بغداد اليوم- متابعة
شكلت أزمة الطاقة عنوانا بارزا عام 2022، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وأجبرت أزمات ارتفاع فواتير الوقود للأسر في أوروبا المصانع على الإغلاق مؤقتا لتجنب تكاليف الغاز الباهظة، بعدما تقلصت شحنات الغاز الروسية الغاز إلى أوروبا بعد غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
وكتب موقع (الحرة)، اليوم الأحد، تقريراً مطولاً اطلعت عليه (بغداد اليوم)، عن أزمة الطاقة وخصوصاً الغاز الأوروبي وذكرت كيف أن "الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وافقت على خفض استهلاكها من الغاز، ووضع أهداف ملزِمة لتقليل الطلب على الكهرباء مع تخفيض لكل بلد بنسبة عشرة بالمئة على الأقل للاستهلاك الشهري الصافي" و"خمسة بالمئة على الأقل".
وتراجعت أسعار الغاز في الأشهر القليلة الماضية مع موافقة التكتل على بعض تدابير الطوارئ، بما في ذلك الالتزام بملء خزانات الغاز، لكن الأسعار مازالت مرتفعة.
وبلغت عقود الجملة للغاز على شهر في منصة تداول عقود الغاز الهولندية (تي.تي.إف)، التي تشكّل أسعارها مرجعا للتبادلات في أوروبا، بواقع 99,35 يورو لكل ميغاوات/الساعة.
ويرى الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، في حديثه مع موقع (الحرة) أن "هذه الأسعار المرتفعة والقياسية كانت "نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على الغاز بدرجة أساسية وعلى مصادر الطاقة والغذاء بشكل عام".
وقال إن "هذه الحرب أثبتت أن روسيا لها دور كبير في ميزان الطاقة العالمي، حيث تنتج 11 مليون برميل، 11 في المئة من حجم الإنتاج العالمي ،وتصدر سبعة ونصف مليون برميل، عدا المشتقات التي تمثل حوالي مليوني برميل، مما يعني أن حصتها أكثر من 15 في المئة من حجم الصادرات العالمية".
وأضاف أن "روسيا ترتبط بخطوط أنابيب للطاقة تورد وتجهز للاتحاد الأوروبي، ويختلف اعتماد هذه الدول من دولة إلى أخرى، ويمكننا أن نقول إن أقل اعتماد يبلغ تقريبا 15 في المئة، في حين أن دولا أخرى تعتمد على روسيا بنسبة 80 في المئة في مجال الغاز".
وارتفعت إيرادات قطر من النفط والغاز 67 بالمئة في النصف الأول من عام 2022، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021.
وقدرت قطر إيراداتها من النفط والغاز في 2023 عند 186 مليار ريال ارتفاعا من 154 مليار ريال في 2022.
وبلغت صادرات الجزائر من الغاز في 2022 رقما قياسيا قدره 56 مليار متر مكعب، بحسب ما نقلت قناة النهار التلفزيونية عن مسؤول بوزارة الطاقة منتصف الشهر الجاري.
وقال وزير البترول المصري طارق الملا إن بلاده صدرت نحو ثمانية ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال في 2022، 90 بالمئة منها لأسواق الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الملا خلال افتتاح المؤتمر السنوي الثامن للبترول والغاز المنعقد في القاهرة أن مصر صدرت نحو سبعة ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، 80 بالمئة منها لأسواق الاتحاد الأوروبي.
ويرى المشهداني أن أوروبا بدأت تعاقب نفسها عندما فرضت عقوبات على استغلال الغاز الروسي وهي غير مهيأة للبدائل، موضحا أن "عملية تهيئة البديل بالنسبة للغاز ليس بالأمر السهل، ولا يقارن بالنفط".
ويوضح أنه "بالنسبة للنفط، من السهل، يمكن أن يتم تحويله بالناقلات، لكن الغاز الأمر أكثر صعوبة لأن عملية نقل الغاز إلى أوروبا يمر عبر نحو خمسة أنابيب بشكل مباشر أو غير مباشر سواء عن طريق أوكرانيا أو بلغاريا أو تركيا".
وقال إن "المشكلة أن الغاز الروسي الذي تصدره لأوروبا هو غاز جاف، والغاز الذي يشحن عن طريق الناقلات هو غاز مسال ولذلك يحتاج إلى معدات لتجفيفه، حيث أن معظم التقنيات في أوروبا تعتمد على الغاز الجاف".
وأضاف "نحن نتحدث عن المنتج الأول والمورد رقم واحد بالعالم، حتى إذا تحدثنا عن الجزائر ومصر وإسرائيل، فهذه الدول مجتمعة لا تشكل ربما إلا أقل من خمسين في المئة مما تنتجه روسيا".
وأنفقت الحكومة الألمانية المليارات على خمسة مشروعات، لكن في إطار بحثها عن مصادر بديلة، مع انه يفترض أن يكون بإمكانها التعامل مع كمية إجمالية من الغاز تبلغ حوالى 25 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يعادل تقريبا نصف القدرة الاستيعابية لخط أنابيب نورد ستريم 1.
وتقدّمت أعمال البناء بسرعة مفاجئة نظرا لأهمية المحطة الاستراتيجية، حيث من المقرر أن ينتهي العمل منها هذا الشتاء. وسيصبح بإمكان المنصة قريبا توفير ما يعادل 20 في المئة من الغاز الذي كان يتم استيراده من روسيا.
ورغم هذا الحد من السعر الذي يعتبر كبيرا، فإن المشهداني يعزو تراجع أسعار الطاقة عموما خلال العام بعد ارتفاعها لأرقام قياسية، إلى الظروف الصحية، والإغلاقات التي شهدتها الصين".
وقال إن "هذا هو السبب الأساسي لانخفاض أسعار النفط والغاز وإلا كنا سنشهد أسعارا أعلى بكثير. ولو كان هناك انفتاح في الصين واستهلاكها بالكميات السابقة فلن يكون برميل النفط أقل من 130 دولار، مع العقوبات المفروضة على روسيا".
ويرى المشهداني أن "الأزمة بالتأكيد ستكون العام المقبل، لأن أي عملية ربط قد تحدث على سبيل المثال من الجزائر أو نيجيريا أو إسرائيل أو مصر، فإنها تحتاج على الأقل من سنتين إلى 3 سنوات حتى يدخل المشروع في مرحلة التجريب وليس مرحلة الإنتاج الفعلي، وهي مدة ليست بالقصيرة".
وقالت وكانت وكالة الطاقة الدولية، إن "الاتحاد الأوروبي لديه ما يكفي من الغاز لفصل الشتاء، لكنه قد يواجه نقصا العام المقبل إذا قامت روسيا بقطع مزيد من الإمدادات، وحثت الوكالة الحكومات على التحرك بسرعة أكبر لتوفير الطاقة والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة لديها.".
ونجحت رغم خفض روسيا إمداداتها من الغاز هذا العام، أوروبا في تجنب حدوث نقص حاد وبدأت فصل الشتاء بخزانات غاز ممتلئة ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تدابير الاتحاد الأوروبي الطارئة لملء مستودعات التخزين وموجة الطقس المعتدل وأسعار الغاز المرتفعة التي قللت الطلب على الوقود.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن روسيا إذا خفضت حصتها الصغيرة من الغاز التي لا تزال تقدمها إلى أوروبا، وانتعش الطلب الصيني على الغاز من أدنى مستوياته حاليا بسبب قيود كوفيد-19، فقد يواجه الاتحاد الأوروبي نقصا في الغاز بمقدار 27 مليار متر مكعب في العام المقبل.
وقالت الوكالة إنه يمكن تجنب النقص في الغاز الروسي من خلال توسيع نطاق الدعم ووضع مزيد من السياسات لترميم المنشآت التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز وتغيير نظم التدفئة القائمة على الوقود الأحفوري لتحل محلها مضخات حرارية وزيادة مصادر الطاقة المتجددة.
ودفعت الأزمة، أوروبا إلى اتخذ مسارات عدة، من أهمها تحديد سقف لأسعار الغاز وكذلك النفط. واتفقت دول الاتحاد الأوروبي، على وضع حد أقصى لأسعار الغاز، بعد أن ناقشت لأشهر مدى جدوى الإجراء في دعم أو تثبيط جهود أوروبا للتعامل مع أزمة الطاقة.
والهدف من وضع سقف لسعر الغاز حماية الأسر والشركات الأوروبية من ارتفاع أسعار الغاز الذي عانت منه أوروبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وأذكى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا بلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ عقود.
لكن الفكرة أثارت الشقاق في التكتل المؤلف من 27 دولة في ظل خشية بعض الدول، من بينها ألمانيا، أكبر اقتصاد وأكبر مستهلك للغاز في أوروبا، من أن يجعل سقف السعر الحصول على الإمدادات أكثر صعوبة في الأسواق العالمية التنافسية.
وأضاف المشهداني أن "اعتماد أوروبا سقفا لتسعير الغاز، قَابَله تهديد روسي بأنها يمكن أن تخفض الإنتاج بحدود 500 ألف إلى مليون برميل نفط يوميا. وهذا إن حدث سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار ستزيد عن المئة دولار للبرميل الواحد".
وأوضح أنه "إذا أرادت أوروبا أن تطبق هذه السياسة، وامتنعت روسيا عن البيع بهذا السعر سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبشكل كبير"، مشيرا إلى أنه "بمجرد اتخاذ القرار وقبل بدء التطبيق ارتفعت أسعار الغاز 2.5 في المئة خلال الأيام القليلة الماضية".
وأشار إلى أن "الدول الأوروبية حاولت تعويض الارتفاعات الكبيرة في أسعار الوقود على حساب موازناتها التي بدأت تتكبد خسائر كبيرة، ألمانيا على سبيل المثال تحملت 440 مليار يورو نتيجة الدعم من أجل المحافظة على أسعار الوقود وهذا نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة.
تتجه أوروبا بقوة إلى الطاقة المتجددة من بين الاعتماد على مصادر بديلة للغاز والنفط الروسيين. ويتوقع أن يتجاوز نمو الطاقة المتجددة نمو استهلاك الكهرباء. وفيما يتعلق بمصادر الكهرباء، يتوقع أن ينمو الإنتاج من المصادر المتجددة بأكثر من 10 في المئة في عام 2022، بفضل مستوى قياسي من التركيبات الجديدة.
ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الكهرباء هذا العام بنسبة 2,4 في المئة، مقارنة بزيادة قدرها 6 في المئة في 2021، عام التعافي بعد الجائحة، وفق الدراسة. وهذا الرقم يعيد العالم إلى نمو مشابه تقريبًا لما قبل كوفيد.
وتندفع كبرى الشركات الأوروبية نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، إلى جانب الشركات العملاقة للغاز الصناعي مثل الشركة الألمانية "ليندي"، والشركة الفرنسية "اير ليكيد" والأميركية "اير بروداكتس"، بالإضافة إلى الشركات المتخصصة بالطاقات المتجدّدة ومجموعة من الشركات الناشئة.
تحرير : ليندا