الصفحة الرئيسية / لا تزال تسد حاجة المنطقة منذ نحو ألف عام.. تعرف على منظومة مياه قصر الحمراء

لا تزال تسد حاجة المنطقة منذ نحو ألف عام.. تعرف على منظومة مياه قصر الحمراء

بغداد اليوم-متابعة

 


في كل مكان في قصر الحمراء المزخرف والفاخر في غرناطة تجد المياه؛ مجمع فاخر من القرن الثالث عشر يعد أحد أشهر الأمثلة للعمارة المغاربية في العالم. لم تكن منظومة مياه قصر الحمراء لإضفاء الجمال، بل كانت واحدة من أكثر الشبكات الهيدروليكية تطوراً في العالم وتجسيداً لإبداع المهندسين وعلماء العرب في تلك الحقبة بعدما نجحوا في تحدي الجاذبية.
وحتى يومنا هذا، ما زالت منظومة المياه تسد حاجة منطقة الحمراء كاملة وتملأ الخزانات والنوافير، فتروي حدائق جنات العرّيف الشهيرة وتغذي البساتين المجاورة لها والتي كانت مصدر الغذاء الأساسي لهم في ذلك الوقت.
فالمياه في قصر الحمراء تتدفق في القنوات لتبريد المباني؛ كما توجد اندفاعاتٌ من النوافير في الغرف الكبرى والساحات الساحرة، ناهيك عن جمالها في تأطير المداخل المهيبة المقوَّسة بشكلٍ مثالي. 
ونفس هذا النظام السابق لعصره يتكرر في الحدائق الشهيرة في جنة العريف، وهو القصر الصيفي السابق المجاور لقصر الحمراء. 
منظومة مياه قصر الحمراء
في ذلك الوقت، كانت هذه واحدة من أكثر الشبكات الهيدروليكية تطوراً في العالم، حيث كانت قادرة على تحدي الجاذبية ورفع المياه من النهر على بعد كيلومتر واحد تقريباً. 
لا يزال هذا العمل الفذ الذي يبلغ من العمر ألف عام يثير إعجاب المهندسين حتى يومنا هذا. وفي مقالٍ عن اللحظات الرئيسية في تاريخ المياه في الحضارة، أشار البرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو إلى أن "تكنولوجيا المياه الحديثة مدينة بإرث هذه الحدائق المائية وبيوت الحمامات"، التي كان يتمتع بها الأثرياء والأقوياء في الماضي، ولكنها جعلت اليوم الحمامات والحدائق المنزلية الخاصة عملية وميسورة التكلفة. 
منذ آلاف السنين، ظهرت المدن الكبرى على ضفاف الأنهار وشواطئ البحيرات وسواحل البحار. كان هذا ما جرى أيضاً في مملكة غرناطة العظيمة، التي تطورت على طول نهري دارو وجينيل فيما أصبح مجتمع الأندلس الإسباني المستقل. 
بالنسبة لحكام الأندلس آنذاك، لعبت المياه دوراً أساسياً في المجتمع، ليس فقط من أجل البقاء، ولكن أيضاً للأغراض الدينية والجمالية. 
من الجدير ذكره أن قصرُ الحمراء بداية لم يكن سوى جزء من مدينةِ الحمراء أو "قصبة الحمراء" التي تشمل قصر الحاكم والقلعة التي تحميه. وكانت مباني دور الوزراء والحاشية تتطور مع الوقت حتى غدت قاعدة ملكية حصينة.
وعندما دخل القائد العربي أبو عبد الله محمد الأول غرناطة والمعروف أيضاً باسم محمد بن نصر والملقب بالأحمر، نسبة للون لحيته الحمراء حكم غرناطة، بعد سقوط الدولة الموحدية، رحب به الشعب بهتافات: مرحباً بك يا أيها المنتصر، والذي أجاب: لا غالب اليوم إلا الله، وهذا هو الشعار المكتوب في جميع أنحاء الحمراء.

النافورة جزء من كل بيت أندلسي
المدير العام لمجلس أمناء قصر الحمراء وجنة العريف روسيو دياز خيمينيز قال: "في الإسلام، الماء هو أصل الحياة، وهو رمز للنقاء ويعمل كمنقٍّ للجسد والروح على حدٍّ سواء". 
ومن هذا المنطلق الثقافي والديني انتشرت النوافير العامة المزينة بالبلاط الخزفي بكثرة في شوارع المدن الأندلسية. 
نُصِبَت بجوار المساجد للوضوء، أو بالقرب من بوابات المدينة لإرواء عطش المسافرين. حتى المنازل، كان الماء هو المحور الأساسي لها. 
وقال دياز لشبكة BBC: "كان من النادر ألا يكون للفناء الأندلسي ميزة مائية مركزية، مهما كانت متواضعة- سواء كانت بركة أو نافورة أو حوضاً. الماء هو جزء من جوهر قصر الحمراء وعنصر أساسي لوجوده". 
لكن هذا لم يكن الحال دائماً. يعتقد المؤرخون أن قصر الحمراء كلّف ببنائه رجل يُدعَى سوار بن حمدون ليكون حصناً في القرن التاسع، خلال الحروب بين المسلمين والمسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام. 
ومع ذلك، لم تنجح تلك الجهود إلا بوصول محمد الأول في القرن الثالث عشر، أول ملوك السلالة النصرية- التي حكمت من عام 1230 حتى الانتصار الإسباني الكاثوليكي عام 1492.
تغلَّب المهندسون وقتها على التحدي المتمثل في موقع قصر الحمراء على تل سابيكا، البالغ ارتفاعه 840 متراً، وحوَّلوه إلى مدينةٍ صالحة للسكن بمساحة 26 فداناً مع إمكانية الوصول إلى المياه العذبة الجارية. 
وبينما كان المغاربة في وقت سابق يستخدمون القنوات المائية البسيطة في المناطق المحيطة لقرون، بناءً على تقنيات الري التي تعلموها من الفرس والرومان أثناء توسعهم عبر البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة الأيبيرية، كان الابتكار العظيم للنصريين هو تصميم قناةٍ تحمل المياه على بعد 6 كيلومترات من أقرب نهر، ثم صعوداً إلى مجمعها المتقن من الأفنية والحدائق والحمامات. 
وكما أوضح دياز، فإن "كل شيء يشير إلى أن النصريين كانوا أول من جلب الماء إلى تل سابيكا الأحمر وجعله صالحاً للسكن". 

14-05-2022, 21:26
العودة للخلف