بغداد اليوم - متابعات
في الحادي والثلاثين من كل عام، تمتلئ المنازل والمتاجر بالعديد من الدول بتماثيل أشباح ووحوش ومومياوات وشواهد قبور على الأرض وبيوت عناكب وثمرة يقطين مجوفة وقشرتها منحوتة على شكل وجه شرير في وسط أنوار يغلب عليها البرتقالي والبنفسجي ليكتمل جو الرعب المثير.
وتسير فتيات بملابس أميرات ديزني وسط أبطال خارقين وخارقات وشخصيات وهمية وشيطانية، والكل يحمل في يده وعاء لجمع حلوى الهالوين، ويخيرون الجيران -حين يدقون على أبوابهم-بين المقلب أو الحلوى.
هذا هو حال الهالوين في الغرب الذي انتقل بعضه للعالم العربي والى العراق مؤخراً، وفي ظل العولمة وتبادل الثقافات وانتشار المدارس العالمية في الدول العربية، انتشر الاحتفال الذي يكون في آخر يوم من تشرين الأول حتى أصبح على من لا يسمح لأبنائه به تقديم أسبابه أحيانا للمجتمع ودائما لأبنائه. فما أصل هذا الاحتفال وما أهميته حتى نقرر على بينة؟
فهل يعد الهالوين عيد وثني؟
بحسب موسوعة "بريتانيكا" (Britannica) فإن الهالوين بدأ كمهرجان وثني ينطق باسم "ساهوين" واحتفلت به شعوب "الكلت" (Celtic) في أيرلندا وبريطانيا القديمة فيما يوافق اليوم الأول من تشرين الثاني بتقويمنا الحالي، وعدوه بداية العام الجديد وبداية الشتاء وموسم الظلمة، فقد كان عامهم ينقسم إلى موسمي نور وظلمة، وفي هذا الوقت تجدد عقود الأراضي وتعود القطعان من المراعي.
وكما ورد أن هؤلاء الكلت اعتقدوا بوجود حاجز بين عالم الأحياء وعالم الأموات وأنه يزول أو يكاد في عشية "ساهوين" أي في 31 تشرين الأول، فأرواح من رحلوا في العام المنتهي تكون عالقة ولا تغادر إلى العالم الآخر إلا في تلك الليلة، كما تأتي الأرواح الراحلة فتزور أهلها، لذا وضعوا كراسي فارغة حول الموائد وتركوا أبواب البيوت مفتوحة.
أما الأرواح الشريرة، فقد أشعلوا النيران على قمم التلال لطردها، وارتدوا الأقنعة كي لا تتعرف عليهم، وبسبب قدوم الأرواح فإن هذه أفضل فترة للذهاب إلى الكهنة لمعرفة الأخبار المستقبلية عن الصحة والزواج والموت.
ثم غزا الرومان تلك المناطق وجاؤوا باحتفالهم الخاص بذكرى الموتى وبآلهة الحصاد بومونا، وهذا المزيج رسخ ارتباط الأرواح والأشباح والموتى بالملابس التنكرية وتزيين الثمار.
هل الهالوين عيد ديني مسيحي؟
في القرن السابع الميلادي، أنشأ البابا بونيفاس الرابع عيد جميع القديسين في 13 أيار، وبعد قرن من الزمان نقل إلى الأول من تشرين الثاني ربما في محاولة لاستبدال الاحتفال الوثني باحتفال ديني مسيحي فصار احتفالا مقدسا استمر 3 أيام.
اليوم الأول هو عشية جميع القديسين في 31 تشرين الأول، والثاني هو يوم جميع القديسين والثالث هو يوم جميع الأرواح، ومن هنا جاء اسم "عشية ما قبل كل المقدسين" (All Hallows Eve) الذي تحور وصار "هالوين" (Halloween).
وفود الهالوين إلى أميركا
حرم المستعمرون الأميركيون الأوائل الاحتفال بالهالوين في القرن الـ19، ولكن مع تدفق الهجرة من أيرلندا، توافدت أيضا الملابس التنكرية والطقوس ومظاهر الاحتفال عامة.
ولما كان الكلت يتركون طعاما للأرواح الشريرة لترحل، فقد رأى البعض ارتداء أقنعة مخيفة والمطالبة بطعام كذلك، ثم بدأ الصغار يحملون الراية وبعدها دخلت فكرة تهديد من يرفض إعطاءهم.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي (1930) ومع ضيق الأحوال وقت الكساد الكبير، زادت المقالب والتخريب الذي وصل أحيانا إلى درجة العنف فتحول الهالوين إلى عيد خطر، وفكرت بعض المدن في حظره.
تقول ليسا مورتون -في كتابها "مقلب أم حلوى: تاريخ الهالوين" (Trick Or Treat: A History Of Halloween)- إن الناس تكاتفت بجهودها الذاتية لإبعاد الصغار عن المشاكل، فصار الأطفال والناشئون يطوفون بيتا بيتا، و"قد يعطي البيت الأول ملابس كملاءة بيضاء لتصير شبحا، أو سواد الدخان لتدهن به وجوه الأطفال. البيت التالي قد يعطي حلوى، والآخر ربما رتب البدروم (القبو) ليكون محلا للتنقيب عن حلوى أو غيرها، ومن هنا بدأ تأنق الأطفال والدق على بيت وارء بيت لطلب الحلوى".
وهكذا نرى كيف اندمجت أفكار دينية بأخرى وثنية بثقافات وتحديثات حتى وصل الاحتفال لما هو عليه اليوم من الإرباك، فمن المسيحيين من يحتفل بالهالوين لأصله الديني، ومنهم من يرفضه لأصله الوثني وإن ارتدى عباءة الدين المسيحي، لكن غالبية من يحتفلون به اليوم من المسيحيين أو المسلمين أو اليهود أو غيرهم، لا يرون له معنى دينيا ولا وثنيا، بل هو مجرد ملابس تنكرية وحلوى وحفلات وأفلام رعب قد لا يقفون على ما ورائها.
وعلى اختلاف الأصول وامتزاج الثقافات والعقائد وتغيرات الظروف، كان الهالوين دائما مرتبطا بالأموات والأرواح الراحلة ومشاركة الطعام لدرجة جعلت طقوس الاحتفال على مر القرون تصب في بعض وتتشابه.
إن تحور طقوس الاحتفال وأحواله من منع إلى هوس، يشير إلى أنه لن يستقر على ما هو عليه اليوم، وخاصة بعد أن بدأ في الدول العربية، فهل سيعلو صوت مقاومته أم سيأخذ مناحي تبعده عمّا يخالف العقيدة الإسلامية؟ وهل سيستمر في الغرب بنفس القوة خاصة أن النقاش حول قيمة الاحتفال به يزداد، بينما يرفض بعض أولياء الأمور أن يفرض على أبنائهم في المدارس.