سياسة / ملفات خاصة أمس, 21:42 | --


حين يُصبح الحياد مغامرة.. بغداد ورهان الدبلوماسية في زمن الحرب وتحولات الشرق الأوسط

بغداد اليوم - بغداد

في منطقة لا تعرف الاستقرار طويلًا، يتجدّد السؤال في كل مرة تقف فيها المنطقة على أعتاب صراع: أين يقف العراق؟ هل يمكن لدولةٍ ما زالت ترتّب بيتها الداخلي أن تكتفي بالحياد بينما يتصاعد دخان الحرب بين جيرانها؟ وهل يمكن للدبلوماسية وحدها أن تحمي بلدًا تحوّل مرارًا إلى ساحة للآخرين؟

الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية علي ناصر، يضع أمام "بغداد اليوم" رؤيةً دقيقة لموقع العراق في حال تجدّدت الحرب في الشرق الأوسط، مستندًا إلى الواقع الداخلي المعقّد، والفرص الممكنة للخروج من خنادق التبعية والانكشاف الأمني.


تحولات داخلية أربكت ثبات المواقف
يبدأ ناصر بالتشديد على أن "العراق لا يشبه بقية دول المنطقة في طبيعة تكوينه السياسي"، موضحًا أن النظام الديمقراطي وآليات تشكيل الحكومة من خلال البرلمان والكتلة الأكبر ورئاسة الوزراء، تجعل من السياسة العراقية متغيّرة بطبعها، بل "تتبدّل بعد كل انتخابات، خصوصًا فيما يخص السياسة الداخلية المتأرجحة تحت وطأة الخلافات المتكررة".

ويشير إلى أن هذا التقلّب السياسي ينسحب على الموقف الخارجي أيضًا، إذ يصعب الالتزام بخط استراتيجي ثابت ما دام القرار موزعًا بين أطراف متعددة، ويغيب عنه الإجماع الوطني. لكن في المقابل، يرى أن جولة الصراع الأخيرة بين إيران وإسرائيل، أفرزت تطورًا لافتًا في الساحة العراقية، تجلى في "صمت عدد من السياسيين الذين كانوا سابقًا يؤججون التصعيد بتصريحاتهم، ما ساعد الحكومة على ضبط الإيقاع الدبلوماسي الداخلي والخارجي بهدوء أكبر".


بين نار الحرب وباردة الدبلوماسية
وعن احتمالية تجدّد الصراع في المنطقة، يرى ناصر أنه "أمر وارد جدًا، فالشرق الأوسط لا يهدأ طويلًا". ومن هذا المنطلق، يحذر من أن العراق لا يملك البنية العسكرية أو التكنولوجية التي تؤهله لخوض صراعات متطورة، بل "هو في موقع العاجز ميدانيًا، والمُطالب بالمرونة سياسيًا".

ويتابع: "الاستثمار في الدبلوماسية هو الخيار الأكثر واقعية، خصوصًا وأن الحرب الحديثة لا تُخاض بالسيوف أو الجيوش التقليدية، بل بالتفوق التقني، والطائرات المسيرة، والحرب الإلكترونية، وهي مجالات لا يمتلك العراق فيها بنية متطورة". لهذا يدعو إلى تبنّي سياسة خارجية هادئة ومتوازنة تعزز مكانة العراق الإقليمية وتقلل من انكشافه لأي تصعيد مرتقب.


الحياد ممكن... لكن ليس دائمًا
يؤكد ناصر أن "الحياد لم يعد حلًا كافيًا في جميع الظروف، لكنه يبقى الخيار الأنسب حاليًا ما دام العراق يفتقر إلى أدوات المواجهة الشاملة". وبرأيه، فإن الحياد الذكي لا يعني الوقوف على الهامش، بل استثمار الموقع الجيوسياسي للعراق كـ"جسر تواصل" بين الخصوم، وهو ما يتطلب دبلوماسية أكثر احترافًا وقراءة أعمق لموازين القوى.

ويضرب مثالًا بتجارب دول مثل إندونيسيا وماليزيا، التي استطاعت أن تحافظ على استقرارها السياسي من خلال الحياد الذكي، وربط أمنها الداخلي بالاستثمار الخارجي، وليس بالقوة العسكرية. ويضيف أن "العراق في وضع أفضل من تلك الدول من حيث الموارد والموقع، ويمكنه أن يستفيد من تجربتها لبناء نموذج مختلف يستند إلى الاستثمار كأداة للحماية لا السلاح".


الحياد العراقي بين النظرية والتطبيق
شهد العراق خلال العقود الماضية موجات من الانحياز والصراع والحياد المؤقت. ففي الثمانينات خاض حربًا مباشرة، وفي التسعينات انكفأ على نفسه، ثم بعد 2003 أصبح مسرحًا لمعارك الآخرين. وبعد العام 2019، بدأت الحكومة العراقية تتحدث عن "سياسة التوازن" لكنها لم تصل بعد إلى استراتيجية واضحة تترجم هذه الرؤية على الأرض، خصوصًا في أوقات الأزمات.

وبينما أعلن العراق مرارًا رفضه الانخراط في "محاور"، إلا أن الانقسام الداخلي، ونفوذ القوى غير الرسمية، واستمرار التدخلات الخارجية، جعلت من هذا الحياد موقفًا هشًا سرعان ما يُختبر بأي تصعيد في المنطقة.


بين الممكن والمأمول... العراق بحاجة إلى دبلوماسية طوارئ
يوضح كلام علي ناصر أن العراق أمام فرصة، لكنها ضيقة، لمراجعة موقعه الإقليمي، وترميم أدواته الدبلوماسية، بدل الوقوع مرة أخرى في فخ "الحياد المتفرّج" الذي لا يحميه من العواصف ولا يمنحه احترامًا من اللاعبين الإقليميين.

الوقت لم يعد يسمح بالانتظار. فمع كل صراع جديد في المنطقة، يصبح العراق أقرب إلى لحظة الحقيقة: إما أن يبني قدراته ويُحسّن موقعه عبر الاستثمار والعلاقات الذكية، أو أن يبقى في دائرة التهديد المستمر، يُستخدم كورقة على طاولات لا يجلس عليها أصلًا.

المصدر: بغداد اليوم + وكالات 

أهم الاخبار

تقارير تكشف عن منشأة جديدة أكثر تحصيناً من فوردو

بغداد اليوم- متابعة اليورانيوم الإيراني المخصب المختفي لا يزال يقلق أمريكا وإسرائيل على حد سواء، هذا ما أشارت إليه العديد من التقارير الاستخباراتية إلى جانب صور الأقمار الصناعية التي أظهرت نشاطا غير معتاد لشاحنات قرب منشأة فوردو قبل الهجمات الأمريكية

أمس, 23:55