الأربعاء، فيما ودعا مُلاك البنوك إلى تحرك رسمي من الجهات الحكومية لوقف هذا الارتفاع".
والمتظاهرون، طالبوا الحكومة أيضاً باتخاذ إجراءات لوقف التضخم.
ويقول حيدر الشماع، مالك بنك خاص في بغداد، ان "إدراج ما يقرب من ثلث البنوك الخاصة في قائمة الممنوعين من التعامل بالدولار ستكون له عواقب وخيمة من عدة زوايا"، داعياً " الحكومة العراقية إلى العمل لدرء الضرر الذي لحق بنا تحديداً، وبالمصارف العراقية عموماً".
وتثير العقوبات الأميركية موجة قلق جديدة لدى العراقيين، لا سيما أن جميع الإجراءات الحكومية خلال حكومة السوداني لم تفلح في تقريب سعر الصرف الموازي من السعر الرسمي.
وفي ذات السياق، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية ببغداد عبد الرحمن المشهداني إن العراق يضم 72 مصرفا مسجلا، من بينها 38 مصرفا مشاركا في مزاد بيع العملة الأميركية لدى البنك المركزي، بيد أن العقوبات الأميركية التي طالت 14 مصرفا مؤخرا، والمصارف الأخرى التي خضعت لعقوبات مماثلة قبل أشهر، أدى إلى أن يكون عدد المصارف المشاركة في مزاد بيع العملة الآن 18 مصرفا فقط.
وأثارت العقوبات خشية المصارف الأخرى من التعرض لعقوبات مشابهة، لكن تلافي الأزمة سيعتمد على استجابة المركزي العراقي وإجراءاته وتطمين المصارف والأسواق، والعمل على استمرار تدفق الحوالات ووضع حلول للحوالات الخارجية وفقاً لمراقبين.