محليات / ملفات خاصة أمس, 20:30 | --


تلوث وعواصف ومدن غير صالحة للعيش.. العراق على خارطة الخطر العالمي "بيئيا"

بغداد اليوم - بغداد

في وقتٍ تتسابق فيه الدول لإعلان خطط المناخ، يجد العراق نفسه محاصرًا بين عواصف الغبار ومواسم الجفاف وهشاشة السياسات البيئية. ورغم التحذيرات المتكررة من المؤسسات الدولية والمحلية بشأن تدهور الأوضاع المناخية، فإن البلاد ما زالت تتحرك بخطى ثقيلة نحو هاوية بيئية، تكشفها السماء الرمادية فوق بغداد، والفرات المتقلص في الجنوب، والأهوار التي تحولت إلى أرض يباب.

وفي هذا السياق، يوجّه مرصد "العراق الأخضر" إنذارًا جديدًا، قد يكون الأخير قبل الانهيار الكامل، مؤكّدًا أن العراق يتجه ليكون أول المتضررين من تغيّرات المناخ على مستوى المنطقة، نتيجة ضعف الاستجابة الحكومية وتراكم الإهمال في إدارة الموارد والبيئة.

وفي تحذير يُعدّ من أخطر ما صدر بشأن مستقبل العراق البيئي، أكد عضو المرصد، عمر عبد اللطيف، في حديث خصّ به "بغداد اليوم"، أن "العراق بات من ضمن أكثر خمس دول متأثرة بالتغيّر المناخي"، مشيرًا إلى أن البلاد تتجه بسرعة نحو كارثة بيئية، في وقت تتحرك فيه الجهات المسؤولة ببطء لا يتناسب مع حجم التهديد.

ويقول عبد اللطيف إن "المشكلة لا تكمن فقط في التصنيف الدولي، بل في تفاقم الوضع عامًا بعد عام"، لافتًا إلى أن "المؤشرات المناخية تزداد سوءًا في مختلف الجوانب، من درجات الحرارة المتطرفة، إلى تراجع معدلات الأمطار، وزيادة العواصف الترابية والتلوث". وبرأيه، فإن "الأزمة خرجت من إطار التوقعات إلى واقع ملموس يهدد الحياة اليومية للعراقيين".

ويُضيف: "خلال السنتين الأخيرتين، ظهرت ملوثات خطيرة بشكل كبير في العاصمة بغداد، حتى أصبحت مدينة غير صالحة للعيش من الناحية البيئية". ويوضح أن "الهواء بات محمّلًا بغبار العواصف وعوادم المولدات والانبعاثات الصناعية، دون وجود أي تحرك حكومي واسع لوقف هذه الظواهر أو تنظيمها".

أما عن الجفاف، فيشير عبد اللطيف إلى أن "مناطق الفرات الأوسط تعيش وضعًا خطيرًا جدًا، فالجفاف تمدد فيها بشكل غير مسبوق"، محذرًا من أن استمرار هذا الحال سيؤدي إلى موجات نزوح جديدة، وربما تهدد مستقبل الزراعة كليًا في تلك المناطق.

ويتابع عضو المرصد أن "الخطط الحكومية لمواجهة التغيّرات المناخية وضعت لتستمر حتى عام 2025، لكننا على أعتاب دخول العام الأخير دون أن نلمس أي معالجات حقيقية أو شاملة"، ويصف الخطوات الحالية بأنها "معالجات خجولة جدًا، تفتقر للجرأة والرؤية".

وفي ما يتعلق بأزمة المياه، ينتقد عبد اللطيف الصمت الدبلوماسي تجاه الدول المتحكمة بمصادر العراق المائية، مبينًا أن "الحكومة العراقية لم تبادر بأي تحرك جاد تجاه تركيا أو إيران، وحتى سوريا بدأت مؤخرًا بخفض تدفق المياه، مما ينذر بصيف قاسٍ قادم".

تاريخيًا، كان العراق يُعرف بـ"أرض السواد" لكثرة نخيله ووفرة مياهه. لكن بعد عقود من الحروب، والحصار، والإهمال، وسوء إدارة الموارد المائية، تحولت السهول إلى أراضٍ جافة، وبدأ التصحر يزحف شمالًا، فيما فشلت الحكومات المتعاقبة في وضع استراتيجيات طويلة الأمد لمواجهة الأزمة.

وبين عامي 2015 و2025، زادت نسب الجفاف بنسبة تجاوزت 30%، وفق تقارير أممية، وانخفضت حصة الفرد من المياه بنسبة كبيرة، بينما ارتفعت درجات الحرارة بمعدل 2 درجة مئوية فوق المعدلات العالمية، ما ضاعف من خسائر الفلاحين ورفع نسب الأمراض التنفسية.

ويؤكد عضو مرصد "العراق الأخضر"، أن "المعركة المائية لا يمكن كسبها عبر الشكوى فقط، بل تحتاج إلى أوراق ضغط اقتصادية وسياسية واضحة"، ويشدد على أن "استمرار العجز في هذا الملف قد يُحوّل الجنوب العراقي إلى منطقة طاردة للحياة".

أما العواصف الترابية، فيقول عبد اللطيف إنها "ليست ظاهرة طبيعية عابرة، بل نتيجة مباشرة لغياب الحزام الأخضر وتأخير المشاريع البيئية الكبرى"، مذكّرًا بأن "مشروع زراعة الأشجار ومصدات الرياح، الذي طُرح منذ 2010، ما زال مجرد فكرة لم ترَ النور، رغم أنه كان كفيلًا بكبح الكثير من الأضرار الحالية".

وفي ختام حديثه، يدعو عبد اللطيف إلى تحرّك سريع واستثنائي، قائلًا: "إذا لم تتحرك الحكومة وتتعامل مع الملف البيئي باعتباره أولوية قصوى، فإن العراق لن يكون فقط متضررًا من التغيّر المناخي، بل سيكون الضحية الأولى له في المنطقة".


ما لم يُحسم بيئيًا سيُحسم اجتماعيًا وسياسيًا
البيئة ليست مجرد قضية فرعية، بل عامل وجودي في استقرار أي دولة. وفي العراق، تحوّلت الأزمة البيئية من ملف إجرائي إلى خطر يمس الأمن الغذائي، والنزوح السكاني، والصحة العامة، وربما مستقبل الدولة بأكملها. وإذا لم يتم وضع خطط إنقاذ عاجلة تتجاوز البيروقراطية، وتعتمد على التمويل المستدام والتحرك الإقليمي، فسيجد العراق نفسه خلال سنوات قليلة أمام كارثة مناخية شاملة تتداخل فيها أزمات الجفاف، والتصحر، والاختناق الحضري، والتدهور الزراعي، في مشهد قد لا يُمكن إصلاحه لاحقًا.

المصدر: بغداد اليوم + وكالات 

أهم الاخبار

تقارير تكشف عن منشأة جديدة أكثر تحصيناً من فوردو

بغداد اليوم- متابعة اليورانيوم الإيراني المخصب المختفي لا يزال يقلق أمريكا وإسرائيل على حد سواء، هذا ما أشارت إليه العديد من التقارير الاستخباراتية إلى جانب صور الأقمار الصناعية التي أظهرت نشاطا غير معتاد لشاحنات قرب منشأة فوردو قبل الهجمات الأمريكية

أمس, 23:45