بغداد اليوم - متابعة
منذ عدة أسابيع سجلت السوق العراقية ارتفاعا في أسعار صرف الدولار مقابل الدينار، إلى مستويات غير مسبوقة، يعزوها البنك المركزي العراقي إلى عوامل عدة أبرزها بدء العمل في "منصة إلكترونية".
ورغم أن سعر صرف الدولار محدد رسميا بـ 1460 دينار عراقي، بلغت الأسعار الحالية إلى نحو 1545 دينارا مقابل الدولار.
ووصف المركزي العراقي في بيان، الخميس، الارتفاع بـ"البسيط"، فيما قال مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان منفصل، إن الارتفاع في سعر الصرف "أمر مؤقت"، مؤكدا أن وضع العراق المالي في أحسن أحواله.
وكان البنك المركزي العراقي قد خفض سعر الدينار في ديسمبر عام 2020 من 1182 دينارا مقابل الدولار، غلى 1460 دينارا، في خطوة استهدفت تعويض تراجع الإيرادات النفطية حينها.
وفي تصريحات لموقع "الحرة"، شكك خبراء اقتصاد عراقيون بتبريرات المركزي العراقي، مشيرين إلى مخاوف من احتمال استمرار الزيادة في أسعار الصرف خلال الفترة المقبلة، والتي قد تعني دخول العراق في مرحلة جديدة من التضخم خاصة مع اعتماده على الاستيراد "في كل شيء".
ورغم أن "الوضع المالي للعراق في مستويات جيدة"، يشير الخبراء إلى أن ما عُرفت بـ"سرقة القرن"كان لها تبعات أثرت على حركة السيولة والحوالات، ودفعت بزيادة في أسعار الصرف "غير مبررة".
وكشفت السلطات العراقية عن "سرقة القرن" بعد مراجعة داخلية أجرتها وزارة المالية أظهرت عمليات احتيال بنحو 3.7 تريليون دينار عراقي ( 2.5 مليار دولار).
"مستويات ليست قليلة"
وقال الخبير الاقتصادي العراقي، محمود داغر إن "أسعار الصرف في العراق وصلت إلى مستويات ليست بالقليلة بحسب التصريحات الرسمية، إذ إنها وصلت لمستويات 1545 دينارا لدولار الحوالات بدلا من 1460 دينار بحسب ما هو محدد من المركزي، و1504 دنانير لدولار الكاش".
وأضاف داغر وهو مسؤول سابق في البنك المركزي العراقي، في حديث لموقع "الحرة"، أن "أسباب الارتفاع في أسعار الصرف ليست ناتجة عن ضعف التغطية في تلبية حاجة السوق المحلية، إنما بسبب أوضاع فنية سببت إرباكا في وصول الحوالات إلى وجهتها".
وأشار إلى أن "ضوابط فرضها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، كان يجب التنبه لها من جانب المركزي العراقي والطلب أن يتم تنفيذها بشكل متدرج، حتى لا تخلق المشاكل في السوق العراقية".
ويشرح النائب جمال كوجر، عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، أن "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، كان قد اتخذ قرارات خاصة بعد قضية تهريب الأموال وفساد بعض البنوك في العراق، إذ تم استبعاد سبعة بنوك من المشاركة في مزادات العملة، وفرض تشديدا أكبر على الحوالات التي لم تكن تخضع لأي تدقيق كان".
وزاد في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن هناك "فقدانا للثقة والسيطرة في البنك المركزي العراقي، وهو ما تسبب في ازدهار سوق الصرافة الموازية لتخلق سوقا سوداء يستفيد منها أفراد يتحكمون بالأسعار وسط عدم التدخل بمنع مثل هذه الممارسات".
وبحسب بيان البنك المركزي العراقي، قال مصدر إن من أسباب ارتفاع أسعار الصرف "بناء منصة إلكترونية ترفع المصارف طلبات زبائنها عبرها، والتي باشر المركزي منذ أشهر ببنائها بالتنسيق مع الجهات الدولية لغرض أحكام وتنظيم عمليات نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية وتضمن فاعلية الرقابة عليها".
وأضاف "تم تكليف شركة دولية متخصصة ببنائها وربط المصارف مع البنك المركزي من خلالها، وتتطلب المنصة تقديم معلومات عن الزبائن طالبي التحويل والجهات المستفيدة والمصارف المراسلة".
و"لحداثة استخدام هذه المنصة، فإن العديد من الأخطاء يجري اكتشافها مما يتطلب من المصرف إعادة تحميلها، وتأخذ تلك الإجراءات زمنا إضافيا لقبول الطلب وتمريره عبر النظام المالي العالمي".
واعتبر الأكاديمي، الخبير الاقتصادي العراقي، عبدالرحمن المشهداني أن "بيان البنك المركزي غير مقنع، قد يكون هناك إرباك في التعامل مع منصة إلكترونية جديدة، ولكن هذا الأمر لا يجب أن يحدث إرباكا يرفع أسعار الصرف لمستويات قياسية".
ويرى المشهداني في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" أن ما يحصل الآن يعود إلى أن "البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فرض تعديلات على إجراءات الحوالات التي تمر بنظام سويفت، والتي تضم تدقيقا لمصدر الأموال وحتى المستقبل النهائي، وهو ما جاء بعد تبعات سرقة القرن والتي كشفت مخططات لتهريب الأموال".
وأوضح المشهداني أنه تم "استبعاد ومعاقبة أربعة مصارف كانت تستحوذ على حوالي 40 في المئة من مبيعات نافذة مزاد العملات، وهذا ما قد تسبب بنقص في وجود العملة الأجنبية لبعض المتعاملين المعتمدين على هذه المصارف، ما دفع بهؤلاء إلى الاعتماد على السوق الموازية"، مشيرا إلى أن هذا لا "يعني وجود معضلة شح الدولار لدى المركزي العراقي، والذي تتجاوز احتياطاته من هذه العملة أكثر من 90 مليار دولار".
وأكد البنك المركزي العراقي في بيانه أن الاحتياطيات "والملاءة المالية للدولة عموما بحالة ممتازة وفي أفضل مستوياتها منذ عقود، وأن العرض الحالي للعملة الاجنبية لا يرتبط بالموارد بل بالإجراءات الإدارية والتدقيقية".
وكان مستشار البنك المركزي العراقي، إحسان شمران الياسري قد شرح في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية "واع" الأربعاء آلية عمل منصة بيع العملات الأجنبية، وقال "إن البنك المركزي أوجد في الآونة الأخيرة منصة لنافذة بيع العملة ترفع لها المصارف المجازة طلبات بالشراء باسم أشخاص ويتم النظر بالأسماء على مدار أسبوع ويحسم البنك موقفه قبل يوم من موعد مزاد بيع العملة المقدم للشراء فيه بعد تطبيقه لشروط تتضمن تقديم الأشخاص طلبات شراء دولار إلى المصارف المجازة ويثبت فيها نوع السلعة والحاجة المطلوب شراؤها وتفاصيل عن الجهة المستفيدة، ويجب أن يذكر اسم البائع واسم الشخص الذي يطلب الشراء ويدخل الاسم في نظام عالمي يسمى (أوفاك) لبيان إن كان مطلوبا أو عليه إشكاليات وكذلك يتم التواصل مع الجهة البائعة للبضاعة المستوردة للتحقق من تعاملاتها مع الشخص طالب شراء الدولار".
وزاد أن "البنك الفيدرالي الأميركي وضع شروطا مشددة في الآونة الأخيرة تلزمنا بعرض قوائم بالدولار المباع عليه تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة ويتم الانتظار 15 يوما لبيان موقفه من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، وتتوقف عملية البيع في حال اعترض البنك الفيدرالي على اسم معين كونه مطلوبا أو يوجد تشابه أسماء أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار".
وكشف الياسري أن "الفيدرالي الأميركي بصدد إضافة 3 جهات رقابية على عمليات بيع الدولار للتدقيق حول وجهته بعد البيع وهم يقولون إنهم يدققون لمنع وصوله لجهات إرهابية أو محظورة وبسبب هذه الشروط والمحددات لا يستطيع البنك المركزي توفير الدولار لجميع من يطلبونه، ما يحدث تزاحما ونحن ملزمون ولمصلحة العراق بتطبيق هذه المعايير لمنع صدور قرار بوقف تدفق الدولار للعراق لأنه سيحدث كارثة وبيع الدولار في العراق خاضع لرقابة صارمة من الفيدرالي الأميركي لأنه الجهة المصدرة للدولار".
تفادي أزمة سعر الصرف
وحدد المركزي العراقي بضعة إجراءات للدفع باستقرار أسعار الصرف منها "توسيع عرض النقد الأجنبي لتلبية طلب الجمهور على الدولار النقدي، كما تم توجيه إدارة النافذة لتلبية طلبات المصارف للأيام القادمة بشكل أسرع من خلال تنفيذ طلبات مضاعفة كما تم إعطاء سعر تفضيلي لتنفيذ الاعتمادات المستندية، ولغرض تغطية الطلب المحلي ".
وأبدى رئيس المجلس الاقتصادي العراقي، إبراهيم البغدادي، تأييده لإجراءات "المركزي العراقي"، وقال إن "تطبيق أي نظام جديد قد يتسبب بخلل، وأن فرض قرارات متشددة من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أربكت السياسة النقدية في العراق".
ودعا البغدادي في حديث لموقع "الحرة" إلى "التنسيق بشكل أكبر بين الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي، حتى لا يتأثر الاقتصاد العراقي، وبالنهاية من سيتحمل الأعباء هو المواطن الذي يعاني من تآكل في الدخل".
وأشار إلى أن الاقتصاد العراقي "يتأثر بشكل مباشر في أي رفع لأسعار الصرف، خاصة وأن حركة الإنتاج في البلاد تعتمد على مدخلات مستوردة بالكامل من خارج الدولة".
ويتفق الخبير الاقتصادي، داغر مع هذا الرأي، موضحا أن "استمرار ارتفاع سعر الصرف، سيجعل المواطن العراقي أمام أعباء إضافية لا سيما وأن المشكلة الأكبر ترتبط بسعر صرف دولار الحوالات، خاصة وأن العراق يستورد كل شيء من الخارج".
وحدد النائب كوجر انعكاسات زيادة أسعار الصرف على الاقتصاد العراقي بـ"أربعة تأثيرات": أولا، زيادة التكاليف على المواطن العراقي وارتفاع التضخم، وثانيا، إرباك في السوق العراقية المحلية، وثالثا، خوف المستثمر وأصحاب العمل في القطاع الخاص من وضع خططهم الاستثمارية للفترة المقبلة، خاصة وأنهم يعتمدون على الاستيراد للبضائع ولتي تدفع بالعملة الأجنبية، ورابعا، استمرار الارتفاع قد يقود الاقتصاد العراقي إلى ركود بسبب حالة عدم اليقين وسط عدم وجود أجوبة مقنعة لدى الجهات الرسمية.
ودعا كوجر إلى التنسيق بشكل أكبر بين السياسة المالية والنقدية في البلاد، موضحا أن هذا لا يعني "التدخل في صلاحيات البنك المركزي أكان من قبل النواب أو السياسيين الذي يعتمدون في توجيهاتهم على مصلحة الأحزاب التي يمثلونها"، وتابع أن "من الضروري عدم استغلال ما يحصل في إثارة شعارات انتخابية لإرضاء القواعد الحزبية".
وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني قد أكد في مطلع نوفمبر أن "تغيير سعر الصرف الدينار العراقي أمام الدولار من صلاحيات البنك المركزي، ونحن ملتزمون بتنفيذ ما يراه المركزي"، الأمر الذي اعتبره البعض تراجعا عن وعود ومواقف سابقة بتخفيض سعر الصرف.
ويثني الخبير الاقتصادي، المشهداني على فكرة ترك الأمر للمركزي العراقي، مشيرا إلى أن "قانون البنك المركزي يحدد صلاحية رسم السياسة النقدية بالبنك فقط، ولكن هذا لا يمنع من التنسيق مع راسمي السياسة المالية في البلاد".
وأكدت الحكومة في بيان الخميس "التزامها بالمحافظة على استقرار السوق المحلية، من خلال دعم استقرار سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وهي تدعم خطوات البنك المركزي بهذا الصدد".
ودعت الحكومة العراقية "جميع المتعاملين من مستثمرين وتجار، بضرورة التعاون مع المصارف والبنك المركزي من خلال العمل وفق السياقات التجارية المعمول بها عالميا، والاستيراد بموجب الاعتمادات المستندية، كونها توفر ضمانة للمستورد وتحفظ حقوقه وتؤمن على السلع المستوردة، وتمكنه للإفادة من التسهيلات المصرفية في تغطية قيمة الاعتماد".
وكان صندوق النقد قال دعا العراق في بيان في السابع من ديسمبر إلى تعزيز الاستقرار المالي وتسريع عملية تنفيذ النظم المصرفية الأساسية، والشروع في إعادة هيكلة المصارف الحكومية الكبرى باعتباره أولوية بالغة الأهمية.
وأعلن الصندوق حينها أنه يدعم جهود البنك المركزي الرامية إلى تعزيز الرقابة على المعاملات من خلال مزاد العملات الأجنبية، وخططه التي تهدف إلى استكشاف الآليات البديلة لتمويل التجارة بغية تسهيلها، ويوصي بتطوير الأدوات اللازمة لإدارة السيولة النقدية لأجل دعم استقرار سعر الصرف على نحو أفضل.