بغداد اليوم - بغداد
ينتشر في بغداد المئات من المتسولين، بينهم نساء وأطفال رضّع، وعلى الرغم من الملاحقات الأمنية التي تطالهم، فإنها تكاد تكون خجولة.
يبدو أن ظاهرة التسول في العراق اتخذت منحنى خطيراً، فبعدما انتشرت جماعات المتسولين في الطرقات والتقاطعات والأماكن العامة والمؤسسات الحكومية والجوامع، شاركت جنسيات أخرى العراقيين في ممارسة هذه الظاهرة.
وقال مراسل (بغداد اليوم)، ان "مؤخراً ظهر متسولين من الجنسية اللبنانية على كورنيشات وطرق العاصمة بغداد، وكانت مبرراتهم هي سوء الاوضاع المعيشية في بلدهم، وهم على غير وفاق مع متسولي الجالية السورية، وعند سؤال السوريين عنهم وعن اسباب المشاكل فيما بينهم، اجابوا: انهم يزدادون يوماً بعد يوم، وهم يأنفون العمل، في اشارة الى ان لديهم انشطة اخرى غير التسول، وان غالبيتهم من النساء الشابات".
ولقد تنوعت أساليبهم في استعطاف المارة أو أولئك الذين داخل السيارات. كما هنالك عائلات متسولة باتت تأخذ مكاناً لها على شرفات بيوت مهجورة أو محلات تجارية مقفلة، وكثيراً ما يرى رجال الأمن هذه المشاهد إلا أنهم لا يتدخلون.
وشنت السلطات الأمنية حملة واسعة لمكافحة ظاهرة التسول، كانت قد أطلقتها في مارس/ آذار الماضي، وتشمل العاصمة بغداد وعدة مدن عراقية أخرى.
وجاءت هذه الحملة على خلفية قرار من مجلس القضاء الأعلى، الذي أعلن في بيان رسمي بأن هذه الظاهرة "أصبحت تشكل خطرًا على أمن المجتمع العراقي". كما أسفرت الحملة في أسبوعها الأول عن اعتقال أكثر من 500 متسول في العاصمة بغداد والمحافظات القريبة منها.
كما أشار أمنيون عراقيون إلى خطورة هذه العصابات في استقطاب القاصرين وتوجيههم إلى الشوارع، إضافة إلى أن هناك عائلات فقيرة تقوم بتأجير أبنائها لهذه العصابات، من أجل الحصول على الأموال بطريقة شهرية على غرار الرواتب.
لكن ناشطين قللوا من جدوى هذه الحملة، ووصفوها برد الفعل المؤقت، الذي لن ينهي ظاهرة التسول، بينما صوب آخرون على الحملة معتبرين أنها ستزيد من مشكلات الفقراء الاقتصادية.
كثيرة هي الأسباب التي ساهمت في زيادة ظاهرة التسول بالعاصمة العراقية، منها الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين حتى بلغت نسب الفقر في البلاد نحو 22% من العراقيين البالغ تعدادهم أكثر من 40 مليون نسمة، بحسب وزارة التخطيط 2023.
إضافة إلى أسباب أخرى تشمل كل أشكال الفقر الفرعية، كالبطالة أو درجة الحرمان أو التشرد وغيرها.
ويرى باحثون، أن ظاهرة التسول في بغداد مهنة تجارية تقف خلفها أحزاب ومافيات للكسب غير المشروع، حتى صار الفقير تحت "عباءة الشيطان".
و إن المتسولين موجودين في جميع مناطق العاصمة، تقودهم شبكات مافيات تقوم بتوزيعهم عند إشارات المرور وأماكن أخرى تجارية تشهد إقبالا من المتبضعين.
وهناك بعض الأحزاب -التي لم يسمّها- تدفع المتسولين للقيام ببعض أعمال السخرة، على غرار تنظيف السيارات لتحقيق أرباح مالية تصل يوميا إلى نحو 15 مليون دينار نحو (10 آلاف دولار)، وربما أكثر بحسب الكثافة البشرية والسيارات في بعض المناطق.
وحدد المنتدى العراقي للنخب والكفاءات / داخل العراق، لجنة العلوم الاجتماعية والانسانية ولجنة الصحة في المنتدى، الاسباب والمعالجات المقترحة:
- ان التسول ظاهرة تنتشر في بعض البلدان المتخلفة وحتى في بعض دول العالم المتقدمة على نطاق ضيق .
- التسول آفة من أكثر الآفات الاجتماعية التي تثير الفوضى وتسبب القلق والإزعاج وتسيء للمظهر الحضاري العام للمجتمع.
- إن التسول مشكلة شديدة التعقيد وعلى المجتمع والدولة أن يجدا الحلول المناسبة التي تساعد على الحد من انتشارها وتأثيراتها بإعادة تأهيل (المتسولين) وتكييفهم بما يتوافق مع الأنماط السلوكية التي يرغبها المجتمع.
- التسول ظاهرة سلبية منتشرة منذ القدم فهو من اكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا بين المجتمعات العربية والغربية لكنه يظهر مع تراجع مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- التسول يمثل الطريق الاسهل للحصول على الكثير من المال لكنه بنفس الوقت يفقد المتسول احترامه بين الناس كما ويعرضه للسخرية او لأقوال وافعال تنتهك مشاعره.
- تفاقمت ظاهرة التسول في العراق وخاصة بين الاطفال وذلك بسبب الظروف الاقتصادية القاسية فضلا عن التهجير القسري والعنف وتراجع دور الدولة في رعاية الطبقات الفقيرة والمسحوقة في المجتمع .
- تشير دراسات الى ان نحو 95%من ممارسي التسول هم من الاطفال الذين يمارسونه تحت امرة جماعات يعرفون ب المقاولين الذين يرغمون الأطفال على التسول تحت غطاء بيع كتيبات دينية او الحلوى والمناديل الورقية في الشوارع عند مفترق الطرقات.
- يتواجد المتسولون في اغلب الأمكنة العامة سواء في ازدحامات السيارات أو في الأسواق وحتى في مداخل الجامعات والكليات ودور العبادة والعديد من الأماكن.
- من أسباب انتشار التسول هو فشل الإجراءات الحكومية لأنها تحاول المنع دون معالجة الأسباب، كما يدعي البعض إن للفساد علاقة بالموضوع لان بعض الساحات والأماكن باتت تشترى وتباع من عصابات التسول التي ترعى هذه الممارسات وكأنها أعمال استثمار .
- لا توجد إحصاءات رسمية بعدد المتسولين إلا إن من المؤكد أنهم يشكلون إعدادا لا يستهان بها، فحسب إحصاءات وزارة التخطيط للعام الماضي فان نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر هي 30% من السكان أي إن تعدادهم هو 12 مليون وعلى فرض إن 1% من هؤلاء لديهم استعدادات سلوكية لممارسة التسول تحت أي مسوغ، فان عدد المتسولين لا يقل عن 120 ألف ويمكن إضافة إعداد أخرى لهم من بعض ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا ترعاهم عوائلهم او المؤسسات الحكومية.
- ان ما يعقد إيجاد معالجات لمشكلات التسول او الحد من توسعها على الأقل في العراق ( انتشار الفقر والبطالة، محدودية فرص العمل، وقصور الأجهزة الحكومية على استيعاب المتسولين وتأهيلهم لأنه يحتاج إلى برامج متقدمة من جهة الحكومة وبطرق إقناع متعددة بعيداً عن الإكراه في فرض حل واحد ملزم .
- لا ينبغي أن تكون المعالجات بطريقة الكر والفر من خلال إرسال (مفارز) للساحات للقبض على المتسولين والإفراج عنهم فيما بعد بكفالات او مساومات، فإجراءات من هذا النوع تعقد المشكلة وتؤدي للفساد او العناد.
- وفي كل الأحوال فإننا لسنا بأوصياء على المتسولين لكي نفرض حلولا كيفما نشاء، ولكننا نبحث عن حلول لهم لأنهم شركاء لنا في هذا الوطن الغني الذي يمتلك ثاني او ثالث احتياطي نفطي مؤكد، ومن المفترض ببلد بهذا المستوى من الغنى والثروات إن يكون فيه التسول من باب (الهوايات) وليس لأجل الحصول على رغيف خبز على سبيل الاحتراف.