بغداد اليوم- بغداد
في 1 تشرين الأول عام 2019، انطلقت تظاهرات مطالبة بالإصلاح في ساحة التحرير ببغداد، وساحات التظاهر في النجف، والمثنى، وميسان، والبصرة، والديوانية، وديالى، وواسط، وكربلاء، والمدينة التي احتاجت مزيداً من التوابيت بسبب كثرة شهدائها، مدينة الناصرية في ذي قار.
بهذه الأماكن، خرجت جموع المتظاهرين منذ سنةٍ من الآن، متجهة نحو ساحات التظاهر، بهتاف "نريد وطناً".. الهتاف الذي كلّف أكثر من 500 شهيدٍ وآلاف الجرحى، وفق تقارير مفوضية حقوق الإنسان، فضلاً عن خطف عددٍ من المواطنين، بعضهم ما زال مفقوداً ولم يعد لأهله، مثل المحامي في محافظة ميسان، علي جاسب، الذي ظهر والده بأكثر من شريط مصور، داعياً إلى كشف مصير نجله.
"الشريان الأبهر للتظاهرات"
بعد هتاف "نريد وطناً".. أقدم طلاب المدارس والجامعات على الإضراب عن الدوام، كمحاولة لدعم المتظاهرين في ساحات الاحتجاج، بحسب تعبيرهم، ولم يقتصر الأمر على الإضراب فقط، بل لجأوا إلى تنظيم مسيرات طلابية في ساحات الاحتجاج المذكورة آنفاً، وتُرفع فيها مطالب تنادي بالتغيير، ومحاسبة الفاسدين، وتقديمهم للعدالة.
وفي هذا السياق، يقول أحد منسقي المسيرات الطلابية في ساحة التحرير، ديار الربيعي، إن "الشريحة الطلابية اُعتبرت الشريان الأبهر في التظاهرات أو الساحات، وتم الاعتماد عليها بشكل غير طبيعي، لضخها أعداداً كبيرة إلى الساحات، وكانت ورقة ضغط على الحكومة بذلك الوقت".
الربيعي الذي كان لديه خيمة برفقة أصدقائه الخريجين والطلاب، أضاف قائلاً، إن "الهدف من نصب خيمة للطلاب بالساحة، هو للتعريف عن التحصيل الدراسي للمحتج، ولإثبات وجود صوت حر غير متحزب، ورد على من اتهم المتظاهرين بالهمجيين".
وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى للتظاهرات، أشار الربيعي إلى أن "تشرين ليست فقط ذكرى سنوية للاحتجاجات، بل هي عيد ميلاد لكل متظاهر شريف كان متواجداً في الساحات، خصوصاً وأن التظاهرات جعلتنا نفكر بشكل صحيح، وجعلتنا منفتحين على السياسة أكثر، وقضت على الخوف بداخل الشاب العراقي، وجعلته يطالب بحقه دون خوف".
"إطاحة عبد المهدي وقانون انتخابي لم يكتمل"
التظاهرة التي انطلقت آنذاك، استمرت شهوراً، وتسببت بإقالة رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، ليكونَ أول رئيس وزراء يقدم استقالته بعد عام 2003 بسبب ضغط الجماهير، عقب توجيه دعوة من المرجعية الدينية العليا في النجف، بيوم 29 تشرين الثاني 2019 إلى البرلمان لإعادة النظر بخياراته، ليخرجَ عبد المهدي بعدها معلناً استقالته.
وفي التظاهرات، رُفعت مطالب عدة، أبرزها، إقالة عبد المهدي، وتغيير قانون الانتخابات، الذي صوّت البرلمان بالموافقة على تغييره في 24 كانون الأول 2019، لكنه لم يكتمل لحد هذه اللحظة، بسبب خلافات الكتل السياسية حول فقراته، ومن مطالب المتظاهرين أيضاً: محاسبة مَن قتل المحتجين، ومن أعطى أوامر إطلاق القنابل دخانية، التي هشّمت رؤوس المتظاهرين، وجعلتها متناثرة، بحسب تقارير حكومية.
حكومة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، التي نالت ثقة البرلمان قبل حوالي خمسة أشهر، أوضحت، أنها ستعلن عن الجهات المتورطة بقتل المتظاهرين، وذلك بحسب تصريح هشام داوود، مستشار رئيس مجلس الوزراء. في 30 تموز 2020.
داوود قال في مؤتمر صحفي حينها: "سنعلن عن الجهات المتورطة بالعنف ضد المتظاهرين بعد نتائج لجنة تقصي الحقائق التي سيتم تشكيلها".
وأضاف، أن "الحكومة ستشكل لجنة لتقصي الحقائق بشأن ملابسات الأحداث التي رافقت التظاهرات منذ انطلاقها بشهر تشرين الأول من السنة الماضية"، مشيراً إلى أن "عدد شهداء ثورة تشرين بلغ قرابة الـ 500 شخص من المدنيين والقوات الأمنية".
"رؤوس مهشّمة وذكريات الشهداء الحزينة"
القنابل الدخانية، صورتها تذكّر ذوي الضحايا بأحبابهم الذين فقدوهم بعد تهشّم رؤوسهم، وأحد ضحاياها، صفاء السراي، شهيد التظاهرات الذي وصفته شبكة بي بي سي البريطانية بثاني رموز الاحتجاج حول العالم، وأصبح أيقونة الانتفاضة التشرينية.. السراي أو ما يدّعوه المقربون منه بابن ثنوة، هشّمت رأسه قنبلة دخانية أوقعته شهيداً، ليلتحق بأمه ثنوة، هناك في مقبرة وادي السلام بالنجف.
ليس صفاء فقط مَن تهشّم رأسه بالتظاهرات.. حسين الدراجي، الذي تولّد سنة 2003 ولم يكمل دراسته المتوسطة، بعد ما توقفت حياته بسبب إطلاقة أصابت رأسه على ضفاف نهر دجلة، جعلته مهشماً ومتناثراً، حتى أن المسعفين لم يستطيعوا لم رأسه وإخفاءه عن أمه وأخيه الذي كان متظاهراً بمكانٍ قريب عليه.
شقيق حسين، مرتضى الدراجي وفي حديث لـ (بغداد اليوم)، قال إن "حسين كان مثل أي شاب عراقي بداخله حرقة على وضع العراق وما يعانيه الشعب، وإن غيرته فرّضت عليّه الواجب، بأن يرفع صوته ضد السلطان الجائر".
ويضيف مرتضى خريج كلية الإعلام قائلاً، إن "حسين الشهيد، كان صغيراً على مطالب الشباب الخريجين، خصوصاً عندما يرى الخريجين بدون وظيفة، والفقير بدون معين، وأغلب الناس البسطاء تعاني من صعوبة العيّش، فضلاً عن تردي الوضع الخدمي والأمني، ومن هذا المنطلق خرج حسين متظاهراً".
"كان حسين متنبئاً باستشهاده بعد ما ترك وصيته عند أصدقائه".. بهذه الكلمات، قال مرتضى إن "حسين قبل يومٍ من استشهاده علمت بخروجه للتظاهرات، وأبديت غضبي عليه حين علمت، وخاطبته: (لماذا تخرج إلى التظاهرات، ولا تفكر بأن نستشهد كلينا؟".
حسين ردّ على أخيه حينها قائلاً: "وليكن.. ماذا يعجبك بالوضع الذي نعيشه؟"، بحسب قول مرتضى، الذي أضاف: "استغربت من كلام (حسوني) وشعرت بوعيه، وكأنه يعلم باستشهاده، خصوصاً بعد ما ترك وصيته عند صديقه".
أما مشاعر والدة الشهيد، لا يحسّ بها إلا هي، هذا ما ذكره الدراجي الذي أكمل قائلاً: "الامهات بصورة عامة إحساسهن وشعورهن مشابه لشعور أم البنين، ولا أحد يستطيع ترجمة الوجع غيرهن، لأن الوالدة ربّت وسهرّت، وبلحظة واحدة يذهب ابنها شهيداً".
وبشأن إحساسها بالذكرى السنوية الأولى لتظاهرات تشرين وذكرى استشهاد حسين، قال الدراجي، إن "مشاعرها ما زالت مثل ما كانت يوم استشهاده، لأن كل الايام بالنسبة لها متشابهة، وأليمة إلى درجة انتزاع الروح".
وعند تحدث مرتضى عن مشاعره بفقدان أخيه، بيّن قائلاً: "انكسر ظهري باستشهاد حسين، الذي كان بريئاً لدرجة، لو توزعت براءته على الناس، لعاش الجميع بسلام وحب"، متسائلاً: "لماذا بهذه البشاعة ينضرب؟، هل لأنه حمل علم العراق، وخرج مثل الناس التي نادت بأنها تريد وطناً؟!".