بغداد اليوم-متابعة
تحت عنوان "بغداد تتجمل"، استعرض تقرير لوكالة الانباء الدولية "رويترز" تغييرات كبيرة بدأ العراقيون عموما والبغداديون خصوصا يلمسونها كما لم يشهدوها من قبل مابعد عام 2003، فبين حملات اعمار وانشاء متنزهات والاهتمام بالبنى التحتية، فضلا عن تجهيز كهربائي جيد بصورة غير مسبوقة، الا ان التقرير لم يخف وجود مخاوف وحذر من عدم استمرار الوضع على ماهو عليه، وسط تساؤلات عما وراء هذا التطور "غير الكافي" مقارنة بماشهده العراق في السنوات السابقة من اهمال.
وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، كان خضر عباس (73 عاما) المقيم في حي مدينة الصدر مترامي الأطراف ببغداد يضطر للمشي على قدميه في طريق غير ممهد يكسوه الوحل والتراب للوصول إلى بيته، الذي كان يجد فيه صعوبة في الحصول على المياه النظيفة أو الصرف الصحي، لكن هذا تغير في الشهر الماضي، على حد تعبير التقرير.
فقد وصلت آلات الحفر والجرافات وغير ذلك من المعدات الثقيلة وشقت الأرض لوضع شبكات للصرف الصحي ومد أنابيب المياه النظيفة ثم دفنت ذلك تحت طبقة من الأسفلت في شوارع وأرصفة أنيقة.
يتكرر هذا المشهد في جميع أنحاء المدينة التي يزيد عدد سكانها عن تسعة ملايين نسمة ضمن مساعي حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الجديدة لتحسين الخدمات الأساسية للمواطنين الذين ضاقوا ذرعا بسنوات من الصراع والإهمال الحكومي.
ويقول محللون إنه بفضل ارتفاع أسعار النفط والاستقرار النسبي ودعم الفصائل السياسية القوية، يركز السوداني على تحقيق مكاسب سريعة لاسترضاء شريحة كبيرة من الشباب الذين نظموا احتجاجات متكررة مناهضة لمؤيديه السياسيين.
ويشمل المسعى تطوير الطرق والجسور والأرصفة وإزالة الحواجز الأمنية، التي تفاقم صعوبة حركة السير، وتجميل واجهات المباني التي شوهتها الحرب وإصلاح الحدائق والمنتزهات على ضفاف نهر دجلة الذي يشق المدينة.
وتحسنت إمدادات الكهرباء أيضا وتلاشت الانقطاعات اليومية تقريبا في شهر مايو أيار الذي عادة ما يكون انقطاع الكهرباء فيه هو القاعدة، لكن يتوقع أن يتكرر هذا الانقطاع في الصيف مع ارتفاع الاستهلاك.
وفي أكثر من عشرين مقابلة، قال عراقيون إنهم يشعرون بتفاؤل محفوف بالحذر بشأن المستقبل بسبب التحسن في البنية التحتية والاستقرار في الآونة الأخيرة الذي فتح البلاد أمام عدد كبير من السياح معظمهم من الدول العربية.
وقال كثيرون إن هذه التغيرات هي أهم ما شهدوه منذ الغزو الأمريكي عام 2003، لكنها ما زالت غير كافية في دولة حققت أكثر من 115 مليار دولار من مبيعات النفط في عام 2022 وتعاني من فساد متفش يرهق الخدمات.
وقال سجاد جياد، الزميل في (ذي سينشري فاونديشن) الذي يتخذ من بغداد مقرا إن السوداني يريد أن يتجنب فكرة الاحتجاج وهذا سبب عزمه في الأشياء التي يمكن أن يشعر بها الناس (الآن)، وليس الأشياء التي ستفيدهم بعد 10 سنوات.
وأضاف أنه يريد أن يُنظر إليه على أنه الرجل الذي يستطيع الإنجاز في كل العراق.
* "جديد ومثير"
ومن المشروعات الرئيسية خلال فترة حكم السوداني إنشاء كورنيش بطول 2.5 كيلومتر (1.5 ميل) على طول الضفة الشرقية لدجلة، على امتداد حديقة أبو نواس وهي واحدة من أكبر المساحات الخضراء في بغداد.
وتم تزويد الكورنيش بمسارات مخصصة للركض وركوب الدراجات ومقاعد وحمامات عامة، واستقبل حشودا من الزوار منذ افتتاحه جزئيا في وقت سابق من هذا العام.
وقالت امرأة في منتصف الثلاثينيات من عمرها، اكتفت بأن تذكر أن اسمها أم أحمد، إن التمكن من اصطحاب ابنها إلى متنزه في العراق هو أمر "جديد ومثير". وأضافت أنها كانت تعتقد أن مثل هذه الأمور يمكن القيام بها في فرنسا وليس في العراق بحال من الأحوال.
ولا تزال السلبيات موجودة. فالنهر نفسه يعج بالقمامة وبمياه الصرف الصحي التي تلقى فيه دون معالجة.
وقال عمار موسى كاظم، أمين بغداد، (رئيس بلدية بغداد)، إن الأعمال الحالية ما هي إلا بداية، بتمويل يبلغ نحو 530 مليار دينار (400 مليون دولار)، تم تخصيصها للمدينة من خلال قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية" لعام 2022 وليس من خلال الميزانية التي قال إنه سيجري إقرارها قريبا.
وأضاف لرويترز في مقابلة إن المسعى لتطوير العاصمة بغداد هو أوسع مشروع من نوعه.
كما طلبت بغداد المساعدة من الخارج.
وزارت آن هيدالجو، رئيسة بلدية باريس، العراق الأسبوع الماضي لتوقيع ما وصفته بأنه "اتفاقية صداقة" مع المدينة.
وقالت لرويترز في بيان إن رئيسي بلديتي العاصمتين "يعملان لمواجهة تحديات مثل إدارة المياه وتنظيم الخدمات الأساسية للسكان".
* "بغداد تعود"
هرب الفنان العراقي الكندي إياد الموسوي من بغداد وهو طفل وقت الحرب مع إيران في الثمانينيات ولم يعد حتى عام 2019.
وأقام معرضا في وقت سابق من الشهر الجاري بمركز معارض أنيق اسمه (ذا جاليري) في حي الكرادة مسقط رأسه.
وقال الموسوي "أرى بغداد تعود"، مشيرا إلى أنه حضر افتتاح ثمانية معارض في أسبوعين فقط.
لكن العديد من العراقيين ما زالوا يخشون من أن تمحو الانقسامات السياسية الحادة ذلك التحسن النسبي، أو من ألا تصل المكاسب الاقتصادية الناتجة عنه إليهم في بلد تبلغ نسبة البطالة الرسمية فيه 16 بالمئة.
كما لا يستطيع العديد من السكان المحليين تحمل تكلفة الطفرة العقارية في المدينة، التي تلتهم المنازل التراثية والمساحات الخضراء، ويقول مسؤولون إن تمويلها يأتي جزئيا من غسل الأموال.
وقال غزوان فالح صاحب مرأب سيارات في مدينة الصدر، وهو يشير إلى صف من أصدقائه العاطلين عن العمل الذين يمضون الوقت في التدخين أمام مرأبه "هناك أموال واستقرار في البلاد بالتأكيد. لكن ما فائدة الاستقرار حين لا يجد الناس وظائف أو لا يستطيعون تحمل نفقات الطعام؟".