آخر الأخبار
القبض على متهم قتل شقيقه في بغداد امريكا "منزعجة" من مقابر غزة الجماعية ومستوطنات الضفة محافظ وعضو مجلس في وقت واحد.. الطعن بعودة التميمي محافظًا لديالى لتصريف الاعمال تشافي يعدل عن قرار الرحيل ويقرر البقاء مع برشلونة البرلمان يستجيب لدعوة الصدر بتشريع قانون "عطلة عيد الغدير"

بعد ان هزم السوفيت وطالبان سابقا.. بانشيز تفقد صمودها

عربي ودولي | 6-09-2021, 19:42 |

+A -A

بغداد اليوم- متابعة

لم يسقط إقليم بانشير في أيدي طالبان مثلما سقطت المدن والمحافظات الأخرى في أفغانستان، بما في ذلك العاصمة كابل، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بل على العكس، كان معقلاً وأيقونة للمقاومة ضد جميع القوى التي حاولت السيطرة عليها، ولكن أخيراً، سيطرت عليها طالبان بحسب ما أعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في مؤتمر صحافي من دون سقوط أي ضحايا في صفوف المدنيين.

 

إذاً، كيف استطاع سكان هذا الإقليم هزم جنود السوفييت وطالبان وقتها، ولماذا سقطت أخيراً على يد طالبان؟

 

تاريخ حافل

هُزم في هذا الإقليم، الجنود الروس إبان الغزو السوفييتي للبلاد في الثمانينيات، وكذلك مقاتلو طالبان الذين استولوا على السلطة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. وظلت المنطقة في القرن التاسع عشر، بمنأى عن الإمبراطورية البريطانية أثناء محاولتها غزو أفغانستان.

 

وكان وادي بانشير أحد آخر معاقل المقاومة في أفغانستان بعد أن سيطرت طالبان على كامل البلاد في أغسطس/آب الماضي.

 

ولجأ إليه مؤخراً، نائب الرئيس الأفغاني السابق، أمر الله صالح، برفقة أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، الذي دعا الناس إلى الانتفاضة والمقاومة ضد طالبان، في حال فشلت المفاوضات التي يرجو منها مسعود "اعتماد اللامركزية، في الحكم لتحقيق نظام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق والحرية للجميع".

 

وادي "الأسود الخمسة"

تقع المنطقة على بعد 130 كيلومترا شمال شرقي العاصمة كابل، بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية، وتبلغ مساحتها 3610 كيلو متر مربع، وعدد سكانها 173 ألف نسمة وغالبيتهم من قومية الطاجيك التي ينتمي إليها أحمد مسعود أيضاً.

 

يُعرف الإقليم باسم "بنجشير" وتعني خمسة أسود باللغة الفارسية، لكن العرب يطلقون عليها اختصاراً اسم بانشير. ويشار إليه باسم وادي بانشير لأنه محاط بالجبال الشاهقة.

 

والاسم حسب رواية الأفغان، مشتق من قصة تعود إلى القرن العاشر، حيث تمكن خمسة إخوة من وضع سد أمام مياه الفيضانات المتدفقة إلى الوادي في عهد السلطان محمود غزنة، فأطلق على الإخوة الخمسة لقب "الأسود الخمسة".

 

وصفه كل من زاره بأنه يتميز بالجبال الشاهقة والأنهار العذبة والجمال الطبيعي الخلاب، وقد اكتسب الوادي مكانة مهمة لدى الأفغان.

 

وادي بانشير

وربما يعود سبب عدم قدرة طالبان بناء قاعدة جماهيرية لها في هذا الإقليم، إلى كون غالبية أنصار الحركة ينتمون إلى قومية البشتون، و لذلك، لم تلقَ طالبان ترحيباً في هذه المنطقة.

 

ويحتضن وادي بانشير ضريح القائد العسكري الأفغاني السابق، أحمد شاه مسعود، الذي لقب بـ "أسد بنجشير" (اغتيل في عام 2001 على يد القاعدة) لمقاومته وصموده أمام الجنود الروس إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، وانتصاره عليهم رغم معداته العسكرية البسيطة مقابل القوة الجوية السوفييتية.

 

ويمكن العثور على صوره في العديد من الأماكن في العاصمة الأفغانية، من المعالم الأثرية إلى اللوحات الإعلانية وواجهات المتاجر ، وفي جميع أنحاء ولاية بانشير، إذ يعد بطلاً قومياً. ويتم إحياء ذكرى وفاته في يوم الشهداء الذي يصادف التاسع من سبتمبر/أيلول، منذ عام 2012.

 

ويفخر سكان الإقليم بمقاومتهم لطالبان والسوفييت وغيرهم وبقاء الإقليم سلمياً إلى حد ما على مر العقود.

 

السوفييت أولا ثم طالبان

توجد في الوادي الكثير من الأنفاق التي كانت ولا تزال ملاذاً وحصناً منيعاً للمقاومة ضد الأسلحة الجوية، إلى جانب التضاريس الوعرة والكهوف والأنهار والجبال الشاهقة.

 

وبقي وادي بانشير، بقيادة أحمد شاه مسعود، عصياً على الروس خلال السنوات العشر من الحرب التي مرت بها البلاد.

 

ووصف مارك غاليوتي، وهو بروفسور وخبير في الشأن الروسي، في كتابه عن دفاع شاه مسعود عن هذه المنطقة الاستراتيجية بعبارة "الأسد يروض الدب في أفغانستان".

 

وفي عام 1996-2001، قاد شاه مسعود مقاومته لحركة طالبان، الذين لم يتمكنوا بدورهم من السيطرة على المنطقة رغم سيطرتهم على البلاد كاملة.

 

وخلال تلك الفترة، جمع شاه مسعود مختلف الفصائل الأفغانية، وأنشأ التحالف الشمالي، الذي سيطر على شمال وشرق البلاد.

 

وادي بانشير: مواقع الاشتباكات الأخيرة

وبعد سيطرة طالبان على كامل البلاد باستثناء بانشير، لجأ أحمد مسعود، أن يقود مقاومة مماثلة لكن هذه المرة ضد طالبان وبإمكانيات أقل مما كان يحظى بها والده شاه مسعود.

 

وفي أوج نفوذه، كان التحالف الشمالي الذي أسسه شاه مسعود، يمثل أكثر من 30 في المئة من سكان البلاد. وجذب صمود التحالف ومقاومته لطالبان لسنوات عدة، الولايات المتحدة التي بدأت بدعم تلك القوات البرية للسيطرة على بقية البلاد والإطاحة بطالبان من السلطة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي نفذتها القاعدة وراح ضحيتها 3000 أمريكي.

 

ورغم أنه كان عصياً على القوى المتتالية على مر عقود من الزمن، إلا أن المقاومة هذه المرة هُزمت بعد أن حوصر الوادي من قبل قوات طالبان، كما أنه القوى الغربية لم تتدخل هذه المرة لا الولايات المتحدة ولا روسيا - القوتين العظمتين - عدا عن رد الفعل الإيراني الخجول مقارنة بموقفها السابق في تسعينيات القرن الماضي.

 

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده خلال مؤتمر صحافي في طهران: "الأنباء التي نسمعها من بانشير مقلقة وندين هجوم ليلة أمس على هذه المنطقة بشدة".

 

وكانت طهران قد التزمت الحذر في مواقفها ولم تنتقد طالبان بشكل مباشر منذ سيطرة الأخيرة على أفغانستان.

 

وهذا يعني أن مصادر القوة التي تمتع بها أحمد مسعود، كانت مختلفة عن تلك التي تمتع بها والده في حقبة السوفييت وطالبان في السابق، وخاصة أن طالبان الآن باتت تمتلك أسلحة متقدمة جداً خلفتها الولايات المتحدة خلفها.

 

وكان أحمد مسعود كتب مقالاً قبل بضعة أسابيع قال فيه: "لدينا مخازن ذخيرة وأسلحة جمعناها بصبر منذ عهد والدي، لأننا علمنا أن هذا اليوم قد يأتي، لكن إذا شنت طالبان هجوماً عسكرياً، فلن تكون قواتنا العسكرية ولوجستياتنا كافية، وستنضب بسرعة ما لم يمد أصدقاؤنا في الغرب يد المساعدة لنا دون تأخير".

 

لكن، لم تلقَ نداءاته صدى لدى الولايات المتحدة التي قررت ألا تنجر إلى مستنقع الحروب في المنطقة بعد 20 عاماً من دعمها المتواصل لحكومة أفغانستان.

 

أجيال لم تشهد سوى الحروب

رسمت الحدود الحديثة لأفغانستان في أواخر القرن التاسع، عندما كانت المنافسة في أوجها على المنطقة بين الإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية. وأصبحت أفغانستان الحديثة بيدقاً في الصراعات على الأيديولوجية السياسية والنفوذ التجاري.

 

في الربع الأخير من القرن العشرين، عانت أفغانستان من الآثار المدمرة للحرب الأهلية التي تفاقمت بشكل كبير بسبب الغزو السوفييتي للبلاد بين عامي 1979 - 1989.

 

صمد النظام الشيوعي الأفغاني الناجي ضد المتمردين الإسلاميين (1989-1992) ، وبعد حكم قصير من قبل مجموعات المجاهدين، ظهرت حركة طالبان التي كانت في بداياتها مكونة من مجموعة طلاب متشددين دينياً، ضد الأحزاب الحاكمة في البلاد.

 

استمرت طالبان في السلطة لمدة خمس سنوات، ولكن بسبب إيوائها لمسلحي القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، شنت الولايات المتحدة حملة عسكرية متواصلة دامت 20 عاماً ضد كل من طالبان والقاعدة، لكنها انتهت بانسحاب الولايات المتحدة وتسلم طالبان السلطة مجدداً.