الصفحة الرئيسية / الاستجمام مكلف... البحر ليس للجميع في لبنان

الاستجمام مكلف... البحر ليس للجميع في لبنان

بغداد اليوم - متابعة
منذ سنوات طوال لم يعد البحر حقاً للجميع في لبنان، بل أصبح انعكاساً للتفاوت الاجتماعي والاقتصادي بفعل وضع اليد على الأملاك العامة البحرية وتحويلها إلى أماكن تابعة للمنتجعات السياحية. فالواجهة البحرية الممتدة على 215 كيلو متراً هي تحت سيطرة القطاع الخاص، مع بعض الاستثناءات الخجولة التي تتضمن بعض المبادرات لإنشاء شواطئ عمومية مجانية، كما هو الحال في مناطق على غرار شكا، وبيروت الرملة البيضاء، وصيدا، وصور. أما منطقة الميناء في طرابلس فباتت الجزر تشكل مهرباً للعامة، حيث يقصد متوسطو الدخل وما دون "الزير" للاستجمام، التي يأتي على رأسها "جزر النخيل"، والتي يتم تصنيفها محمية طبيعية بحرية.

وزارة الأشغال تغرد

مع بدء موسم الصيف، أصدر وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال علي حمية مذكرة، طلب فيها "تسهيل وصول الناس إلى الشواطئ العامة وإبقائها مفتوحة للعموم، وبشكل مجاني".

وأشار علي حمية إلى أن "ارتياد الشاطئ البحري العمومي حق لكل الناس، ومن دون منة من أحد"، معلناً عن طلبه الإبقاء على الشاطئ العمومية مفتوحة أمام العموم، وبشكل مجاني لغرض النزهة والسباحة.

الشاطئ بالدولار

لا تغير تغريدات المسؤولين في لبنان من الواقع المدولر، فانهيار سعر صرف العملة الوطنية انعكس على قدرة اللبناني العادي في الحصول على بعض أوقات الاستجمام والمتعة، مما يعني تراجع في مؤشرات السعادة إلى حد بعيد. ففي البلاد التي تجاوز سعر صفيحة البنزين (702000 ليرة)، الحد الأدنى للأجور (675000 ليرة)، يصبح بديهياً أن تتضاعف فاتورة الدخول إلى المسابح 10 أضعاف تقريباً.

كما بدأت تتسع شريحة المواطنين التي تبحث عن منتجع يقدم خدمات "أقل تكلفة من دون البحث عن الجودة". يقول أحد المواطنين، حيث يقوم بدفع رسم للسباحة فقط، من دون حجز "كابين" لتبديل الملابس أو الاغتسال بسبب تباين الأسعار، حيث يضطر الزبون لوضع ملابسه إلى جانبه على الشاطئ.

وتبين عملية بحث سريعة أن "حجز شاليه لعائلة يساوي 100 دولار في اليوم"، أما "دخول البحر من دون كابين لتبديل الملابس 300 ألف ليرة للشخص، ومع الكابين ترتفع التعرفة إلى 540 ألفاً" هذه الأسعار في منتجعات عرفت تاريخياً بأنها "شعبية". أما بالنسبة للمنتجعات الأعلى درجة، فإن رسم الدخول يصبح 400 ألف تقريباً، ومع كابين مليون ليرة.

في الحقيقة، إذا ما حاولنا مقارنة أسعار هذه المنتجعات على ضوء السنوات الماضية، سنجد تفاوتاً مخيفاً في ارتفاع رسوم الدخول على اللبناني المقيم، ولكن إذا ما قارناها بالدولار، سنجد أن تلك التي كانت تأخذ 15000 ليرة، والتي ساوت في الماضي 10 دولارات، تطالب الزبون بـ300 ألف ليرة وفق دولار السوق السوداء، وعليه لن يشكل ذلك أي عبء على اللبناني المغترب أو السائح القادم من الخارج، الذي يأتي وفي حوزته دولارات طازجة.

في المقابل، ما يمكن القول إن انهيار الليرة وقيمة الأجور لمن يتقاضون المعاشات بالعملة الوطنية كرس التفاوت الطبقي والاجتماعي، فمن يمتلك القدرة على ارتياد المنتجعات الباهظة سيذهب إليها، ومن لا يمكنه ذلك سيبحث عن بديل رخيص الثمن. فعلى سبيل المثال، عائلة موظف عمومي يتقاضى مليون ونصف المليون ليرة كأجر شهري، لن تتمكن من ارتياد البحر في هذا الصيف بفعل التكاليف الباهظة.

شكوى مماثلة للنساء

صحيح أن مشكلة البحر عامة، لكنها تفرض نفسها كصعوبة إضافية لدى بعض النساء اللاتي يشكين من أنهن لن يتمكن من ارتياد الشاطئ العمومي بحرية. فخلال السنوات الماضية، اشتهرت بعض المنتجعات السياحية بتقديم خدمات خاصة بالنساء، وفق أماكن وأوقات خاصة بهن.

وتؤكد إحدى المواطنات، أن التعرفة تضاعفت 10 مرات في المنتجع الذي كن يرتدنه في السابق، كما تم رفع التعرفة لدخول الأطفال مهما كانت أعمارهم. كما تلفت إلى أن "بعض المنتجعات طلبت تقاضي الرسم بالدولار"، كما أن "هناك تشديداً على منع إدخال أي مأكولات أو عصائر من الخارج، فيما أسعار العبوات في الداخل أكثر من ثلاثة أضعاف مما هي عليه الأسعار في المتاجر".

لذلك، بدأ هامش الحركة لدى اللبناني المقيم يضيق للغاية، ليبدأ المفاضلة بين الخيارات المتاحة وفي قدرته المادية، ففي الماضي كانت العائلة اللبنانية المتوسطة تحصل على لحظات من المتعة العابرة التي تنسيهم الواقع لبعض الوقت. أما الآن تراجعت أولوية الاستجمام لصالح تأمين السلع الأساسية للبقاء على قيد الحياة.

الفاتورة بالدولار

أخيراً، أصدرت وزارة السياحة قراراً سمحت فيه للمؤسسات بتسعير خدماتها بالدولار. ويوضح نقيب أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية، بيار الأشقر، أن "الأوتيلات بدأت منذ سنة ونصف السنة التسعير بالدولار، وهو ليس بالشيء الجديد، ولكن الجديد في الأمر هو السماح للمطاعم والمقاهي والملاهي بذلك"، معللاً ذلك بتفاوت سعر صرف الدولار الذي يتغير بين يوم وآخر، وهذا ما يدفع المطاعم إلى تغيير أسعارها يومياً بما يتلاءم مع سعر الصرف. من هنا، "سيسمح تحديد الأسعار بالدولار في تقديم تسعيرة ثابتة وواضحة طوال فترة الصيف"، بحسب الأشقر.

كما ينوه الأشقر إلى أن "المطاعم تعطي الزبون الحرية المطلقة عند الدفع، سواء أراد بالدولار أو وفق سعر الصرف في السوق الحرة".

يتحدث الأشقر عن تنافسية القطاع السياحي في لبنان، الذي أصبحت خدماته أرخص إذا ما تمت مقارنتها بالدولار، متطرقاً إلى أعباء إضافية يتحملها القطاع السياحي "قيمة طن المازوت ارتفعت من مليون ونصف المليون ليرة إلى 36 مليون ليرة حالياً أي نحو 25 ضعفاً، أما شحنة المياه فقد كانت تبلغ تكلفتها 500 ألف ليرة، أما اليوم فهو بمليوني ليرة لبنانية، وهكذا دواليك"، لذلك لا بد أن تزداد هذه الأعباء على ثمن الخدمات.

الأولوية للمغترب العائد

يؤكد النقيب بيار الأشقر، أن القطاع السياحي يعول على المغترب اللبناني القادم لزيارة بلاده، وبحوزته نقد نادر، متوقعاً قدوم أكثر من مليون زائر خلال الصيف الراهن بعد تراجع إجراءات الحجر وجائحة كورونا.

ورداً على سؤال حول ارتفاع رسوم المنتجعات البحرية، وعدم قدرة المواطن المقيم من الحصول على الاستجمام والخدمات، يشير "إلى أن هذا الأمر قائم في جميع بلاد العالم بسبب ارتفاع الخدمات، فعلى سبيل المثال غرفة الفندق في موناكو التي تصل تعرفتها إلى ألفي دولار لن تكون متاحة للجميع.

ويلفت إلى أن "لبنان تاريخياً وجهة سياحية للطبقة المتوسطة، وما فوق"، مكرراً طلبه النظر إلى "التكلفة العالية لأعباء التي تقع على عاتق المنتجعات في ظل غياب الخدمات العمومية"، "فالمقيم بالفندق لن يشعر بانقطاع الكهرباء، والمياه، وسوء خدمة الاتصال والإنترنت، لأن المؤسسات السياحية ستقدم له تلك الخدمات على مدار الساعة".

يعبر الأشقر عن تفاؤله بالصيف الحالي لأن "لبنان كوجهة سياحية لا توجد فيه أي مشكلات أمنية خارجة عن المألوف، وبعض الحوادث التي طرأت في بعض المناطق هي اعتيادية منذ عشرات السنين. كما أن اللبناني القادم إلى بلده معتاد على هذه المشكلات وسوء الخدمات". يلفت إلى حجوزات ونسب إشغال مرتفعة في بيروت والمحيط، كما يعول على ارتفاعها في المناطق الأخرى والجبلية لأن "اللبناني يخطط كل يوم بيومه، ويقوم بالحجز وفق الوجهة التي يرغبها في حينه".

ويخلص نقيب الفنادق إلى أن القطاع يعمل بجهوده الخاصة، ولا يعول على أي إجراءات تقوم بها الدولة المنهارة مالياً.

17-06-2022, 18:23
العودة للخلف