بغداد اليوم- بغداد
منذ انطلاق التظاهرات الحاشدة في العراق، في بداية شهر تشرين الأول الماضي، حمل المحتجون مطالبَ أساسية تنوعت ما بين الدعوة لتغيير النظام السياسي بالكامل ورحيل الأحزاب الحالية وما بين داعٍ لإجراء إصلاحات تركز على تلبية مطالب المتظاهرين المعيشية والخدمية وما بين مصر على إقالة الحكومة الحالية والمجيء بأخرى من التكنوقراط، فيما ركز مطلب، وصِفَ بالمهم على وجوب تغيير النظام الانتخابي الحالي، كونه يحتوي على بنود ترسخ سيطرة الكتل الكبيرة على المشهد السياسي.
رئاسة الجمهورية تفاعلت مع المطلب الأخير وقدمت بعد وعود منها مشروع قانون جديد للانتخابات، احتوى على بنود أساسية من بينها تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة من القضاء وجهات قطاعية متخصصة بعيدة عن المحاصصة الحزبية، كذلك اعتماد نظام الفائز الأعلى على صعيد الدائرة الانتخابية، وتقليل عدد مجلس النواب إلى 213 وإلغاء العدد الحالي 329، كما يمنح القانون الشباب فرصة الترشيح للانتخابات عبر تقليل سن الترشيح إلى 25 سنة.
كيف تفاعل المتظاهرون مع القانون المقترح؟
المتظاهر سعد عباس (27 عاماً)، وهو من سكنة مدينة الصدر الواقعة شرقي العاصمة قال لـ (بغداد اليوم) من ساحة التحرير مركز الاحتجاجات في العراق، إن "المقترح الذي يرمي الى تقليص عدد أعضاء مجلس النواب 30% ليصبح عددهم قرابة الـ230 بدلاً من 365 نائباً، يجب أن يكون على مقاسات الشعب لا الكتل السياسية".
وأكمل حديثه بالقول: "لقد خرجنا منذ اليوم الأول من اكتوبر وحتى الآن بهدف إبعاد الأحزاب الفاسدة، التي تتحكم بثروات البلد ومصالحه وعمليته السياسية، والمجيء بشخصيات وطنية مستقلة لا تنتمي الا للعراق"، مؤكداً أن "أي شيء تقدمه حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للشعب العراقي في هذه الأيام، مرفوض تماماً".
أما المتظاهرة ريم جعفر (29 عاما)، التي تعمل مسعفة لدى المفارز الطبية بساحة التحرير، فقد رأت وجوب أن تقوم الدولة بإجراء تعداد سكاني قبل تشريع قانون الانتخابات المقترح من قبل رئاسة الجمهورية، مشيرة الى أهمية هذه الخطوة في حساب عدد الأصوات بحسب عدد المقاعد البرلمانية، مطالبة بان تكون الانتخابات القادمة تحت اشراف اممي، معللة هذا المطلب بان معظم القضاة و الاكاديميين سيتم تخويفهم وارهابهم من قبل بعض الجهات التي ستكون الخاسر الأكبر في الانتخابات القادمة.
وأضافت ريم، ان من الضرورة "إقرار قانون الاحزاب في الدورة البرلمانية الحالية، قبل اجراء أي انتخابات مع عدم السماح بمشاركة من أمضى أكثر من دورة برلمانية على مقاعد البرلمان".
رجال دين: المشكلة تكمن في امتيازات النواب وليس عددهم
من جهته، أشار رجل الدين ظافر البياتي (43 عاماً)، وهو يتولى مهمة تقديم الطعام الى المتظاهرين إلى أن "تعديل قانون الانتخابات غير كافٍ بالنسبة للمتظاهرين، فهم يبحثون عن وطنهم قبل كل شيء".
وعن تقليص عدد النواب في قانون الانتخابات المقترح، قال البياتي "العدد غير مهم، ليكن عددهم 1000 نائب"، مستدركاً "المشكلة بالامتيازات والرواتب الضخمة التي يتمتعون بها دون تقديم أي فائدة للعراقيين".
ومضى بالقول "لنجعل البرلماني بلا راتب ولا تقاعد، ونبقيه على راتب الدائرة التي كان يعمل بها قبل ان يصعد الى مجلس النواب، او ما يوازيها بالنسبة للبرلماني غير الموظف"، مضيفاً "ببساطة النائب ترشح ليؤدي خدمة لوطنه ولم يُجبر على الترشح".
اما المتظاهر عمار الشويلي (31 عاما)، مدرس اللغة العربية في احدى مدارس العاصمة، فدعا الحكومة الى تشريع قانون يمنح أعضاء مجالس النواب راتباً رمزياً يكفل له العيش، وتتكفل الدولة بسكنه حتى انتهاء الدورة البرلمانية، مع الغاء أي راتب تقاعدي له".
وينظر عمار الى أن عمل النواب عبارة عن "خدمة عامة" وليس تعييناً حكومي يرتب على أثره النائب أولويات حياته ويتخذه مصدراً لكسب الأموال، مطالباً النواب بجدية اكثر وضوحاً للشارع العراقي الذي بات ناقماً على عملهم ووجودهم ككل.
سرادق الاعتصام في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب لازالت منصوبة، وهي كما يبدو للعيان باقية حتى تتحقق المطالب، فالمرجعية العليا قالت كلمتها خلال لقاء مع ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت: "المتظاهرون لن يعودوا الى منازلهم حتى تتحقق مطالبهم"، فيما طالبت الرئاسات الثلاث الى اتخاذ "سلوك آخر" اذا لم تكن قادرة على تلبية مطالب المتظاهرين، وهذه الجرعة الكبيرة من المرجعية قد تمد في عمر التظاهرات حتى يتبين للعراقيين ابيضها من اسودها.