بغداد - متابعة
حذرت جمعيات خيرية وبعض المجموعات الناشطة اجتماعياً، من وضع وصمة تمييز ضد المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي في خضم تفشي مرض جدري القرود.
حتى الآن، رصدت 71 إصابة بجدري القرود في المملكة المتحدة، مع تسجيل نسبة بارزة منها بين صفوف الرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية، وفق "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" UKHSA.
وإذ شددت الوكالة وجمعيات خيرية على ضرورة رفع درجة الوعي عن انتشار جدري القرود بين هذه الفئات، إلا أنها أثارت مخاوف حيال ظهور "تعابير تشبيه تنطوي على تحيز أو كراهية أو رهاب تجاه المثليين" في أعقاب انتشار تلك العدوى الفيروسية.
وقد تحدثتْ في هذا الشأن ساشا ميسرا، المديرة المساعدة للاتصالات والحملات في جمعية "ستون وول"Stonewall لحقوق المثليين، مشيرة إلى "تغطية إعلامية تتوخى الإثارة المتزايدة" بشأن تفشي جدري القرود، إذ "تدعو القارئ إلى الربط بين ذلك المرض ومثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً، وغيرهم ممن يشار إليهم بمصطلح مجتمع الميم "أل جي تي بي +" LGBTQ+".
ووصفت ميسرا هذا التوجه بـ"غير المسؤول والخطير على حد سواء"، موضحة أن "تناقل أخبار حول هذا الاتجاه [الربط بين المرض وبين المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً] لا يفضي إلا إلى وصم مجتمع الـ"أل جي تي بي+"، ويجازف بتخلي بقية السكان عن حذرهم حيال الفيروس.
ووفق ميسرا، "لقد رصدت حالات عدة مؤكدة في المملكة المتحدة بين رجال مثليين ومزدوجي الميول الجنسية، غير أن أي شخص يمكنه أن ينقل المرض، بغض النظر عن ميوله الجنسية. إنّ جدري القرود ليس أحد الأمراض التي تنتقل عدواها بالاتصال الجنسي، بل تنتشر من طريق الملامسة، وعلينا جميعاً أن نتوخى الحذر بشأنه".
من بين إصابات جدري القرود الـ71 الموجودة في المملكة المتحدة لم تُرصد أي إصابة في ويلز وإيرلندا الشمالية. وسجلت إصابة واحدة في اسكتلندا، في مقابل 70 إصابة في مختلف أنحاء إنجلترا. ويعتقد أن معظمها في لندن.
على الرغم من عدم توافر دليل يشير إلى أن العدوى آخذة في الانتشار عبر الاتصال الجنسي، يُعتقد أن الاحتكاك القريب جداً الذي يرافق الجُماع مسؤول عن حالات العدوى المفاجئة.
واستطراداً، تشير حقيقة ظهور العدوى في بلاد مختلفة عدة إلى أن جدري القرود، علماً أنه مرض فيروسي، ربما كان ينتشر بصمت لفترة من الزمن، وفق "منظمة الصحة العالمية".
في سياق متصل، وصف الدكتور ديفيد هيمان الذي ترأس سابقاً قسم الطوارئ في "منظمة الصحة العالمية"، تفشي إصابات جدري القرود بأنه شبيه بـ"الحدث الاعتباطي"، موضحاً أنه "ربما يعزى إلى حفلتين حاشدتين [للمثليين] أقيمتا في أوروبا حديثاً".
وكذلك تحقّق السلطات الصحية في إسبانيا، حيث رُصدت غالبية حالات جدري القرود على الصعيد العالمي حتى الآن، في صلات محتملة تربط بين حفلة "غاي برايد"Gay Pride التي أقيمت أخيراً في جزر الكناري بحضور حوالى 80 ألف شخص، والحالات المسجلة في أحد حمامات الساونا بمدينة مدريد.
وذكرت مؤسسة "إلتون جون أيدز فاونديشن" إن على الناس أن "يتوخوا اليقظة والوعي بشأن اللغة التي نستخدمها" عند التحدث حول تفشي المرض، وتجنب وصم مجتمعات معينة [باعتبارها مسؤولة عن تفشي المرض].
وكذلك ذكرتْ آن أسليت، المديرة التنفيذية للمؤسسة الخيرية المذكورة إن "الوصم واللوم كانا محركين أساسيين في وباء فيروس نقص المناعة البشرية (أتش أي في) المسبب للأيدز طوال أربعة عقود. مع ظهور فيروسات جديدة، علينا الاستفادة الدروس المستقاة من ماضينا والالتزام بمحاربة وصمة العار. وتكمن الخطوة الأولى الرائعة نحو تحقيق ذلك بالتنبه إلى اللغة التي نستخدمها".
في سياق مشابه، ذكرت منظمة "أيدز ماب"Aidsmap الخيرية، ومقرها المملكة المتحدة، أن تناقل الأخبار عن مرض مُعْدٍ يصيب بشكل رئيس الرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية "أثار ذكريات الأيام الأولى لوباء فيروس نقص المناعة البشرية".
وقد لاحظ ماثيو هودسون، المدير التنفيذي لـ"أيدز ماب" إنه "على غرار فيروس نقص المناعة البشرية، ظهرت تعابير فاترة مشوبة بتحيز أو كراهية أو رهاب تجاه المثليين في المناقشات اللاحقة. وكذلك على غرار الحال بالنسبة إلى فيروس نقص المناعة البشرية، فإن جدري القرود مجرد فيروس، ولا طائل من إصدار أحكام أخلاقية حول سبل انتشاره بين الناس، أو الفئات السكانية المعرضة لهذه العدوى".
ولكن، خلافاً لفيروس نقص المناعة البشرية، شدد هودسون على أن جدري القرود عادة ما يكون مرضاً خفيف الوطأة ويزول من دون حاجة إلى علاج. وعموماً يتعافى معظم المصابين بالفيروس في غضون أسبوع.
وفي صورة عامة، تشمل أعراض جدري القرود الحمى، والصداع، وآلام العضلات، وأوجاع الظهر، فضلاً عن تضخم الغدد الليمفاوية والارتعاش والإرهاق. وكذلك يظهر طفح جلدي يتطور بصورة تدريجية، ويبدأ غالباً على الوجه، لينتشر لاحقاً إلى أجزاء أخرى من الجسم، بما في ذلك الأعضاء التناسلية.
تذكيراً، كانت الحالة الأولى من جدري القرود التي رصدت في المملكة المتحدة لشخص رجع إلى البلاد قادماً من نيجيريا، في حين لم يعرف عن الحالات الأخرى خروجها في أي رحلات دولية.
وبغية احتواء العدوى، يُعطى الأشخاص الذين يتواصلون عن قرب مع مصابين بجدري القرود، لقاحاً مضاداً يستخدم عادةً في التحصين ضد داء الجدري smallpox الذي يسببه فيروس مشابه للفيروس المسؤول عن جدري القرود.
تشمل هذه الاستراتيجية، المعروفة بـ"التطعيم الدائري" [إعطاء اللقاح إلى الدائرة الضيقة من المخالطين المباشرين للمُصاب]، العاملين في مجال الرعاية الصحية والشركاء في العلاقات الجنسية والسكان الذين يتشاطرون المنزل نفسه. كذلك يُطلب ممن خالطوا مصابين بجدري القرود خلال فترة زمنية قريبة، عزل أنفسهم في المنزل طوال ثلاثة أسابيع، ذلك أن فترة حضانة الفيروس [الفترة الفاصلة بين الإصابة بالعدوى وظهور الأعراض] طويلة، وربما تمر أسابيع عدة بعد التقاط العدوى قبل ظهور الأعراض.
في مسار متصل، يذكر أن جمعية "تيرينس هيغينس ترست" Terrence Higgins Trust التي قدمت الدعم لمرضى الأيدز منذ إنشائها في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، تتعاون مع "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" للاستفادة من شبكاتها المجتمعية، وكذلك إذكاء الوعي بين المثليين ومزدوجي الميول الجنسية بشأن تفشي جدري القرود.
ووفق تأكيد أحد العاملين في الفريق المعني بتعزيز الصحة في جمعية "تيرينس هيغينس ترست"، أليكس سبارو هوك، "لا نود قطعاً وصم الرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية، وندرك أهمية أن نكون استباقيين في تلافي هذا التوجه".
وأضاف، "لكننا نعلم أيضاً أنه رُصِدَ حتى الآن عدد كبير جداً من حالات جدري القرود بين رجال مثليين ومزدوجي الميول الجنسية، ونريد الاستفادة من خبرتنا للنهوض بدورنا في الوصول إلى هذا المجتمع".