بغداد اليوم – بغداد
بعد هدوءٍ أمني نسبي استمر لسنوات، عادت العاصمة العراقية لتعيش فجرًا مضطربًا، إثر اغتيال عضو مجلس محافظة بغداد والمرشح للانتخابات النيابية المقبلة صفاء حسين ياسين المشهداني بعبوة لاصقة استهدفت مركبته في قضاء الطارمية شمال العاصمة.
الانفجار الذي دوّى بعد منتصف الليل لم يقتل مسؤولًا فحسب، بل أعاد فتح أسئلة ثقيلة عن هشاشة المنظومة الأمنية، وعن الجهات التي ما زالت قادرة على زرع عبوات تحت عجلات مسؤولين في قلب العاصمة.
الحادثة، التي وصفها مراقبون بأنها الأخطر منذ مطلع 2025، أعادت شبح الاغتيالات السياسية إلى الواجهة، ودفعت الحكومة إلى استنفار عاجل وتشكيل لجنة تحقيقية عليا بإشراف مباشر من القائد العام للقوات المسلحة، في وقتٍ تتصاعد فيه المخاوف من أن يتحول موسم الانتخابات إلى ساحة تصفيات مبكرة.
وبحسب بيان رسمي من قيادة عمليات بغداد، فإن "القائد العام للقوات المسلحة وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية عليا بإشراف مباشر من الفريق الركن وليد التميمي قائد عمليات بغداد، للوقوف على ملابسات الحادث وتحديد الجناة". وأكدت أن "نتائج التحقيق ستُعلن بعد استكمال الإجراءات الفنية والميدانية".
مصدر أمني مطلع قال لـ"بغداد اليوم"، إن "اللجنة المشكلة تضم ممثلين عن تشكيلات أمنية متعددة، لمتابعة تفاصيل الحادث ميدانياً، وقد توجه وفد أمني رفيع إلى موقع الانفجار في قضاء الطارمية".
وأشار المصدر إلى أن "حادثة الاغتيال تُعد الأولى من نوعها التي تستهدف مسؤولاً حكومياً خلال عام 2025، ما جعلها تحظى بمتابعة دقيقة من أعلى المستويات". وتشير المصادر الأمنية إلى أن العبوات اللاصقة تُعد من الأساليب النادرة داخل بغداد خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يثير القلق بشأن عودة هذا النمط من العمليات النوعية، والذي يتطلب قدرات فنية وميدانية متقدمة، ومعرفة مسبقة بتحركات الهدف.
في المقابل، أصدر تحالف العزم بيانًا أعرب فيه عن "إدانته البالغة واستنكاره للجريمة"، مؤكدًا أن الحادث "يمثل تصعيدًا خطيرًا يمس أمن الدولة وهيبتها، ويستهدف جوهر العملية الانتخابية عبر ترهيب المرشحين والناخبين". وطالب التحالف الحكومة بـ"كشف الجهات التي تقف وراء هذا العمل الإجرامي"، محمّلًا الأجهزة الأمنية مسؤولية مضاعفة لحماية المرشحين وتأمين البيئة الانتخابية.
كما دعا رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، إلى تشكيل لجنة تحقيقية برلمانية، مؤكدًا أن "المجلس سيتابع مجريات التحقيق لضمان تقديم الجناة إلى العدالة". هذه المواقف تعكس حالة قلق سياسي متصاعد من تأثير مثل هذه الحوادث على نزاهة الانتخابات واستقرارها، في ظل بيئة أمنية متوترة ومشهد انتخابي محتدم.
وتُعد الطارمية من أكثر مناطق بغداد تعقيدًا أمنيًا، إذ تمثل حدودًا فاصلة بين أطراف العاصمة والمناطق الريفية التي كانت في الماضي معقلًا للجماعات المتطرفة. ورغم التحسن النسبي في الوضع الأمني خلال السنوات الأخيرة، فإن الحادثة الأخيرة تؤكد استمرار الثغرات الأمنية في حزام بغداد، وضعف منظومة الرصد المسبق لحركة الأشخاص والعجلات داخل مناطق الأطراف. ويرى مراقبون أن اختيار الطارمية موقعًا للتنفيذ لم يكن صدفة، إذ يُعتقد أن طبيعة الجغرافيا وتعدد الجهات المسيطرة جعلت من المنطقة بيئة مناسبة لعمليات من هذا النوع، خصوصًا في ظل محدودية الكاميرات وضعف الرقابة الاستخبارية المستمرة.
الحدث فتح جملة من التساؤلات التي لم تجب عليها التحقيقات حتى الآن، من بينها:
-كيف تمكن المنفذ من زرع العبوة اللاصقة في سيارة مسؤول محمي دون أن تُرصد من كاميرات المراقبة أو أجهزة التفتيش؟
-هل تم استهداف المشهداني على خلفية موقف سياسي أو انتخابي، أم أن العملية تحمل أبعادًا أمنية أوسع تتعلق بمحاولات زعزعة الاستقرار؟
-وما مدى قدرة الأجهزة الأمنية على التحقيق الفني الدقيق في ظل التداخل بين الجهات المسؤولة عن الأمن داخل العاصمة؟
هذه الأسئلة لا تتعلق بحادثة فردية بقدر ما تعكس اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على حماية العملية الانتخابية المقبلة، وضمان عدم انزلاقها إلى دائرة العنف السياسي.
يأتي الاغتيال في وقت بدأت فيه الحملات الانتخابية تشهد منافسة حادة، وسط حديث متكرر عن استخدام المال السياسي والضغوط الأمنية في بعض المناطق. ويرى مختصون أن الحادثة تمثل مؤشرًا خطيرًا على هشاشة البيئة الانتخابية، وأن استمرار مثل هذه الخروقات قد يدفع بعض المرشحين إلى الانسحاب أو الحد من نشاطهم الميداني، خشية الاستهداف. كما يحذّر خبراء أمنيون من أن تكرار مثل هذه العمليات سيقوّض ثقة الناخبين بقدرة الدولة على حماية صناديق الاقتراع، وقد يفتح الباب أمام التشكيك المسبق بنتائج الانتخابات، ما لم يتم كشف الجناة ومحاسبتهم سريعًا.
وبحسب مختصين بالشأن الأمني، تطرح حادثة اغتيال صفاء المشهداني جملة تحديات أمام الأجهزة الأمنية والمؤسسات السياسية في العراق، في لحظة تزداد فيها الحاجة إلى ضبط المشهد الانتخابي وتثبيت الأمن العام. ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح التحقيقات في كشف الحقيقة ومحاسبة الفاعلين؟ أم أن الملف سيلتحق بسلسلة من القضايا التي تبدأ بتشكيل اللجان وتنتهي دون نتائج ملموسة؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات