بغداد اليوم _ بغداد
قبل صلاة الفجر، كان كل شيء طبيعاً في منزله البسيط. قبل أن يتنفس الصبح، وساكناً مثل قلب الاعصار، كان الرجل الكبير ذو التسعين عاماً يهم إلى الوضوء بنفسٍ هادئ يشبه هدوء الحركة في المدينة القديمة، مقر إقامته بالنجف، في هذا الوقت.
فجر اليوم الخميس، كان المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية في العراق، على السيستاني، يستعد للوضوء واداء الصلاة، لكن شيئاً ليس في الحساب سيحدث ويطغى على المشهد العراقي يتعلق بصحة المرجع الكبير، وسيمتد إلى طرفي الصراع الجتمع الدولي فضلا عن طرفي الصارع بالعالم (أميركا وإيران) للتفاعل مع الحدث.
شعر المرجع الديني علي السيستاني بألم في قدمه اليسرى بعد تعرضه إلى التواء سبب كسراً في ساقه اليسرى، لينقل بعدها إلى مستشفى الكفيل التخصصي في محافظة كربلاء المجاورة للنجف، لتلقي العلاج المناسب.
بعد وصول المركبة التي تقل السيستاني إلى المستشفى في كربلاء صباحا، بدأ الفريق الطبي العراقي أولى تحضيرات التعامل مع الكسر، بعد تشخيصه وهو كسر في أعلى عظم فخذ الساق الايسر.
أستمرت العملية الطبية نصف ساعة، برئاسة عدنان الكلابي الاخصائي في جراحة الكسور، واحسان الفرج اخصائي الاخصائي بجراحة العظام والكسور، وايضا الاطباء محمد نعمة الطائي وبرير محمد علي الاسدي، إضافة إلى الطبيب هيثم محمود الاسدي.
وقال احسان الفرج، أحدأعضاء الفريق الذي أجرى العملية، إن تقدم السن للمرجع الديني ومسألة هشاشة العظام التي ترافق هكذا أعمار، سببت الألتواء الذي تضاعف إلى الكسر.
وأضاف الفرج خلال مؤتمر صحفي عقده وكيل السيستاني في كربلاء، أحمد الصافي، بعد انتهاء العملية، أن الكسر كان في رأس العظم وهي منطقة يمكن شفائها بسرعة، مشيراً إلى عملية تثبيت الكسر التي اجريت باستخدامهم بنج موقعي وآخر نصفي بسيط، تمت بواسطة "شيش مغلق"، وتكللت بالنجاح، والمرجع حاليا يتماثل للشفاء وفي حالة صحية مستقرة.
من جانبه أكد الصافي، أن المرجع الأعلى سيعود لمزاولة نشاطه المعتاد بغضون أيام قليلة، مشيراً إلى أنه كان يدعو طوال العملية للعراق والعراقيين، داعياً محبيه إلى الدعاء له لشفاءه العاجل.
الأمم المتحدة تدعو للملهم وموقفان رسميان للضدين في العراق
بعد التأكد من نجاح العملية عبرت الممثلة الخاصة للامين العام للامم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارات، اليوم الخميس، عن تمنياتها للشفاء العاجل للمرجع الديني الأعلى علي السيستاني.
ونقل حساب بعثة الأمم المتحدة (يونامي) على موقع "تويتر" عن بلاسخارت قولها: "خالص تمنياتنا بالشفاء العاجل ودوام الصحة والعافية الى سماحة آية الله العظمى السيد على السيستاني. دام صوته وحكمته إلهاما لنا جميعا".
وجاء التعليق الحكومي الإيراني على لسان وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، الذي استبشر بنجاح العملية.
وقال ظريف على حسابه بموقع "تويتر": "بشری لنا جمیعا فی ایران و فی العراق بنجاح العملیة الجراحیة للمرجع الکبیر آیة الله العظمی السید علی السیستانی ادام الله ظله الوارف داعین الله جل وعلا بسرعة شفائه و ان یتم نعمته علینا بسلامته".
من جانبها وصفت السفارة الأمريكية في بغداد، بصمام أمان العراق والمنطقة، وقالت انها تصلي للمرجع السيستاني من أجل شفاءه العاجل.
وذكرت على صفحتها بموقع "فيسبوك": "تلقينا بفرح عظيم نبأ نجاح جراحة المرجع الاعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)".
وأضافت، أن "دور سماحة السيد علي السيستاني (حفظه الله) في تحقيق الاستقرار الدائم هو صمام أمان أساسي للعراق و المنطقة. نصلي لسماحته بفترة شفاء عاجلة".
وكان المرجع الأعلى، علي السيستاني، قد طالب الجمعة (10 كانون الثاني الجاري)، أن يكون العراق سيد نفسه يحكمه ابناءه ولا دور للغرباء في قرارته ويستند الحكم فيه الى ارادة الشعب، بعد أن استنكرت انتهاك سيادة العراق من قبل الجانب الإيراني والأميركي، وذلك في أعقاب الرد الإيراني بقصف طال التواجد الأميركي في الانبار وأربيل، ردا على عملية أغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني مطلع الشهر الجاري على طريق مطار بغداد.
ساحات التظاهر تدعو بالشفاء وتعتذر
وتفاعل المئات بمواقع التواصل الاجتماعي من المتظاهرين والمعتصمين في ساحة الاحتجاج الرئيسية وسط العاصمة بغداد، إضافة إلى ساحات الاعتصام في محافظات الوسط والجنوب.
وتناقل النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي لافتة وسط ساحة التحرير، عبرت عن دعاء المعتصمين بالشفاء العاجل للمرجع، فيما التمسوه العذر من عدم زيارتهم له، بسبب تمسكهم بساحة الاحتجاج.
ورفع المتظاهرون في ساحة التحرير وسط بغداد، صورة المرجع علي السيستاني فوق المطعم التركي، وتمنواله الشفاء العاجل بالقول: "قلوب الثوار معك .. مشافى معافى".
وتأتي إصابة المرجع الديني الأعلى في العراق، على السيستاني، في وقت تشهد البلاد تظاهرات واعتصامات مستمرة منذ أكثر من ثلاثة اشهر، ويستعد المعتصمون إلى تصعيد مرتقب للضغط على القوى السياسية والمضي باجراء انتخابات مبكرة فضلا عن محاسبة قتلة المتظاهرين الذي تجاوزت اعدادهم في المحافظات المحتجة أكثر من 500 شخص مع اصابة الآلاف.
وكان المرجع السيستاني، قد وصف التظاهرات الجارية بأنها "معركة الاصلاح"، فيما جدد دعوته إلى إتباع الأساليب السلمية للانتصار فيها.
وذكر ممثله أحمد الصافي، في خطبة الجمعة، من الصحن الحسيني، في كربلاء نقلا عن نص بيان السيستاني الذي خاطب فيه العراقيين قائلاً: "أمامكم اليوم معركة مصيرية أخرى، وهي (معركة الإصلاح) والعمل على إنهاء حقبة طويلة من الفساد والفشل في إدارة البلد، وقد سبق أن أكدت المرجعية الدينية في خطبة النصر قبل عامين (ان هذه المعركة ـ التي تأخرت طويلا - لا تقل ضراوة عن معركة الارهاب إن لم تكن أشد وأقسى، والعراقيون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الارهاب قادرون ـ بعون الله تعالى ـ على خوض غمار هذه المعركة والانتصار فيها أيضا إن أحسنوا ادارتها)".
وأشار المرجع الأعلى إلى أن "إتباع الأساليب السلمية هو الشرط الأساس للانتصار فيها، ومما يدعو الى التفاؤل هو إن معظم المشاركين في التظاهرات والاعتصامات الجارية يدركون مدى أهمية سلميتها".
والسيستاني هو أحد أكبر المرجعيات الدينية للشيعة في العراق والعالم، خلف أبا القاسم الخوئي في زعامة الحوزة العلمية في النجف.
نشأته
ولد السيستاني عام 1930 في مدينة مشهد الإيرانية، وأسماه والده عليا تيمنا باسم الإمام علي بن أبي طالب.
اسمه بالكامل علي بن محمد باقر بن علي الحسيني السيستاني، ولقبه السيستاني نسبة إلى محافظة سيستان في إيران.
انتقل عام 1949 إلى مدينة قم في إيران ليكمل دراسته العلمية. وفي العام 1951 هاجر إلى مدينة النجف في العراق وحصل على إجازة بالاجتهاد من شيخيه آية الله أبي القاسم الخوئي وآية الله حسين الحلي.
مرجعيته
في السنوات الأخيرة من حياة أبي القاسم الخوئي، كان البحث عمن سيخلفه هاجسا لدى رموز شيعية في النجف وغيرها، إلى أن اختار الخوئي السيستاني للصلاة في محرابه في جامع الخضراء، فبدأ ينتشر صيته في أوساط العامة بعد أن كان محصورا في الأوساط العلمية والحوزوية.
وبعد وفاة الخوئي عام 1992 تصدى آية الله السيستاني لشؤون المرجعية وزعامة الحوزة العلمية، بإرسال الإجازات، وتوزيع الحقوق، والتدريس على منبر الإمام الخوئي في مسجد الخضراء.
مؤلفاته
ألف السيستاني عددا كبيرا من الكتب، من أبرزها: شرح العروة الوثقى، وهو شرح على كتاب العروة الوثقى لمحمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ومنهاج الصالحين، والبحوث الاَصولية، ورسالة في التقية، وغيرها.
مواقف سياسية
يقول المقربون من السيستاني إنه رفض الانخراط في أي عمل سياسي في عهد النظام السابق برئاسة صدام حسين، مما أثار حفيظ الأخير ليفرض على السيستاني الإقامة الجبرية بمنزله الواقع في النجف.
وفي اعقاب الاعتداء المسلح وتفجير ضريحي إمامي الشيعة العاشر والحادي عشر علي الهادي وحسن العسكري في مدينة سامراء، كان للسيستاني مواقف كثيرة تدعو لضبط النفس وعدم الانجرار الى الحرب الاهلية.
وفي تموز 2014 وبعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل وغيرها من المدن العراقية، أفتى السيستاني بالجهاد ضد التنظيم، أو مايعرف بفتوى "الجهاد الكفائي" ودعا العراقيين إلى حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين، مما دفع بالآلاف إلى التطوع للتدرب على حمل السلاح.