سياسة / أمن / ملفات خاصة اليوم, 20:05 | --


بين "التواطؤ والتشابك".. حادثة الطارمية تفتح "أخطر الملفات": تعدد الجهات الأمنية الماسكة للأرض

بغداد اليوم – بغداد

أعاد اغتيال عضو مجلس محافظة بغداد والمرشح للانتخابات المقبلة صفاء حسين ياسين المشهداني في قضاء الطارمية شمال العاصمة، بعبوةٍ لاصقة استهدفت مركبته، ملفَّ الاغتيالات السياسية إلى صدارة المشهد العراقي، وسط تساؤلات عن قدرة الدولة على ضبط التوازن بين الأمن والسياسة في موسم انتخابي حساس.

وبحسب تقارير أمنية، أسفر الانفجار عن اغتيال المشهداني وإصابة أربعة من مرافقيه، في عمليةٍ وُصفت بأنها الأخطر منذ مطلع عام 2025، وأعادت إلى الواجهة هواجس تكرار سيناريوهات العنف الانتخابي التي عرفها العراق في دورات سابقة.

بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) دانت التفجير، ودعت إلى “تحقيق عاجل وشفاف لمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة”، مؤكدة أن حماية المرشحين “مسؤولية وطنية ترتبط بمصداقية العملية الديمقراطية”.

وفي الاتجاه نفسه، أكد مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي أن “الحكومة تثق بالأجهزة الأمنية والاستخبارية في ملاحقة الجناة وتقديمهم إلى القضاء العادل”، مشددًا على “ضرورة محاسبة المحرضين على العنف والتمسك بالسلم المجتمعي لضمان حماية العراق من الإرهاب والفوضى”.

يشير هذا الموقف الرسمي، بحسب تقديرات أمنية، إلى حرص الحكومة على إظهار سيطرتها، لكنه يكشف في الوقت نفسه هشاشة التنسيق بين المؤسسات الأمنية، ولا سيما في المناطق التي تتداخل فيها صلاحيات القوات الحكومية والفصائل المحلية.

الخبير الأمني سيف رعد حذر، في حديثٍ لـ"بغداد اليوم"، من “تصاعد موجة الاغتيالات السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات، في ظل احتدام الصراع بين القوى وغياب الردع الأمني الكافي”، مضيفًا أن “عدم كشف الجهات المسؤولة عن حوادث الاغتيال السابقة شجع أطرافًا على استخدام العنف كوسيلة ضغط سياسي”.

توضح الدراسات الأمنية المقارنة أن هذا النمط من العنف يتكرّر عادة في الأنظمة التي تعاني من تعدد مراكز القرار الأمني، وهو ما يفسّر استمرار الثغرات رغم كثافة الانتشار العسكري.

وفي المقابل، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علاوي البنداوي أن “الوضع الأمني في العاصمة مستقر وتحت السيطرة، والأجهزة الأمنية تبذل جهوداً استثنائية في حفظ الأمن وحماية المواطنين مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة”، موضحًا أن “حادثة الاغتيال، وإن كانت مؤسفة ومدانة، لن تؤثر على سير العملية الانتخابية أو على إرادة المواطنين في المشاركة”.

ويرى مراقبون أن هذا الخطاب التطميني ضروري سياسيًا، لكنه لا يبدد المخاوف من هشاشة البيئة الأمنية، خصوصًا في مناطق الأطراف التي تعاني من ضعف الرصد المسبق وتداخل الجهات الماسكة للأرض.

وفي هذا السياق، تَسلّط حادثة الطارمية الأخيرة الضوء على تعدد القوى الأمنية العاملة داخل المنطقة، بعد الجدل الذي أثارته، قبل فترة، تصريحات لقيادي في حركة النجباء بشأن محاولة "قوة أمريكية اقتحام القضاء" وادعائه وقوع احتكاك مع القوات العراقية، رغم تأكيد جهاز مكافحة الإرهاب أن عملياته الأخيرة هناك “نُفذت بشكل مستقل دون مرافقة أي قوة من التحالف الدولي”.

يُقرأ هذا التناقض، وفق تحليلات ميدانية، كدليل إضافي على تداخل الصلاحيات الميدانية وتشابك خطوط القيادة، وهو ما يثير تساؤلات عن احتمال أن يكون هذا التشابك أو حتى تواطؤ جهةٍ ما قد ساهم في تسهيل تنفيذ عملية اغتيال المشهداني.

القوى السياسية من جانبها أصدرت بيانات إدانة واستنكار، ووصفت الحادث بأنه “اعتداء على المسار الديمقراطي واستهداف لأمن الدولة وهيبتها”، داعية إلى “كشف الجناة ومحاسبتهم سريعًا”.

ويرى مختصون في الشأن الانتخابي أن وحدة الموقف السياسي لا تعني بالضرورة وحدة القرار الأمني، وأن معالجة ظاهرة الاغتيالات تتطلب إعادة هيكلة حقيقية في منظومة التنسيق بين الأجهزة، لتجنب تكرار الانفلات في مناطق ذات حساسية أمنية عالية مثل الطارمية.

في المحصلة، يظهر أن حادثة اغتيال المشهداني لم تكشف فقط ثغرة أمنية، بل سلّطت الضوء على عمق أزمة توزيع القرار الميداني في العراق. فبين تأكيد الحكومة على سيادتها، ودعوات يونامي للتحقيق، وتحذيرات الخبراء من تعدد مراكز القوة، يبقى التحدي الأكبر أمام الدولة هو استعادة وحدة القرار الأمني قبل أن يتحول التداخل بين الأجهزة إلى غطاءٍ دائم للفوضى والعنف السياسي.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

من "الاستقلال" إلى "الصمت".. عن رموز المواجهة مع بغداد في انتخابات كردستان

كتب: صلاح حسن بابان انتخابات كردستان هذا العام تجري بلا عناوين كبيرة. تراجع خطاب المواجهة مع بغداد، وانطفأ شعار الاستقلال، واهتزت صورة الزعامات. الناخبون منشغلون بالأزمات اليومية، فيما ترسم الانتخابات الاتحادية المقبلة حدود اللعبة الجديدة بين أربيل

اليوم, 22:04