سياسة / ملفات خاصة اليوم, 19:05 | --

تهميش الدور البرلماني


وقع 130 وحضر 50.. النواب يثبتون وجودهم الشكلي لتعطيل النصاب وتأجيل التشريعات (فيديو)

بغداد اليوم - بغداد

تؤكد التجارب الدستورية المقارنة أن البرلمان يمثل الركيزة الأساسية في أي نظام ديمقراطي، فهو السلطة التي تشرّع القوانين وتراقب أداء الحكومة وتمنح الشرعية للسياسات العامة. في العراق، عزز الدستور الدائم لسنة 2005 هذا الدور من خلال النص على أن مجلس النواب هو الجهة المختصة حصريًا بالتشريع والرقابة، وأن انعقاد جلساته يتطلب نصابًا قانونيًا محددًا لضمان مشروعية القرارات. غير أن الممارسة العملية أظهرت فجوة بين النصوص الدستورية والواقع الميداني؛ إذ باتت الجلسات عرضة للتعطيل المتكرر، سواء بسبب الانقسامات السياسية أو بفعل سلوكيات فردية لأعضاء يوقعون على الحضور من دون الدخول فعليًا إلى القاعة. هذا الخلل لا يقتصر على الجانب الإجرائي، بل يمس جوهر عمل المؤسسة التشريعية، ويكشف عن توجه سياسي متزايد نحو تهميش البرلمان وإضعافه كمؤسسة دستورية فاعلة.


التوقيع دون حضور

القانون الداخلي للبرلمان العراقي يشترط اكتمال النصاب لعقد الجلسات، وهو ما يعكس الالتزام بالدستور وضرورة ضمان مشاركة حقيقية في صناعة القرار. لكن الممارسات الفعلية تناقض هذه المبادئ، حيث كشف نائب رئيس المجلس، شاخوان عبدالله، أن “130 نائبًا وقعوا لحضور جلسة اليوم لكن الحاضرين داخل القاعة هم 50 نائبًا فقط.” هذا التصريح يظهر كيف تحوّل التوقيع إلى وسيلة شكلية لإثبات الحضور من دون مشاركة فعلية، ما يؤدي إلى تعطيل النصاب ويشلّ العملية التشريعية. بحسب قراءات قانونية، هذه الثغرة لا تمس الإجراءات فحسب، بل تعكس ضعفًا عميقًا في أدوات الرقابة والانضباط المؤسسي داخل المجلس.

النصاب القانوني ليس رقمًا تقنيًا، بل ضمانة دستورية لجدية القرارات. غير أن التجربة العراقية بيّنت أن النصاب يُستغل كوسيلة لتعطيل التشريع. فقد أقر عبدالله أن “الحاضرين داخل القاعة هم 50 نائبًا فقط ما حال دون عقد الجلسة.” هذا السلوك يعكس كيف أصبح غياب النواب أداة بيد القوى السياسية لتعطيل قوانين حتى وإن لم تكن محل خلاف. تشير المداولات الدستورية إلى أن هذه الممارسة تفقد النصاب معناه الأصلي كشرط للشرعية، وتحوّله إلى أداة مقصودة لإرباك عمل المؤسسة التشريعية.

يفترض أن القوانين غير المثيرة للجدل تمر بسهولة في أي برلمان فاعل. لكن عبدالله أوضح أن “جدول الأعمال يتضمن تشريعات وقوانين مهمة وغير خلافية.” هذه الإشارة تكشف أن تعطيل الجلسات لا يرتبط بخلافات جوهرية حول النصوص، بل بأولويات أخرى أبرزها الانشغال بالانتخابات. ترى دراسات بحثية أن هذا النمط يحوّل البرلمان من أداة لصياغة السياسات العامة إلى مؤسسة رهينة لمصالح مؤقتة، ويجعل التشريع تابعًا لدورات انتخابية بدل أن يكون استجابة لمصالح المجتمع.

الانتخابات أولا.. البرلمان ثانيا

لا يمكن فصل تعطيل النصاب عن السياق الانتخابي القريب. مع اقتراب موعد الاقتراع في تشرين الثاني، ينصرف العديد من النواب إلى حملاتهم الانتخابية على حساب حضورهم التشريعي. كما أن العقوبة المقررة باستقطاع مليون دينار من راتب المتغيب لم تثبت فعاليتها. تشير بيانات رقابية إلى أن بعض الكتل ترى في تعطيل الجلسات أداة سياسية تفاوضية، ما يجعل البرلمان أداة ضمن لعبة انتخابية أوسع بدل أن يكون مؤسسة محايدة تعمل لخدمة المواطنين.

الأزمة لا تتعلق فقط بإهمال أو انشغال انتخابي، بل تكشف عن توجه سياسي أعمق لتقليص دور البرلمان. فحين يؤكد عبدالله أن “الحاضرين داخل القاعة هم 50 نائبًا فقط ما حال دون عقد الجلسة”، يتضح أن المسألة تتجاوز حالات فردية إلى سلوك جماعي متكرر. بحسب قراءات مؤسسية، هذا التعطيل يخدم أطرافًا تسعى لإضعاف المجلس عمدًا وإظهاره عاجزًا أمام الرأي العام، لضمان أن يظل القرار السياسي محصورًا بالسلطة التنفيذية أو بمراكز قوى خارجية. بهذا، يتحول الغياب إلى أداة مقصودة لتهميش البرلمان وإضعاف التوازن بين السلطات الذي نص عليه الدستور.

أحداث الجلسة الأخيرة وما رافقها من تصريحات شاخوان عبدالله تكشف أن البرلمان العراقي يواجه أزمة عميقة تتجاوز الشكل إلى الجوهر. الاعتراف الرسمي بظاهرة التوقيع دون حضور يضع المؤسسة أمام أزمة معلنة لا يمكن إنكارها. استمرار تعطيل النصاب رغم وجود عقوبات مالية يبرهن أن أدوات الردع الحالية غير فعّالة. ومع تراكم القوانين المؤجلة التي تتجاوز المئة والخمسين مشروعًا، تتكرس صورة البرلمان كمؤسسة عاجزة عن أداء وظيفتها الدستورية. هذا الوضع يعمّق الفجوة بين المواطن وممثليه، ويهدد التوازن بين السلطات عبر إضعاف السلطة التشريعية أمام سطوة الأطراف التنفيذية والحزبية.

تعمد تهميش الدور التشريعي

الأزمة البرلمانية في العراق لم تعد عرضية، بل هي نتاج بيئة سياسية تتعمد تهميش الدور التشريعي. التوقيع الشكلي، غياب النصاب، وتأجيل القوانين غير الخلافية كلها مؤشرات على مؤسسة تفقد تدريجيًا قدرتها على القيام بوظيفتها. المعالجة تتطلب أدوات أكثر جدية: ربط التوقيع بالحضور الفعلي، نشر قوائم الحضور والغياب للعلن، وتفعيل المساءلة حتى حد إسقاط العضوية عند التكرار. من دون هذه الخطوات، سيبقى البرلمان أسيرًا لتعطيل ممنهج، وتبقى مصالح المواطنين رهينة لصراع سياسي لا يعترف بسلطة الدستور ولا بوزن المؤسسة التشريعية.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في "بغداد اليوم"

أهم الاخبار

يوتيوب تطلق أدوات ذكاء اصطناعي ثورية لجذب صناع المحتوى

بغداد اليوم- متابعة أطلقت منصة يوتيوب مجموعة من منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تستهدف جمهورًا واسعًا، في مسعى من منصة مقاطع الفيديو لإظهار أن استثماراتها الضخمة في الذكاء الاصطناعي تؤتي ثمارها. وتتجاوز هذه الميزات، التي أُعلن عنها اليوم الثلاثاء،

اليوم, 20:25