بغداد اليوم-متابعة
قد يتساءل البعض عن الشخصيات الأبرز في شجرة عائلة إليزابيث الثانية، فيتبادر إلى الذهن ملوك وملكات أوروبيون مختلفون، لكن ما قد لا يخطر ببال أحدهم روايات تقول إن النبي محمد أحد أبعد الأسلاف للملكة السابقة لبريطانيا العظمى.
الرواية اقترحها العديد من صحف التابلويد، أو الصحافة الصفراء البريطانية، مثل The Daily Mail وThe Daily Express، ونقلتها الكثير من الصحف العربية، تقول إن إليزابيث كانت من أحفاد النبي محمد، وأعادت تدوير القصة بعد وفاة الملكة في 8 سبتمبر/أيلول عام 2022.
فهل كانت الملكة ترتبط بالنبي محمد نسباً فعلاً؟
أصول الملكة إليزابيث الثانية
لفتت صحيفة The Economist البريطانية، إلى أنه ليس من الواضح سبب ظهور هذه الادعاءات في المقام الأول. لكنها كانت موجودة منذ عام 1986 على الأقل، عندما ادعى عالِم الأنساب هارولد ب. بروكس بيكر، الرابط المحتمل، ونشره بمجلة Burke's Peerage، دليل بريطانيا عن أصول طبقة النبلاء.
وجاء في الموسوعة اقتباس منقول عن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر في ذلك الوقت: "لا يعرف الكثير من البريطانيين أن دماء نبي الإسلام محمد تسيل في عروق الملكة".
وهنا قامت موسوعة بروكس بربط الملكة إليزابيث بالنبي محمد عن طريق أميرة إشبيلية تُدعى زايدة، وهي أميرة مسلمة من القرن الحادي عشر، يُعتقد أنها تحولت من الإسلام إلى المسيحية، وأصبحت محظية للملك ألفونسو السادس حاكم قشتالة.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت زايدة شخصاً حقيقياً بالفعل أم لا، وما إذا كان لها أصول مرتبطة بالفعل بالرسول محمد فعلاً، أم أن هذا السيناريو بعيد أكثر من اللازم.
روايات تسعى لإيجاد رابط تاريخي بين الشرق والغرب
يعتقد عبد الحميد العوني، المؤرخ المغربي الذي كتب مقالاً في صحيفة الأسبوع، أن هناك صلة أيضاً. وبالعودة مجدداً إلى زايدة كعنصر أساسي، تتبع عوني سلسلة نسب إليزابيث إلى 43 جيلاً سالفاً، وصولاً إلى العائلة الهاشمية والنبي محمد.
ومع ذلك، فإن الارتباط المفترَض بين العائلة المالكة البريطانية ومؤسس الإسلام قد رحب به أشخاص مثل علي جمعة، الباحث الإسلامي ومفتي مصر السابق.
من جانبها، تقول ليزلي هازلتون، الصحفية والمؤلفة التي ألفت العديد من الكتب عن الإسلام المبكر بحسب موقع History للتاريخ والتوثيق، إنها "قصة لها نوايا حسنة للربط بين الأديان".
معتبرة أن هذه الشائعة والتصديق فيها مجرد "رد فعل على شيطنة الإسلام في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة".
نفي وجود رابط بين إليزابيث والنبي محمد
قالت جهة رسمية في التأريخ البريطاني والبحث في علم الأنساب إنه لا يوجد دليل قاطع على أن الملكة إليزابيث الثانية كانت من سلالة النبي محمد، أو لها امتداد لعشيرته الهاشمية في شبه الجزيرة العربية، وذلك على عكس التقارير والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي نشرت هذا الادعاء بعد وفاة الملكة.
إذ صرحت منصة Burke's Peerage لتوثيق نسب العائلات النبيلة، لموقع Middle East Eye بأنها بشكل رسمي "ليس لديها معلومات تتعلق بهذا الادعاء" باعتبار أنهم لم يكونوا المصدر الأصلي للمعلومة، "على الرغم من تكرار ذلك بشكل غير صحيح على مر السنين" في الصحف المختلفة.
وأضاف الموقع أن إيان مونكريف، الضابط البريطاني وعالم الأنساب، يبدو هو من كان مصدر هذا الادعاء، بعد أن نشر معلومات عن الأمر في إحدى الصحف.
إضافة لذلك، ظهرت مقابلات تلفزيونية مع المفتي السابق لمصر، علي جمعة، زادت من مصداقية هذا الادعاء. إذ زعم جمعة أن "جد" ملكة بريطانيا السابقة كان مسلماً أُجبر على أن يصبح مسيحياً "خلال فترة محاكم التفتيش" قبل وصوله إلى إنجلترا.
في المقابل، فقد حكم الجد المباشر لإليزابيث، الملك جورج الخامس، بين عامي 1910 و1936.
قصة زايدة ومباراة الشطرنج
الأميرة المسلمة زايدة، التي عاشت في مدينة إشبيلية، هي شخصية مهمة في شجرة العائلة المزعومة للملكة إليزابيث التي تربطها بالنبي محمد.
إذ قيل إن زايدة كانت لاجئة مسلمة هربت من إشبيلية وتحولت إلى المسيحية وأصبحت تعرف باسم إيزابيلا للنجاة من التنكيل. ويعتقد البعض أنها ابنة حاكم إشبيلية المعتمد بن عباد، الذي يُزعم أنه سليل العشيرة الهاشمية.
وقد أصبحت محظية للملك ألفونسو السادس ملك قشتالة، العدو اللدود لأبيها.
ويُزعم أن واحدة من نسل أبناء زايدة قد تزوجت بريتشارد كونيسبرو، إيرل كامبريدج الثالث، في القرن الرابع عشر. الذي يُقال إنه أحد أسلاف الملكة إليزابيث.
ومع ذلك، لا تزال زايدة شخصية غامضة، وقصتها غير موثقة أو معتمدة تاريخياً.
تقول باتريشيا جريف، أستاذة العلوم الإنسانية في جامعة كولومبيا الأمريكية، لموقع Middle East Eye، إن هناك الكثير من التكهنات والأساطير حول صحة العلاقة بين زايدة بالملك ألفونسو السادس.
إحدى القصص مثلاً تقول إن ألفونسو السادس فاز بزايدة بعد أن كسب مباراة شطرنج لعبها ضد المعتمد، ملك إشبيلية المسلم، الذي كان والدها.
وفي هذه الأسطورة لا يتضح ما إذا كانت علاقة زايدة بالملك ألفونسو حقيقة وما إذا كانت عشيقته أم زوجته. وإذا كانت زايدة هي الشخصية الحقيقية التي تحولت إلى المسيحية واتخذت اسم إيزابيل في أسلاف الملكة إليزابيث القدامى، فإن ذلك من شأنه أن يربطها بالعائلات المالكة في أوروبا وما وراء إسبانيا.
لتؤكد الخبيرة أن تكهنات وجود علاقة قديمة بين العائلة الملكية البريطانية، والعائلة الهاشمية للنبي محمد، هي أساطير أكثر من كونها حقائق تاريخية.