آخر الأخبار
واشنطن تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر اسعار الذهب تهبط مع انحسار المخاوف من تصاعد الصراع في الشرق الأوسط السوداني يصل إلى محافظة الأنبار الصحة تعلن تلقيح اكثر من خمسة ملايين طفل ضد الحصبة وتؤكد: جميع اللقاحات آمنة "السبات" سيد الموقف.. تشكيل حكومة ديالى "مستحيل" دون بغداد

"عرفة".. العرافة التي "دوخت" زعماء العراق

سياسة | 16-06-2021, 14:19 |

+A -A

بغداد اليوم – تقرير : محمود المفرجي الحسيني

 

يعتبر علم التنجيم مجموعة من الأنظمة، والتقاليد، والاعتقادات حول الأوضاع النسبية للأجرام السماوية والتفاصيل التي يمكن أن توفر معلومات عن الشخصية، والشؤون الإنسانية، وغيرها من الأمور الدنيوية.

 

ويعد لجوء رؤساء الدول إلى المنجمين من التقاليد الضاربة في القدم، فخلال العصور القديمة والوسطى والحديثة، كان يوجد منجمون تحت تصرف الملوك ورؤساء الدول، يستعينون بآرائهم في القضايا الصعبة التي تعترضهم وينفذون مشوراتهم بلا تردد. ويشكل التنجيم واقعًا اجتماعيًا موجودًا في أوروبا وتحديدًا منذ عهود الملوك القدماء لاسيما منذ عهدي الملكين (لويس الثالث عشر) و(لويس الرابع عشر) ففي القرن الخامس عشر كان يوجد في فرنسا أكثر من ثلاثة آلاف ساحر وساحرة، وكان لكل نبيل ونبيلة أو شخصية مرموقة ساحرها الخاص.

 

وقد ذكرت صحيفة "الاكسبرس" البريطانية أن عددًا كبيرًا من كبار القادة في العالم يستشيرون المنجمين قبل اتخاذ أي قرار سياسي مهم، وتعضد ذلك ياجيل ديدييه (عرافة فرنسية) التي أكدت أن السياسيين يهتمون بالتنجيم في أوقات الانتخابات بشكل خاص، قائلة: يريدون معرفة ما إذا كانوا سينتخبون، ويريدون أيضًا معرفة خصمهم السياسي.

 

أما ميتران فلم يكن يخفي استشارته المستمرة للعرافة اليزابيث تيسييه قبل اتخاذه أية قرارات سياسية مهمة، بما في ذلك تركه لها اختيار يوم استفتاء الشعب الفرنسي على اتفاقية ماستريخت، وبعض قراراته إبان غزو صدام حسين للكويت عام 1990. وكانت تيسييه تحلل لميتران وزراءه من واقع أبراجهم فتقبّح من تشاء وتجمّل في عينيه من تشاء.

 

وفي ألمانيا القريبة فقد كان لهتلر عرافة الخاص واسمه كارل برندلبرخت، ولكنه تحول منه بعد عام 1933 الى أريك هانوزون مدير ما عرف بـ"معهد برلين للعرافة".

 

وقد طلب هتلر من قائده رومل حين كانت المعارك حامية في شمال إفريقيا أن يحضر له أحد الشيوخ من ليبيا وهو منجم وعالم كبير اسمه الشيخ عبدالرحمن له خبرة في معرفة المستقبل.

 

وحين نأتي لـ10 داوننغ ستريت، مقر رئاسة الوزراء البريطانية، فباستثناء حالة تشرشل التي أهداه فيها ديغول العرافة جين ديكسون، فلا يوجد الكثير، فالمرأة الحديدية مارغريت تاتشر اعترفت بأنها لجأت أحيانا للعرافة والمنجمين، ولكنها قطعت بأنها لم تأخذ بآرائهم.

 

وبالنسبة للرؤساء الروس، فقد ذكر أن برنامج عمل الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن كانت تحدده الأبراج السماوية الأمر الذي يفسر لنا بعض أسباب تصرفات يلتسن غير المفهومة أحيانا مثل إلغاء بعض رحلاته إلى الخارج وتبديل أو تحديد موعد عمليته الجراحية الأمر الذي لم يحدده الأطباء بل المنجم الذي استشاره يلتسن ويدعى جورجي روغوديني، وهو جنرال سابق في جهاز المخابرات السوفيتية تحول إلى دراسة أصول التنجيم.

 

ويقال: إن ستالين (1879 -1953) كان يركن وبصورة مستمرة الى عراف اسمه وولف ميننغ، وكان منومًا مغناطيسيًا أيضا، وقد تنبأ لستالين بأن مدينة ستالينن غراد ستكون نقطة المواجهة الحاسمة بينه وبين الألمان، فيما لجأ الى نفس العراف خلفه الرئيس نيكيتا خروتشوف خلال أزمة الصواريخ مع أمريكا عام 1962.

 

قائمة الرؤساء مع المنجمين طويلة، وفيها أيضًا من الفلبين الرئيس جوزيف سترادا، ومن الأرجنتين الرئيس كارلوس منعم، ومن الهند رئيس الوزراء ديف غودا، ومن إندونيسيا الرئيس سوهارتو.

 

وفي فرنسا، ينفق الفرنسيون مليارات من اليورو سنويا على التنجيم، وهو الأمر الذي ينقض فكرة أن التقدم العلمي يقف عائقا في وجه الخرافات، ومن المفارقات أنه يعمل حوالى 30 ألف محترف في هذه المهنة تحت ظل القانون، الذي يسمح بوجود عيادات متخصصة للمنجمين مع أنه يحرم السحر والشعوذة، ويعاقب من يفتعل الأكاذيب والأضاليل.

 

وتشبه نعيمة فايز وهي مغربية تمارس هذه المهنة في منزلها للزبائن وفي الإذاعة للمستمعين عملها بعمل طبيب نفساني، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين يستشيرونها غالبًا ما يبحثون عن نصيحة في ظل المتاعب التي يلقونها في حياتهم اليومية، وكثيرون هم الذين يلجأون إلى التبصير وكأنه دواء يريحهم، تقول: إنها تمارس هذه المهنة بشكل رسمي في الدول الفرنسية.

 

وذكرت أن لديها عيادة في فرنسا تشبه عيادة المحللين النفسيين، كما أنها تدفع كل الضرائب المترتبة على هذه المهنة إلى الدولة، مفيدة بأن معظم الناس الذين يأتون إلى عيادتها يقصدونها لأنهم يواجهون مشكلات عاطفية عديدة من أبرزها الوحدة، حيث يوجد 70% من الزبائن من الجزائر، المغرب وتونس ولبنان ومصر، أي باختصار من الشرق ومن شمال إفريقيا،وهم لديهم جميعًا مشكلات تتعلق بالتوتر النفسي وتدبير أوراق إقاماتهم في فرنسا.

 

 

 

رؤوساء العراق والتنجيم

 

قصة رؤوساء العراق مع العرافين والتنجيم، طويلة جدا، فكانوا يؤمنون بشكل كامل بتوقعات المنجمين، بل كانوا يعتبرون كلامهم قول الفصل قبل الاقدام على أي قرار او حدث معين.

 

ويقول الصحفي الكبير الرائد، محسن حسين (88 عاما)، ان "سفير مصر في العراق امين هويدي، في زمن الرئيس الأسبق عبدالسلام عارف، اخبره ان الرئيس عارف كانت له موهبة الكشف عن الاحداث من خلاله أحلامه".

 

يشار الى ان محسن حسين هو اقدم صحفي في العراق ويلقب بشيخ الصحفيين، حيث بدأت حياته الصحفية في العهد الملكي في العراق، وتخرجت عدة أجيال صحفية وأسماء بارزة على يديه، فهو احد الثلاثة المؤسسين لـ (وكالة الانباء العراقية – واع) في عام 1959، واستمر في عمله الصحفي، حيث كان اخر انجاز له، مشاركته في تأسيس وكالة (نينا) للانباء عام 2005 وكان رئيسا لتحريرها على مدى 6 سنوات او اكثر، قبل ان يعتزل العمل الصحفي والاتجاه الى التأليف وكتابة المقالات.

 

ويعد حسين، الصحفي الوحيد الذي عاصر حقب تاريخية مع رؤوساء العراق، فهو عاصر زمن الرؤوساء عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف، وعبد الرحمن عارف، واحمد حسن البكر، وصدام حسين، الذي سقط نظامه .

 

وقال حسين لـ (بغداد اليوم)، انه "من أطرف الذكريات عن الرئيس عبد السلام محمد عارف، ما رواه أمين هويدي سفير الجمهورية العربية المتحدة في بغداد في ذلك الوقت عن محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها، عارف عبد الرزاق، الذي كان رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع وقائد القوة الجوية خلال وجود الرئيس في المغرب لحضور مؤتمر القمة العربية الثالث عام 1965 ".

 

وأضاف، نقلا عن امين هويدي "كان عبد السلام عارف يؤمن بالأحلام، وقص علي الكثير منها في المناسبات المختلفة، ولما علم بخبر الانقلاب رأى في غفوة نوم أقرب إلى اليقظة كافة التفصيلات، وأملاها كما حدثت لمرافقه العميد زاهد محمد صالح قبل وصول أية تفصيلات عن الموضوع، وظهر أن ما أملاه كان مطابقا لما كان يرد من معلومات".

 

ومن بين هؤلاء الزعماء هو الرئيس الأسبق احمد حسن البكر، الذي كان يتردد على امرأة عمياء  وهي (عرفة لفتة الدراجي)، والتي اخذ الله بصرها منذ الولادة، لكن أعطاها موهبة كبيرة بقراءة الطالع، وكانت عادة ما تصيب وتتوقع توقعات تتحقق بشكل يصعب على العقل تخيله.

 

تقول التقارير، ان "عرفة" كانت تسكن في منطقة الطوبجي ببغداد، وكان شقيقها هو اللواء عباس لفتة الدراجي، الذي يؤكد حسب التقارير بان البكر كان يتردد عليها منذ عام 1964، ليقرأ طالعه، حيث اخبرها بعزمه بالانقلاب على الرئيس الأسبق عبدالرحمن عارف، واخبرها بتوقيت تنفيذ الانقلاب، حيث اكدت له ان الانقلاب سينجح وسيكون هو رئيسا للعراق".

 

لكن التقارير، اكدت، ان "بعد نجاح انقلاب البعثيين على حكومة القوميين المتمثلة بالرئيس عبدالرحمن عارف، حذرت عرفة البكر من شخصيتين، هما صدام حسين وحردان التكريتي".

 

والحال لم يقف عند البكر في التردد على "عرفة"، انما كان لرئيس حزب البعث المنحل صدام حسين، شغف اكبر من البكر بالتنجيم، فكان صدام وزوجته ساجدة خير الله طلفاح وولداه عدي وقصي دائمي التردد على "عرفة" ، فضلا عن باقي شخصيات بلاط البعث في فترات السبعينيات والثمانينات.

 

وهناك حادثة يرويها اللواء عباس لفتة شقيق "عرفة"، الذي قال، ان "عدي وقصي زارا عرفة في منطقة الطوبجي، وكان حينها عدي يبلغ من العمر 17 عاما، وسألها : متى اصبح رئيسا للعراق، فاجابت "عرفة": انك لن تصبح رئيسا للعراق، لان والدك صدام ستطول فترة حكمه".

 

وأضاف، ان "عدي خرج غاضبا من جواب عرفة، وكان كما معروف عنه ظاهرا لغضبه ومعبرا عنه في انفعالاته السريعة غير المحسوبة، فقام ترك المكان غاضبا وذهب مسرعا الى السيارة وانطلق بها بدون ان يجيب ببنت شفة".

 

وتؤكد التقارير أيضا، ان "بداية الثمانينات وفي أيام الحرب العراقية – الإيرانية، كان صدام حسين دائم الارسال بطلب "عرفة" لتبين له نتائج الحرب، وفترات بقائه بالحكم، وانه كان مؤمن ايمانا مطلقا بما تقوله، حيث كان نائب صدام ، المدان طه ياسين رمضان هو من يجلبها الى القصر لمقابلة صدام".

 

لكن يبدو ان "عرفة" دفعت رأسها ثمنا لمعرفتها، حيث أفادت التقارير، انه "في عام 1981، جاءت سيارة (نوع كروان تكسي)، الى عرفة واخذتها من منزلها، واختفت منذ ذلك الحين، ولم يعرف احد طريقا لها، رغم محاولات اخوها اللواء عباس، الذي اتصل برئيس الامن فاضل البراك لمعرفة مصير شقيقته".

 

وكان اللواء عباس مؤمنا بان الدولة هي من اخذت عرفة، وغيبتها عن الأنظار، حيث ما زال عباس لحد هذه اللحظة يحاول معرفة مصير شقيقته الضريرة.