بغداد اليوم – البصرة
تواجه محافظة البصرة وضعاً مائياً بالغ الخطورة مع دخول فصل الخريف، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن الحصة المائية الواصلـة إليها لا تتجاوز 30 متر³/ثا، وهو أدنى معدل يسجل منذ قرن كامل. ترافق ذلك مع ارتفاع مستويات الملوحة والتلوث في شط العرب نتيجة ضعف الإطلاقات المائية من دجلة والفرات، والتجاوزات الداخلية، وتحويل جزء من المياه لصالح مناطق أخرى وشركات النفط. هذا التدهور المستمر انعكس على الحياة اليومية للسكان، فتراجعت جودة مياه الشرب، وازدادت الأمراض المرتبطة بالتلوث، وتضررت الزراعة ومصادر الرزق التقليدية. وتؤكد دراسات بحثية ومتابعات رقابية أن ما يجري في البصرة لا يُعد مجرد أزمة خدمية، بل خللاً هيكلياً في إدارة الموارد المائية الوطنية، يثير مخاطر اجتماعية واقتصادية متنامية، خصوصاً مع تزايد الاحتجاجات الشعبية التي ربطت بين أزمة الماء وبين غياب المعالجات الحكومية الجادة.
قال مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة في بيان رسمي تلقته "بغداد اليوم": "الواقع المزري لمحافظة البصرة يتمثل بارتفاع نسب الملوحة والتلوث مع دخول فصل الخريف، ومع أقل حصة مائية تصل إلى البصرة منذ 100 عام، إذ يقدر ما يصل إلى المحافظة ليس بأكثر من 30 متر³/ثا. ومع استمرار سلب حصة البصرة من: أولاً المناطق الواقعة من ناحية الثغر حتى قضاء العزير ثم ما يذهب لتغذية الجبايش، وثانياً السلب الآخر لما يقارب أكثر من 30% من الواصل من حصة البصرة إلى الشركات النفطية، وثالثاً التجاوزات الداخلية المستمرة، فإن غياب الاهتمام والرقابة لما يعانيه الأهالي في المحافظة يؤشر ـ وللأسف ـ إلى وجود تمييز مع بقية مدن العراق وتحول شط العرب إلى مكب للمياه الثقيلة والمالحة الملوثة."
وأضاف المكتب: "نطالب مجلس الوزراء بالانعقاد في البصرة وعدم تأخير ذلك لقرب الانتخابات، واتخاذ قرارات لحماية حصة البصرة المائية، وإن استمرار إهمال هذه المحافظة المنكوبة سيؤدي إلى عواقب وخيمة."
أزمات المياه في البصرة ليست طارئة. ففي صيف عام 2018 شهدت المحافظة واحدة من أخطر الكوارث الصحية حين أصيب أكثر من 100 ألف مواطن بحالات تسمم معوي بسبب تلوث المياه. وتكررت الأزمات خلال أعوام 2021 و2023 مع ارتفاع الملوحة وتراجع الإطلاقات المائية. تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أكدت أن شط العرب فقد توازنه البيئي بسبب الانخفاض الحاد في التدفقات العذبة من دجلة والفرات، ما سمح باندفاع اللسان الملحي من الخليج شمالاً، فضلاً عن تصريف مياه الصرف الصحي والصناعي غير المعالجة مباشرة في مجرى النهر.
الأزمة المائية انعكست بشكل مباشر على الاستقرار الاجتماعي. خلال الأيام الماضية قطع محتجون في قضاء الدير الطريق الرابط بين بغداد والبصرة احتجاجاً على نقص المياه، بينما خرجت اعتصامات في مناطق أخرى مطالبة بإنقاذ المحافظة. ويشير مراقبون إلى أن هذه التحركات تذكّر بأحداث 2018 حين تحولت أزمة المياه إلى احتجاجات واسعة انتهت بصدامات أمنية. وفق قراءات بحثية، استمرار الأزمة دون حلول ملموسة يهدد بعودة موجات احتجاجية أكبر، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات وتراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات الرسمية.
يؤكد مختصون في الصحة العامة أن تدهور نوعية المياه في البصرة ساهم بارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الكبد والجهاز الهضمي، إلى جانب تأثيرات مباشرة على النساء والأطفال. اقتصادياً، تسببت الأزمة بخسائر كبيرة في الزراعة وتربية المواشي والأسماك، كما دفعت آلاف العوائل للنزوح من الأهوار والقرى الزراعية نحو مراكز المدن. وتوضح تقديرات اقتصادية أن تكلفة شراء مياه الشرب الصالحة تضاعفت ثلاث مرات في بعض مناطق البصرة، ما أرهق الأسر محدودة الدخل.
لا تنفصل أزمة البصرة عن ملف المياه مع دول المنبع. إذ تواصل تركيا وإيران بناء السدود وتحويل مسارات الأنهر، ما أدى إلى تقليص الحصص المائية الواصلة للعراق. ويرى خبراء في القانون الدولي أن بغداد مطالبة بإعادة تفعيل اتفاقيات تقاسم المياه، واللجوء إلى الأطر الأممية لتثبيت حقوقها، فضلاً عن تحسين إدارة الموارد المائية داخلياً لمنع التجاوزات وسوء التوزيع.
تحذير مكتب حقوق الإنسان في البصرة يمثل جرس إنذار واضح بأن المحافظة وصلت إلى مرحلة "النكبة المائية". إن بقاء الوضع على ما هو عليه لا يعني فقط استمرار المعاناة الخدمية، بل يهدد بتحولات اجتماعية وصحية واقتصادية واسعة، ويعيد إنتاج أزمات الاحتجاج وعدم الاستقرار. وبحسب تقديرات قانونية وسياسية متقاطعة، فإن عقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء في البصرة واتخاذ قرارات واضحة لحماية حصتها المائية يمثل الخطوة الأولى لتفادي عواقب أشد خطورة، قد تطال استقرار الجنوب والعراق بأكمله.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
كتب: سامان نوح خلال السنوات الأخيرة، ومع الفساد المستشري وتغليب الامتيازات والمصلحة الذاتية على المصلحة العامة، ومع تعمق الفشل البنيوي، فقدت الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، على عموم الخارطة العراقية، جمهورها. فقدت شعبيتها. لم تعد قواعدها الجماهيرية