بغداد اليوم-متابعة
بعد أن كانت هدفاً لهجمات تنظيم "داعش" تحولت مدينة بلد التي تقع على الطريق العام بين بغداد ومدن سامراء وتكريت والموصل، إلى قبلة سياحية لعديد من العراقيين، خصوصاً سكان العاصمة لقضاء سهراتهم وأمسياتهم.
وتقع بلد ضمن محافظة صلاح الدين التي تُعد من أكبر الأقضية في العراق ومعروفة بمزارعها الكبيرة، وهي من أبرز منتجي العنب والتفاح بموسم الصيف، وبها أحد أهم المراقد الشيعية وهو مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي الإمام العاشر عند الشيعة الاثني عشرية ويزوره المئات يومياً.
وتعيش بلد حالياً استقراراً أمنياً كبيراً بعد سنوات من الهجمات المستمرة لـ"داعش" على محيطها أو داخلها بالسيارات المفخخة والانتحاريين، آخرها كان في يوليو (تموز) 2016 وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
قبلة البغداديين ليلاً
لقربها من العاصمة (على مسافة 85 كم) يقصدها البغداديون للمبيت في مزارعها، لكن ليس كما في السابق، مجاناً أو بدعوة من أصدقاء، بل بعد إجراء اتصال وحجز للمزرعة وبأسعار تختلف بحسب مساحتها ووسائل الترفيه فيها.
ويروي نصير أبو ذهب صاحب فكرة تأجير المزارع لأغراض ربحية، كيف قوبل اقتراحه برفض من الأهالي عندما طرحه على صفحته الشخصية بـ"فيسبوك"، وذلك لاعتبارات تتعلق بتقاليد المدينة العشائرية والاجتماعية التي ترحب بالضيف من دون مقابل. حتى إن البعض اعتبر ما يفكر فيه "وصمة عار" واتهمه بتشويه سمعة المدينة المعروفة بكرمها، لكن هذه الاتهامات لم تجبره على وقف تطبيق فكرته.
انتشار الفكرة
وبعد فترة بدأ أهالي المدينة بتقبل الفكرة بل أحبها الأهالي السائحون من بغداد وبقية المحافظات، باعتبارها توفر لهم بستاناً متكاملاً لأجل الترفيه، والمدهش أن كثيراً من الأهالي ممن اعترضوا على فكرة أبو الذهب وانتقدوه، عرضوا مزارعهم للاستئجار لكون الأمر مربحاً.
ويوجد في مدينة بلد نحو 280 مزرعة حالياً تستقبل السياح يومياً القادمين من بغداد والمحافظات الأخرى بعد حجزهم عن طريق الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب أبو الذهب، الذي أكد أن مزرعته تستقبل يومياً نحو 20 شخصاً، مرجحا دخول خمسة آلاف سائح يومياً إلى المدينة للمبيت في تلك المزارع.
ويضيف أبو الذهب لـ"اندبندنت عربية" أن هناك بعض أصحاب المزارع الذين ينسقون مع الشركات السياحية في بغداد لجلب مزيد من السياح، مشيراً إلى أن الذين يستأجرون هذه المزارع من جميع الفئات. وتوقع أن يكون المستقبل مزدهراً بالاستثمار في تلك المزارع لدخول تصاميم حديثة وشركات كبرى تنفذ هذا النوع من المنتجعات، معتبراً إياه "مصدر رزق لكثير من عائلات المدينة".
وتتراوح أسعار استئجار المزرعة الواحدة من 150 ألف دينار عراقي (100 دولار) إلى 300 ألف دينار (200 دولار) في الليلة الواحدة بحسب مساحة المزرعة ووسائل الترفيه بها.
الإقبال كبير
ويتحدث باقر عماد، وهو ناشط ومدون من بلد، عن إقبال كبير خلال هذا الصيف من مدن العراق الجنوبية والوسطى وخصوصاً سكان العاصمة بغداد لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في مزارع المدينة.
وقال عماد إن السياح القادمين من العاصمة بغداد يشكلون الغالبية العظمى ويأتي بعدهم محافظات ديالى وبابل والأنبار والمحافظات الجنوبية والشمالية بشكل أقل، مشيراً إلى أن اقتصاد مدينة بلد كان يعاني ركوداً كبيراً في السابق بسبب عدم وجود قدرة شرائية لدى الأهالي، لكن دخول مئات السياح الوافدين للمدينة يومياً، أنعش الاقتصاد وازداد الطلب على السلع الاستهلاكية والغذائية والمواصلات الداخلية وغيرها.
ويتحدث عماد عن دخول نحو 2500 شخص يومياً إلى المدينة للسياحة فيها ويزداد في نهاية الأسبوع ليصل إلى خمسة آلاف شخص لقضاء العطلة الأسبوعية، مبيناً أن هذا الإقبال دفع أهالي بلد إلى استثمار عقاراتهم وبنائها على شكل منتجعات سياحية والاستفادة منها اقتصادياً.
السياحة الآمنة
ويبدو أن الوضع الأمني الذي شهدته صلاح الدين على الرغم من تحريرها من سيطرة "داعش" عام 2017 جعل كثيراً من الأهالي يتخوفون من الذهاب للمحافظة، ومنها قضاء بلد الذي شهد محيطه عمليات عسكرية وتغلغلاً لـ"داعش" في بعض أجزائها لا سيما النائية منها، إلا أن هذه السمعة الأمنية السيئة لم تمنع كثيرين في تلك الفترة من أن يقصدوا قضاء بلد، بحسب عماد، الذي أشار إلى أن هذه السمعة بدأت تتحسن لا سيما بعد مجيء أعداد كبيرة من تلك المحافظات لقضاء فترة إجازاتهم وجعلها مكاناً للاستجمام.
ولعل انتشار تأجير المزارع في عدد من محافظات العراق جعل المدونين يهتمون بإنشاء مواقع خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لتلك الفكرة ولعرض مزارعهم.
ويرى عماد أن لمواقع التواصل الاجتماعي الدور الكبير في تكوين انطباع جيد نحو المجيء للاستمتاع بطبيعة المدينة التي تضم عديداً من المزارع، فضلاً عن حملة الدعاية لأصحابها من خلال جلب مشاهير "وسائل التواصل الاجتماعي" لغرض الترويج.
وعن أسباب تعميم الفكرة، بين عماد أن الأرباح زادت وأن واردات المزرعة الواحدة من السياح يومياً تتراوح بين 200 و250 دولاراً يومياً، وقد تصل إلى أكثر من خمسة آلاف دولار شهرياً، متوقعاً أن تزداد أرباحهم في العام المقبل لزيادة حجم الاستثمارات وزيادة إقبال السياح.
تعميم الفكرة
ويبدو أن الفكرة انتقلت إلى بقية المحافظات، إذ باتت كربلاء الواقعة جنوب محافظة بغداد منتجعاً سياحياً إضافة إلى كونها مركزاً دينياً، بعد أن أصبح عدد من العائلات البغدادية يقصد مزارعها المستأجرة لا سيما في منطقة الحسينية، فعائلة أيمن أحمد الساكنة في محافظة بغداد استغلت عيد الأضحى الماضي لتستأجر مزرعة بـ150 ألف دينار (100 دولار) لمدة عشر ساعات لقضاء وقت ممتع، خصوصاً أنها تضم مسبحاً وبيتاً مؤثثاً يحتوي على كل المستلزمات، ومطبخاً متكاملاً ومجهزاً بالكهرباء، مبيناً أن "المزرعة كانت أفضل مكان ترفيهي للعائلة وأفضل من الأماكن المغلقة أو الأماكن العامة، وتحفظ خصوصيتنا في استعمال جميع مرفقات المزرعة من الطبيعة والمسبح وكذلك مجهزة بألعاب للأطفال".