بغداد اليوم- متابعة
قبل أكثر من عام، تحدث رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، في مقال له عن الفراغ الدستوري في العراق، قائلاً إنه لا يوجد للفراغ الدستوري أصل في الدستور.
وقال عبد المهدي في مقاله، المنشور في تموز العام 2018، إنه "لا يوجد "للفراغ الدستوري" اصلاً في الدستور، ولم يعرفه الادب السياسي العراقي سابقاً. فالبلاد لم تعرف انتخابات كثيرة او مجالس نيابية حرة معقولة منذ تأسيسه المعاصر وليومنا. فاول انتخابات جرت في عام 1924 لانتخاب المجلس التاسيسي، وجرت لاحقاً انتخابات متقطعة لمجلس النواب، كما ان الانتخابات كانت في معظمها اقرب "للمجمعات الانتخابية" منها لكل مواطن صوت.. اما في الفترة الجمهورية، فلم تجر انتخابات لا في الفترة القاسمية ولا البعث الاولى ولا الفترة العارفية. وفي فترة البعث الثانية جرت بعض الانتخابات، في اطار هيمنة الحزب الواحد، ونسب الفوز بـ99%.
وجاء في نص المقال ايضاً:
1- مع ازماتنا المزمنة، يستخدم كثيرون، ومنهم الاعلام والمواقع خصوصاً المدعومة من دول لم تعرف الانتخابات والمجالس النيابية، او من قوى لم تؤمن يوماً بالدستور والديمقراطية، تعبير "الفراغ الدستوري" خطأ او للاساءة، لاظهار البلاد وكأنها على وشك الانهيار.
2- لاشك ان النظام البرلماني هو محور النظام السياسي عندنا.. لكن حل البرلمان سواء بانتهاء الدورة التشريعية، او بقرار من البرلمان نفسه، كما ينص الدستور لا يمثل "فراغاً دستورياً"، فالغياب المؤقت لا يعتبر فراغاً ما دامت سياقات التداول وآلياته مرعية،والا لاعتبرت "العطلة التشريعية" Parliamentary Recess لمدة 4 اشهر سنوياً فراغاً دستورياً، على اساس ان مدة الدورة السنوية فصلين تشريعيين امدهما 8 اشهر (المادة57)، فالكلام عن "الفراغ الدستوري" يصح فقط عند انهيار البرلمان وفقدان اية امكانية لانعقاده بدعوة استثنائية عند "العطلة التشريعية" او تعطل اليات الانتخابات والتداول. بخلافه لا يعتبر حله قبل انتخاب البرلمان الجديد (في بريطانيا يُحل قبل 25 يوماً من الانتخابات) ولا تغيبه لفترة مؤقتة "فراغاً دستورياً".. ويقدم الفقهاء الدستوريون حججهم: أ) عدم تأثير البرلمان على الانتخابات.. ب) تسمح العطلة التشريعية باعداد قوانين مدروسة ومتكاملة، لان القوانين التي تشرع بعجلة تكون عادة مملؤة بالاخطاء والهشاشة والارتباكات وهذه خطرها واثارها عظيمة، ولعل تكرار الازمات سببه الهشاشة الدستورية السائدة وتضارب التشريعات.. ج) تسمح العطلة التشريعية للنواب بالتفكير والعمل مع ناخبيهم، ذلك ان اردنا التمسك بالمبادىء السليمة، وعدم الاستسلام للمفاهيم السوقية والواقع المؤلم، الذي لا اصلاح له بدون هذه المبادىء.
3- الفراغ المقصود هو "غياب السلطة" power or authority vacuum.. وفي لبنان عندما يتأخر انتخاب رئيس الجمهورية يتكلمون عن "شغور الرئاسة".. وعندنا -عند حل البرلمان- نسميها حكومة "تصريف امور يومية". لذلك اشترط الدستور ان تجري الانتخابات قبل 45 يوماً من انتهاء مدة الدورة الانتخابية (المادة 56) ، كما اشترط ان تجري الانتخابات خلال 60 يوماً عند الحل المبكر للبرلمان (المادة 64/ثانياً).
4- ولعل من ابلغ ما قيل بهذا الشأن قول امير المؤمنين عليه السلام عندما خرج عليه الخوارج بكلمة لا حكم الا لله. فقال "كلمة حق يراد بها باطل، نعم انه لا حكم الا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا امرة، فانه لابد للناس من امير بر او فاجر". واقرب مثال لـ"غياب السلطة" وللفراغ، هو بعد انهيار سلطة النظام السابق في 9/4/2003 واعلان، "سلطة التحالف المؤقتة" Coalition Provisional Authority في 16/5/2003، التي فرضت سلطة الاحتلال بقوة الاجتياح والقرار الاممي.
5- ان وجود البرلمان ضرورة اساسية، لأي نظام ديمقراطي. فقط غيابه المطول والمُعطِل سيقود لـ"فراغ دستوري" يتمثل بـ"غياب السلطة"، او تآكلها. وهذا احد اسباب اتجاه الكثير من الدول (والعراق منها دستورياً، وغير منفذ عملياً) لنظام المجلسين.. فعند حل مجلس النواب يستمر عمل الاخر (مجلس الاتحاد)، او التوجه لاسلوب الانتخابات الجزئية –كالولايات المتحدة- فتجري الانتخابات لجزء، ويحافظ البقية على مواقعهم، ليأتيهم الدور بانقضاء مدتهم، وهكذا.
6- استُخدم "الفراغ الدستوري" بشكل خاطىء، ولابد من وضع الامر في نصابه. فواجب البرلمان الاساس هو حسن التشريع والرقابة، وان يعرف الحدود الفاصلة بينه وبقية السلطات.. تماماً كاهمية معرفة بقية السلطات للحدود الفاصلة بينها وبين الشأن التشريعي.