بغداد اليوم - بغداد
لا تُختزل أزمة السكن في العراق في ضيق المساحات أو ندرة الأراضي الصالحة للبناء، بل تكشف عن خلل أعمق في البنية الاقتصادية والسياسية والإدارية التي حكمت البلاد على مدى عقود. فالسكن في جوهره ليس مجرد سقف يقي العائلة من العراء، بل حق اجتماعي وركيزة أساسية للاستقرار المجتمعي، وهو ما فشلت الحكومات المتعاقبة في توفيره، تاركةً المجال لولادة أحياء عشوائية وتآكل الرقعة الزراعية أمام زحف الإسمنت.
تصف النائبة السابقة في لجنة الخدمات النيابية منار عبد المطلب المشهد بدقة حين تؤكد لـ"بغداد اليوم"، أن "جميع المشاريع الاستثمارية في قطاع الإسكان لم تحقق سوى أقل من 1% من الطلب الفعلي على السكن في العراق". هذا الرقم، الذي يكاد يقترب من العدم، يعكس بحسب محللين إخفاقًا مركبًا؛ فالمشاريع التي رُوّج لها كحلول تنموية سرعان ما تحولت إلى أرقام محدودة لا تقارب حجم الحاجة الفعلية.
وإذا كان توسّع العشوائيات وتجريف البساتين ظاهرة مرئية للعين المجردة، فإن عبد المطلب ترى أنها بلغت "مرحلة الذروة نتيجة إخفاق الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول مناسبة". هذا التوصيف يضعنا أمام حقيقة أن الدولة لم تكتف بالعجز عن احتواء الأزمة، بل ساهمت في تفاقمها عبر غياب التخطيط الحضري الرشيد. مراقبون يشيرون هنا إلى أن تفشي البناء العشوائي لم يكن مجرد استجابة طبيعية للزيادة السكانية، بل تجسيدًا لفشل السياسات العمرانية في توفير بدائل منظمة، الأمر الذي سمح بتحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية خارجة عن أي تخطيط استراتيجي.
أما التعقيد البيروقراطي، فقد مثل حلقة أخرى في السلسلة. إذ توضح عبد المطلب أن "البيروقراطية في توزيع الأراضي ومنح القروض لم تواكب الزيادة الكبيرة في الكثافة السكانية، حيث تتركز نحو 20% من أزمة السكن في العاصمة بغداد فقط". هذه النسبة تُظهر أن بغداد تحولت إلى بؤرة ضغط عمراني، بينما تفاوتت نسب الأزمة في المحافظات الأخرى. خلفيات تاريخية تعود إلى التمركز الإداري والاقتصادي في العاصمة تفسر هذا التفاوت، حيث تركزت فرص العمل والخدمات، ما دفع مئات الآلاف للنزوح نحو بغداد، في وقت عجزت فيه الدولة عن خلق توازن عمراني بين المركز والأطراف. محللون يرون أن هذه المركزية فاقمت أزمة السكن بدل أن تُسهم في توزيعها بشكل متوازن.
ويزداد المشهد قتامة مع الجانب الاقتصادي للمشاريع الاستثمارية، حيث تشير عبد المطلب إلى أن "المشاريع الاستثمارية خلال السنوات الماضية كانت محدودة بالفئة الميسورة، حيث تراوحت أسعار الوحدات بين 150 و400 مليون دينار، سواء العمودية أو الأفقية، ولم تفِ باحتياجات غالبية المواطنين". هنا يصبح الاستثمار جزءًا من المشكلة لا الحل؛ إذ انحصر في خدمة الطبقات المقتدرة ماليًا، بينما تُركت غالبية العراقيين، خصوصًا أصحاب الدخل المحدود، خارج معادلة الاستفادة. مختصون في الاقتصاد العمراني يعتبرون أن هذا الانحراف يعكس اختلاط السياسة بالربح التجاري، حيث فُضّلت العوائد المالية على حساب العدالة الاجتماعية.
اللافت في حديث عبد المطلب هو تحديدها مسارًا للحل عبر "اعتماد مبادرة المدن الجديدة وفق إطار السكن الاقتصادي"، مؤكدة أن "85% من أزمة السكن تخص ذوي الدخل المحدود والفقراء، وهم الشريحة الأكثر حاجة للوحدات السكنية حالياً". هذه النسبة تمثل مفتاح الفهم الحقيقي للأزمة؛ فجوهرها ليس غياب السكن ككمّ، بل غياب السكن الموجه للفئات الأشد حاجة. مراقبون يرون أن معالجة الأزمة تستلزم انتقال الدولة من الاعتماد على السوق إلى تبني سياسات إسكان اجتماعي مستدام، تعكس مفهوم "الحق في السكن" لا مجرد "فرصة استثمارية".
ومع ذلك، غير معروف لغاية الآن، هل تمتلك الدولة القدرة على التحول من مرحلة الاعتراف بالأزمة إلى وضع سياسات حقيقية تُترجم إلى وحدات سكنية ميسورة التكلفة؟ أم أن أزمة السكن ستظل عنوانًا للأزمات المتراكمة، يتكرر على لسان السياسيين من دون أن يجد طريقه إلى الحلول الفعلية؟ هذا السؤال، برأي محللين، سيبقى اختبارًا حاسمًا لجدية الدولة في تجاوز إرث الفشل المتراكم.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
بغداد اليوم – نينوى أكد الصحفي الأيزيدي سامان داود، اليوم الاربعاء (3 أيلول 2025)، أن "الديانة الإيزيدية لا علاقة لها بالشيطان إطلاقاً، فهذا المفهوم أُدخل ضد الإيزيديين عبر قرون من سوء الفهم والعداء والتأويل الخاطئ للنصوص الدينية". وقال داود في