بغداد اليوم- متابعة
فرض الغاز الطبيعي نفسه بقوة على سوق الطاقة العالمية، ليحصل على حيز كبير من الاهتمام، لكونه أنظف أنواع الوقود الأحفوري، حيث ينتج فقط نصف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تخرج من الفحم، إضافة إلى سعره الرخيص وتوافره بكميات كبيرة بفضل الاكتشافات الحديثة وازدهار الطلب على الغاز الصخري الأميركي.
ورغم ذلك، فهناك مشكلة تفرض نفسها على الوقود الرخيص والنظيف، تتمثل في صعوبة نقله من الحقول التي غالباً ما تكون في مناطق بعيدة من أماكن الاستهلاك، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، في وقت لا تمثل فيه خطوط أنابيب الغاز طريقة عملية في عدد من مناطق العالم.
يتجسد الحل في تحويل الغاز إلى سائل عن طريق تبريده إلى درجة حرارة منخفضة جداً تبلغ 162 درجة مئوية تحت الصفر (أي 260 درجة فهرنهايت تحت الصفر) ومن ثم تعبئة الغاز الطبيعي المسال في سفن ضخمة ونقله على متنها إلى أماكن مختلفة من العالم، في إطار عملية تقنية متقدمة سمحت بتحويله إلى سلعة متحركة تسهل المتاجرة بها وساهمت في تغيير معالم سياسات الطاقة العالمية.
سوق الغاز
وجد الغاز الطبيعي الأميركي طريقه إلى الأسواق العالمية في ظل إنتاجه عن طريق التكسير أو التصديع الهيدروليكي ليصدّر على شكل مسال، وأصبحت الصين الأسرع نمواً بين مستهلكيه، وإن كانت هددت بفرض رسوم نسبتها 25% على الغاز الطبيعي المسال الأميركي، مع تصاعد الحرب التجارية بين البلدين.
ويعتبر التحول إلى الغاز الطبيعي المسال في أوروبا أمراً أساسياً لدول مثل لتوانيا وبولندا اللتين تبحثان عن طريقة للهروب من المعضلة السياسية المتمثلة في شراء الغاز من روسيا عبر خطوط الأنابيب، كما ساعد في التعويض عن تراجع كميات الغاز المستخرجة من بحر الشمال.
وازداد الطلب على الغاز الطبيعي المسال بعد انخفاض سعره إلى النصف منذ عام 2014، الأمر الذي شكل نقطة عالمية فاصلة جعلت هذا النوع الممتاز من الوقود ينافس منتجات النفط والفحم الأكثر تلوثاً.
وبينما تركز معظم الحديث في العام السابق على إغراق السوق بالغاز، إلا أن الطلب المتفاقم من الصين والمستوردين من الدول الناشئة مثل باكستان أطلق تحذيراً من العجز المحتمل في كميات الغاز ما لم يتم إنشاء المزيد من المشاريع الضخمة في وقت قريب.
ويتصاعد بشكل ملحوظ عدد الدول التي تحولت إلى الاعتماد تجارياً على الغاز الطبيعي المسال، حيث تستورد هذا الوقود الممتاز، 40 دولة، بينما تصدره 19 دولة حسب إحصائيات نهاية عام 2017.
وعلى سبيل المثال، اعتمدت كل من الأردن ومصر على الغاز الطبيعي المسال في توليد الكهرباء نظراً لانخفاض أسعاره وتكاليف بناء المحطات اللازمة لاستيراده، فضلًا عن إمكانية استخدامه في تشغيل السفن والشاحنات.
الخط الزمني
بدأت سفن الغاز الطبيعي المسال عام 1964 بنقله في شحنات منتظمة من الجزائر إلى المملكة المتحدة وفرنسا، أما اليوم فيشمل أسطوله العالمي أكثر من 400 باخرة أكبرها بطول أربعة ملاعب كرة قدم أميركية.
ويستلزم قطاع الغاز الطبيعي المسال، قدراً كبيراً من رأس المال، فالناقلات تكلف حوالي 250 مليون دولار أميركي، كما يكلف بناء محطات استيراد الغاز أو تصديره مليارات الدولارات.
وتعد قطر أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، إذ تبيع حوالي ثلاثة أرباع وقودها إلى الدول الآسيوية التي تفتقر إلى الوقود مثل اليابان وكوريا.
ويوفر الغاز الطبيعي، نحو خُمس كمية الطاقة في العالم، ولا تتزايد معدلات استهلاكه بشكل مستمر، في وقت يحتل فيه الغاز الطبيعي المسال نصف قدرات الغاز الجديدة، وساعدت الخطوة التي اتخذتها الصين في سعيها للحد من تلوث الهواء في جعلها المستورد الأكبر للغاز الطبيعي المسال نهاية العام الماضي.
وينتظر أن تساهم الصين وحدها بأكثر من ثلث النمو العالمي في استهلاك الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030، في وقت لا يزال فيه المزيد من المشاريع لشحن الغاز من الحقول الأكبر في موزمبيق وإيران قيد الدراسة.
تحولت المزيد من الدول إلى استهلاك الغاز الطبيعي المسال لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، علماً بأن الطلب على الوقود سيعتمد على سرعة انتقال الدول إلى استخدام هذا النوع من الغاز، بدلاً من الفحم الذي يعتبر المصدر الأكبر لتوليد الطاقة، إذ أن شركات النفط الكبرى صارت تعتمد على الغاز المسال كطريقة للاستفادة من مصدر طاقة أنظف والدخول إلى أسواق جديدة.
أما استحواذ شركة "شل" على مجموعة "بي جي" عام 2016 في صفقة هي الأكبر منذ عقدٍ كامل بقيمة 53 مليار دولار، فشملت أسطولاً من الناقلات جعل من هذه الشركة "البريطانية/الهولندية" العملاقة أكبر شركة تتاجر بالغاز الطبيعي المسال في العالم.
ورغم نظافة هذا الغاز نسبياً، لا تزال الشركات المنتجة للغاز تتسبب في تسرب غاز الميثان خلال عملية إنتاجه، ما يمكن أن يجعله أكثر خطراً من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد الأسباب التي دفعت العديد من علماء البيئة إلى اعتبار الغاز الطبيعي المسال "وقوداً مؤقتاً" ريثما تصبح مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أكثر جدوى.