بغداد اليوم- بغداد
توقّع مركز «سيكلوب» للدراسات البحثية ارتفاع أسعار القمح والصويا والنحاس والخشب، بالإضافة إلى المنتجات الزراعية الأساسية، خلال عام 2021، بعد أن شهدت أسعار هذه المواد ارتفاعاً خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا. وعزت دراسة حديثة، أجراها المركز الفرنسي المتخصص في المواد الأولية، ارتفاع أسعار هذه المواد إلى لجوء الصين إلى تخزين كميات أكبر لاستيفاء حاجتها، علاوة على الرسوم التي فرضتها روسيا على صادراتها من القمح، مما سيؤدي إلى ظهور تداعيات جيوسياسية، وفق صحيفة لوبينيون، في عدد من الدول التي تعتمد على واردات الحبوب، وأبرزها العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان.
وأشارت الصحيفة إلى أن أسعار زيت النخيل في 2020 ارتفعت بنسبة 28 في المئة، بينما ارتفع سعر الأرز والصويا بنسبة 15 في المئة. وفي غضون ذلك، ارتفع مؤشر أسعار المواد الغذائية التابع للفاو (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة)، وهو المؤشر الذي يقيس التغيّر الشهري لسلة الشراء الأساسية، بنسبة 2.2 في ديسمبر الماضي، وذلك للشهر للسابع على التوالي، كما تشهد أسعار الزيوت النباتية ومشتقات الحليب واللحوم ارتفاعاً كبيراً كذلك.
تأثير جديد والمعادن ارتفعت أسعارها كذلك بحسب مركز «سيكلوب»، إذ زادت أسعار البالاديوم بنسبة 43 في المئة مقارنة بالعام الماضي، والذهب زاد بنسبة 27 في المئة مثله مثل الفضة والحديد والروديوم والخشب الأميركي. ولفتت دراسة المركز ذاته إلى أن طن النحاس كان سعره يصل إلى 4 آلاف دولار، حين كانت الصين تفرض حجراً صحياً على مواطنيها، بينما يتجاوز سعره اليوم 8 آلاف دولار، فيما يتوقع بعض المحللين أن يرتفع إلى 10 آلاف دولار، وهو السعر القياسي الذي حققه في 2011.
ويسجل العالم ارتفاعاً في غالبية أسعار المواد الأولية ما عدا المحروقات، التي أنهت عام 2020 على انخفاض. فهل يتعلق الأمر ببداية ظاهرة ما؟ توقع خبراء «غولدمان ساكس»، وفق ما أوردته صحيفة لوموند في تقرير آخر، ارتفاعاً مستمراً في الأسعار خلال العشرة أعوام المقبلة وأما آخرون فيرون أن الوضع مؤقت، ولن يستمر طويلا ويرجعون ارتفاع الطلب الصيني إلى التأخر الذي شهدته الصين خلال الربيع الماضي، لكنها ستعود إلى إيقاعها الطبيعي قريباً.
كما دفعت حمى الخنازير الأفريقية المربين الصينيين إلى التخلص من ملايين الحيوانات، لكنهم أعادوا تكوين قطعان جديدة، مما ضاعف الطلب على الحبوب لتوفير غذائهم، وفق الخبير جان فرانسوا لامبارت، الذي قال إن هذه التوترات لا تؤدي إلى الحد بشكل كبير من العرض أو الأسعار بمرور الوقت.
ويرى مكتب الدراسات Capital Economics أن أسعار المواد الغذائية ستنخفض مجدداً، وسواء كان ارتفاع الأسعار مؤقتاً أم لا، فإن كل السيناريوهات مرتبطة بالصين، بحسب الخبير الاقتصادي فيليب شالمين، الذي يؤكد أن الحجر الصحي خفّض أسعار جميع الأسواق، لكن عودتها رفعت الأسعار بشكل لم يتوقعه أحد.
وعلى الصعيد الغذائي، تشتهر الصين باستقلاليتها، وأما تأثيرها في أسعار الحبوب فهو حديث جداً، فالعام الماضي اشترت 25 مليون طن من الصويا من الولايات المتحدة، وهي كمية أكبر مرتين مما اشترته في 2019، وخلال الفترة المقبلة تعتزم استيراد 50 مليون طن من الحبوب، لكن هذا الرقم يمكن أن يتضاعف على اعتبار أن الصين أول مستورد للحبوب في العالم. وتملك الصين، بحسب فيليب شالمين، سلاحاً غذائياً، استخدمته حين قاطعت الشعير الأسترالي. لقد كانت أستراليا في الوضع الطبيعي تصدر نصف إنتاجها من الشعير إلى الصين، لكن بعد خلاف تجاري استطاعت بكين أن تتفاوض على هدنة في حربها التجارية مع واشنطن مقابل زيادة وارداتها من الصويا الأميركية.
الرسوم الروسية لفت جان فرانسوا لامبارت إلى أن محاصيل 2020 تأثرت بظاهرة «النينا»، وهي ظاهرة مناخية تتميز باضطراب دراجة الحرارة وتساقط الأمطار، كما أشار إلى أن أسعار القهوة ارتفعت أيضاً بسبب الجفاف الذي ضرب البرازيل، علاوة على الرسوم التي فرضتها روسيا على صادرات القمح (25 دولاراً لكل طن من القمح)، مما أدى أيضاً إلى ارتفاع الأسعار، خاصة أن البرازيل هي المنتج العالمي الرئيسي للقهوة، فيما تهيمن روسيا على سوق القمح العالمي. لذلك لا يبدو أن الصين من تملك لوحدها المفاتيح.
ورغم أنها تعتبر من بين أكبر مستوردي المعادن منذ فترة طويلة، فإن وارداتها من النحاس تراجعت إلى 34 في المئة من الإنتاج العالمي في 2020 رغم أنها كانت تستحوذ على 50 في المئة منه منذ فترة طويلة. كما تستورد الصين أكبر كمية من الألمنيوم العالمي، رغم أنها أكبر منتج له.
وفي 2020 أنتجت مصانعها لأول مرة أكثر من مليار طن من الفولاذ. وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 6.5 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، وبنسبة 2.3 في المئة على مدى العام كله، فيما سجلت قوى كبرى أرقاماً سلبية. وفي 2021 يتوقع مركز «سيكلوب» ارتفاعاً بنسبة 19 في المئة في المتوسط للمواد الأولية الأساسية والمعادن والمواد الزراعية. تسابق على التخزين أدى التخزين والتسابق على الحصول على كميات أكبر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وفق الخبير الاقتصادي أرثور بورتييه، خشية أي انقطاع محتمل في سلاسل التوريد بسبب مرض فيروس كورونا.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية ظهرت مؤشرات قلق في عدد من الدول التي تعتمد على صادرات القمح، فصادرات الجزائر والمغرب أضعف بكثير مما كانت عليه في فترات سابقة، وبنغلادش ألغت مناقصة كبيرة بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير، بينما مصر، التي تستدين باستمرار من صندوق النقد الدولي أو الولايات المتحدة، فقد أجلت طلبياتها القادمة على أمل انخفاض الأسعار.
وعبّر الخبير الاقتصادي تيري بوش عن خشيته من التداعيات الجيوسياسية لارتفاع أسعار الحبوب والمواد الزراعية الأساسية، خاصة في الدولة المستوردة في آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تراجعت أسعار النفط ومداخيل السياحة، وبحسب بوش فإن الدول المرتبطة بنيوياً بالغذاء هي العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان، حيث توقع ارتفاع أسعار القمح.