بغداد اليوم - متابعة
في الثالث من تموز/يوليو 2024، غادر داود يوحنا (72 سنة) مع أفراد عائلته فضلاً عن باقي سكان قرية (ميسكا) بقضاء العمادية (70 كلم شمال شرقي دهوك)، منازلهم وتركوا مزارعهم التي تشكل مصدر دخلهم الأساسي، بعد أن تحولت قريتهم الى ساحة قتال بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والقوات التركية المنتشرة في محيط القرية، واحترقت بسبب ذلك مزارعهم وتضررت العديد من البيوت.
“مرت نحو سنة على رحيلنا، قضيناها في ظروف سيئة، ومازلنا نعيش على أمل العودة”، يقول داود بصوت خفيض متقطع، معربا عن أمله في ان تنهي عملية السلام التي اعلن عن اطلاقها في آذار/ مارس 2024 وقرار حزب العمال الكردستاني في 12 أيار /مايو 2025 بحل نفسه وانهاء الكفاح المسلح، وبالتالي انهاء الحرب التي تتواصل منذ 41 سنة.
منظمة فرق صناع السلام المجتمعي (CPT) التي توثق الانتهاكات في المنطقة، ذكرت بعد شهر من اعلان عملية السلام، ان الجيش التركي لم يوقف هجماته بل زاد من وتيرتها وبنسبة (78%) خلال نيسان/ أبريل مقارنة بشهر آذار/ مارس، حيث شن 210 هجوما خلال الشهر الأخير على مواقع في اقليم كردستان ، تركزت معظمها في محافظة دهوك.
يستذكر داود، ساعاته الأخيرة في القرية التي قضى عمره فيها: “في تلك الليلة، تناولنا العشاء كالمعتاد، بعدها سمعنا صوت اطلاق نار من أسلحة مختلفة ومن ثم تحليق للطائرات، ودار قتال داخل القرية وفي محيطها طوال ساعات، كان يشتد ويخف بين فترة وأخرى، حاولنا الخروج من بيوتنا لكننا لم نستطع فأي تحرك لنا كان يُمكن ان يُستهدف ويتسبب في قتلنا”.
يضيف:”لم نتمكن من النوم حتى الصباح، كان الأطفال يصرخون. وفي ساعات النهار مع توقف الاشتباكات خرجنا باتجاه مدينة دهوك، دون أن نحمل أي شيء معنا. استأجرنا منزلا على أمل العودة سريعاً لكن مرت سنة على ذلك”.
في ذات الفترة، امتدت المعارك الى اربعة قرى أخرى واجبر سكانها على اخلائها، ثم ارتفع الرقم بعد اسابيع الى تسعة قرى، حيث اعتبرتها القوات التركية التي توغلت في عمق اقليم كردستان العراق لمسافة 30 كلم، مناطق أمنية عسكرية محرمة على المدنيين، لتلتحق تلك القرى بعشرات سابقة هجرها سكانها خلال السنوات الثلاثين المنصرمة.
تظهر إحصائيات منظمة فرق صنع السلم المجتمعي (CPT) إلى أن الحرب بين تركيا والعمال الكردستاني، أسفرت عن إخلاء 183 قرية في إقليم كردستان بالكامل (107 في دهوك، و65 في أربيل و8 في السليمانية، و3 في سنجار). وتشير الى ان هنالك 602 قرية مهددة بالإخلاء، فيما منعت الحرب منذ العام 1991 من إعادة إعمار 405 قرية أخرى.
والأكثر تضرراً من هذا الصراع هي قرى محافظة دهوك فتأثرت 527 قرية في المحافظة، وتأتي بعدها محافظة أربيل بـ 415 قرية متضررة، ثم محافظة السليمانية بـ233 قرية، تضاف إليها 15 قرية تابعة لقضاء سنجار.
وتحصي (CPT) سقوط 721 مواطناً مدنياً ضحية لعمليات القصف التركية، منذ كانون الثاني 1991، توفي منهم 353 وجرح 368 آخرين.
ووفق مجموعة الأزمات الدولية، خلفت الحرب بين تركيا والعمال الكردستاني، أكثر من 7000 ضحية، للفترة الممتدة بين تموز 2015 وكانون الثاني 2025، بينهم 646 مدني، و1494 عسكري ورجل امن تركي، و4786 من حزب العمال الكردستاني، 226 شخصا لا يعرف الجهة التي ينتمون اليها.
هل يبقى حلم العودة مستحيلا بعد 40 عاما من العنف، وفي ظل استمرار سياسات التمدد والهجمات العسكرية اليومية التركية؟
حزام امني متسع
حتى حزيران/يونيو2024، ظلت قرية ميسكا التي يقطنها المسيحيون، والتي تتبع ناحية كاني ماسي بقضاء العمادية، آمنة ويقوم سكانها بإدارة حقولهم الزراعية وأعمالهم، قبل ان تتوسع العمليات العسكرية وتصل نيران القوات التركية الى حدود القرية ليطال القصف محيطها وحقولها الزراعية.
يقول داود: “كان لدينا بستانان كبيران يضمان اشجار التفاح والجوز والعنب، فقط أشجار التفاح كانت تقدر بنحو ألف شجرة، شكلت ثمارها مصدر رزقنا الأساسي، لكن الكثير منها احترق مع الاشتباكات وصارت رماداً خلال المعارك.. الآن لا نعرف شيئا عن مصير البقية منها”.
قام الجيش التركي في النصف الأول من العام 2024 بتوسيع دائرة عملياته العسكرية وشق مزيد من الطرق العسكرية الى قمم الجبال والمواقع الحيوية التي حددها لإقامة مزيد من النقاط الأمنية فيها، مع استقدام حشود عسكرية جديدة ونشرها في المواقع المطلة على قرى ناحية كاني ماسي والعديد من سلاسل الجبال بقضاء العمادية.
وواصلت الحكومة التركية، خلال السنوات الست الأخيرة، اقامة ما تسميه بـ”الحزام الامني” داخل الأراضي العراقية بحجة حماية حدودها من هجمات حزب العمال الكردستاني، ووفق ذلك توغل الجيش التركي بأسلحته الثقيلة والمتوسطة وعلى طول الحدود، الى عمق يزيد عن 15 كلم داخل أراض إقليم كردستان، وشن هجمات مكثفة على ما يفترض انها مواقع لحزب العمال، وحول مئات الكيلومترات المربعة الى مناطق أمنية محظورة على المدنيين.
في حزيران/يونيو 2020 بدأ الجيش التركي، سلسلة جديدة من عملياته على طول الحدود العراقية، تحت مسمى (مخلب النمر) و(مخلب النسر)، ثم (مخلب النسر2) في شباط/فبراير 2021 ووصل في بعض النقاط الى عمق 30 كيلومترا، واستمرت العمليات في الأعوام 2022 و2023 وهو ما أدى الى نزوح سكان عشرات القرى خاصة في حدود قضاءي زاخو والعمادية.
وفي تموز/يوليو 2024 أجبر سكان أربع قرى هي (ميسكا، تيشامبيكى، دارجال، شيلازا) على مغادرتها، وفي الأسابيع اللاحقة اخليت قريتا (مژی، و گرگاشى) بعد أسابيع من الاشتباكات المتقطعة بين حزب العمال والجيش التركي، والتي أدت الى احتراق مئات الدونمات من الحقول الزراعية وتهدم العديد من المنازل داخل تلك القرى.
يقول المزارع (ش.م) :”كانت قذائف المدفعية التركية تطال المنازل والحقول الزراعية بشكل يومي إما ردا على نيران لحزب العمال او لتحذير السكان المدنيين من الاقتراب من النقاط العسكرية التركية، تلك النيران تسببت بحرق عشرات البساتين التي تضم اشجار الفاكهة التي تشتهر بها المنطقة”.
ويضيف:”تكررت الاشتباكات وعمليات القصف، وصارت القوات التركية تستهدف المزارعين ممن يقصدون حقولهم في محيط القرى، وقعت اصابات خطرة، وفي النهاية غادرنا وتركنا كل شيء وراءنا”.
مصدر في الحركة الآشورية، وهي احدى الحركات السياسية المسيحية، ذكر ان العديد من القرى المسيحية كما المسلمة طالها القصف وباتت ضحية للعمليات التركية، وقال: “خلال آخر موجة من الاشتباكات تم تحذير سكان قرية ديري من البقاء في القرية ليلاً، قيل لهم فقط يحق لكم البقاء فيها من الصباح حتى الساعة الخامسة مساءً” وهذا يضع السكان تحت ضغط نفسي يدفعهم للنزوح. قبل ان تهدأ الأمور وتعود الحياة نسبيا الى طبيعتها.
ويضيف:”بشكل عام نقوم بتحذير السكان بعدم الخروج من منازلهم ليلاً، إلا في حالة الطوارئ القصوى، ونشدد على تجنب الطرق الفرعية واعتماد الطرق الرئيسية في تنقلاتهم، وحتى عدم الإبتعاد على أطراف الطرق الرئيسية لكي لا يتم استهدافهم”.
خسائر مادية.. نزوح وهجرة
اشتهرت محافظة دهوك طوال القرن الفاءت بقراها الزراعية التي تنتج مختلف انواع الفواكه وتمد بها باقي مناطق العراق، وكانت تشكل المصدر الرئيسي لمعيشة السكان، لكن العقود الثلاث الأخيرة تغيرت الصورة تماما، نتيجة الحروب ونزوح السكان، فتحولت دهوك من منطقة منتجة الى مستهلكة.
ميسكا، واحدة من أقدم قرى المنطقة، كانت تضم عدداً كبيرا من العائلات، حسب مختار القرية أديب مصطفى، الذي يقول:”قبل عقدين من الزمن كانت هناك حوالي 500 عائلة تعيش في القرية معظمها مسيحية، تراجع العدد في السنوات الأخيرة ولم يبق في القرية سوى 11 عائلة مسيحية فقط”.
يضيف:”عشرات القرى تم إخلاؤها في السنوات المنصرمة، بسبب الاشتباكات المسلحة التي دمرت الحقول الزراعية والبساتين، ما أدى الى قطع مورد المعيشة الأساسي للسكان”.
ويقدر مصطفى، عدد البساتين التي طالتها النيران واحترقت بنحو كامل او جزئي في قرية ميسكا وحدها، بما لا يقل عن 50 بستانا، غالبيتها مزروعة بالتفاح، والخوخ، والجوز والسماق، ومنتجات أخرى، وبمساحات تعادل خمسة دونمات لكل بستان.
يتابع وهو يرفع كلتا يديه:”حتى الكنيسة الوحيدة في القرية تضررت من الاشتباكات والقصف، حيث لحقت أضرار بالأبواب والنوافذ ومقاعد المصلين، ولم تعد صالحة للعبادة وتحتاج الى اصلاحها وتجديدها مرة أخرى، اذا عاد السكان”.
يؤكد تلك المعلومات، يوسف ايشو، عضو قيادة الحركة الآشورية في العمادية، قائلا “خلال الاشتباكات وقبل مغادرة القرية نهائياً، أحترقت أربعة منازل مسيحية ولحقت أضرار جسيمة بالكنيسة، كما احترقت مساحات كبيرة من البساتين والأراضي الزراعية”.
يبدي (ح.ش) مثل غالبية نازحي سكان قرى منطقة العمادية، رغبته السريعة في العودة إلى قريته، لكنه يشك بانتهاء المعارك بشكل نهائي وامكانية توصل حزب العمال الكردستاني مع تركيا الى سلام دائم يسمح لهم بالعودة.
يقول:”نأمل ان نعود، هناك تكمن حياتنا، بيوتنا ومصدر معيشتنا، لكن العديد من قرى المنطقة مثل تيشامبيكي وبازي ودرگلي وبليزاني وشيلازا، اصبحت ساحات اشتباك، وهي تتعرض بشكل شبه يومي للقصف، اي شخص يريد العودة اليها تصبح حياته مهددة في ظل التواجد التركي، لذلك عودتنا مستحيلة”.
خلال 35 سنة، ونتيجة لتكرار العمليات العسكرية التركية التي تحولت في السنوات الأخيرة الى سيطرة مباشرة على مناطق واسعة، رُحلت مئات الأسر المسيحية عن قراها في قضاءي العمادية وزاخو، حيث كانت تعيش لمئات السنوات الى جانب المسلمين، غالبيتهم هاجروا إلى أوروبا فيما استقر البعض في مناطق أخرى خاصة مراكز المدن.
العمليات العسكرية التركية، وعدم اتخاذ أنقرة أية خطوات عملية لانهاء الصراع، بدءا بالافراج عن السجناء السياسيين الكرد وعلى رأسهم رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرتاش، وتخفيف القيود على زعيم العمال الكردستاني عبدالله اوجلان، تعني ان عملية السلام لم تنطلق فعليا وبالتالي فان عودة سكان قرى العمادية وزاخو تبدو مستحيلة.
وهذا ربما دفع المتحدث باسم العلاقات الخارجية في حزب العمال زاكروس هيوا، الى القول ان القرارات التي تم اتخاذها في مؤتمر العمال الكردستاني لا تعني التخلي عن السلاح “بل تُعد إعلاناً لإنهاء الصراع بشكله الحالي، خاصة ان شروط السلام لم تنضج بعد، في ظل استمرار الهجمات التركية”.
على الرغم من ان آلاف العوائل تضررت من العمليات العسكرية التركية، الا أن حكومة الاقليم لم تقم بمساعدة هؤلاء، بما فيهم من نزحوا في منتصف العام الماضي، بسبب ضعف امكانياتها المالية، كما لم تصدر منها مواقف معلنة تطالب فيها أنقرة بتعويض المتضررين ممن خسروا بيوتهم وحقولهم وأعمالهم.
غالبية الذين اضطروا للنزوح بين حزيران وتموز من العام 2024، يتحدثون عن خسائر بمئات آلاف الدولارات تكبدوها، فالأراضي التي عملوا على زراعتها طوال عقد من الزمن “باتت ميتة” نتيجة عدم سقيها.
يقول (م.ا) :”خسرنا كل شيء، ولم نتلق اية مساعدات او تعويضات، ولا شيء يبشر بامكانية عودتنا مع استمرار العمليات التركية .. علينا أن نؤسس لحياة جديدة بعيدا عن أراضينا”.
يقول فريد يعقوب عضو الدورة الرابعة للبرلمان وعضو قيادة الحركة الآشورية: “لدينا منظمة خيرية آشورية (مسيحية) نساعد من خلالها العائلات التي نزحت الى دهوك بسبب العمليات التركية، في السنوات الماضية أهالينا نزحوا من عدة قرى ولم يعودوا.. بالنتيجة شعبنا هو الضحية وهو من يدفع الثمن”.
وتلتزم حكومة إقليم كردستان الصمت إزاء العمليات التركية وتمددها الى مناطق قريبة من بعض المدن الرئيسية، وتهجير سكان قرى وصولا الى تهدد الحياة ببعض البلدات الكبيرة مثل شيلادزي (100 كلم شمال شرق دهوك)، في حين تكتفي الحكومة العراقية باصدار بيانات تطالب فيها تركيا بوقف انتهاكاتها للسيادة العراقية.
من جانبها، تؤكد تركيا ودون انقطاع، استمرار عملياتها داخل العراق، سواء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، او كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الذي يشددون على اكمال بناء “شريط” أو “حاجز أمني على طول الحدود داخل العراق”.
وحتى بعد اعلان حزب العمال الكردستان في مطلع أيار/مايو 2025 عن حل نفسه وانهاء الكفاح المسلح، كررت تركيا نفس خطابها بعدم ايقاف عملياتها داخل العراق “لحين القضاء على كل تهديد أمني محتمل”. وهو ما يزيد من شكوك ومخاوفهم السكان النازحين كما غالبية العراقيين بأن تركيا تخطط للبقاء في المنطقة لسنوات طويلة مقبلة، بحسب منظمات وأحزاب كردية.
ويعزز تلك المخاوف استمرار أنقرة في اقامة قواعد ومراكز أمنية وعسكرية تخطت الـ 70 قاعدة ومركزا، بعد ان كانت تبلغ 64 في العام 2022، الى جانب دعمها لوجستيا من خلال تشييد سلسلة طرق تمتد من الحدود التركية الى داخل العراق.
يقول زاغروس هيوا، المتحدث باسم العلاقات الخارجية لحزب العمال الكردستاني:”لم يُبرم أي اتفاق مكتوب أو شفهي بين الكردستاني والحكومة التركية، ما تم هو إعلان نوايا حسنة وخطوات اتخذها حزب العمال من جانب واحد، لتمهيد الطريق لحل ديمقراطي للقضية الكردية.. ما سيحدث لاحقاً يعتمد على الخطوات القانونية والسياسية التي ستتخذها الدولة التركية”.
نتائج كارثية
مع اتساع رقعة العمليات التركية واتساع مساحة المناطق التي تسيطر عليها وتخضع لقراراتها الأمنية، حرم سكان القرى الحدودية في محافظتي دهوك وأربيل، امتدادا من الحدود السورية وانتهاء بالحدود الايرانية، من العودة اليها او حتى الاقتراب منها سواء لجني ثمار بساتينهم وحقولهم أو بقصد رعي مواشيهم فيها.
يقول مدير ناحية سيدكان التابعة لمحافظة اربيل، والتي تقع في المثلث الحدودي التركي الايراني العراقي، انهم فقدوا السيطرة على نحو 45% من مساحة الناحية “بسبب القتال والمناوشات المستمرة مابين تركيا ومقاتلي حزب العمال الكردستاني”.
وبحسب إحصائيات (CPT) فإن المواجهات بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي داخل أراض إقليم كوردستان أدت إلى إخلاء 183 قرية بشكل كامل، فيما تواجه 602 قرية أخرى خطر الإخلاء، إضافة إلى تعذر إعادة إعمار نحو 400 قرية.
وتذكر منظمة (cpt) التي توثق ميدانياً الانتهاكات التركية والإيرانية، إن الأضرار التي طالت المدنيين جراء العملية التركية في كردستان العراق التي جرت بين 15 حزيران/يونيو 2024 و15 تموز/يوليو 2024، تضمنت “إخلاء 9 قرى بالكامل، وتشريد 184 أسرة، وإحراق أكثر من 68 ألف دونم من الأراضي الزراعية والغابات”.
وبحسب المنظمة، تم قصف وتدمير كنيسة واحدة، ومصنع لانتاج الراشي، ومركبة واحدة، ومصدرين لتوفير المياه، و19 منزلاً لمدنيين. مشيرة الى ان العمليات التركية أدت من بداية العام 2024 والى نهاية شهر تموز من نفس العام، الى مقتل تسعة مدنيين.
يقول جورجيس يوحنا، وهو مسيحي غادر قريته الحدودية التي تقع ضمن قضاء العمادية، منذ ثمان سنوات، وهاجر الى استراليا حيث يعيش حاليا في مدينة سيدني: “للأسف الوضع في مناطقنا بكردستان العراق يزداد سوءا يوما بعد يوم، وهو ما يدفع ما بقي من المسيحيين هناك الى الهجرة”.
ويضيف:”بسبب هذه الحرب التي لا نهاية لها، لم نفكر قط في العودة إلى وطننا، ونخطط للبقاء والاستقرار هنا بشكل دائمي”.
وتقع العديد من قرى المسيحيين في المناطق التي باتت تسيطر عليها القوات التركية، وهذا يعني استحالة العودة اليها، واذا كان المسلمون من سكان تلك المناطق يحاولون اعادة الاستقرار وبدء حياة جديدة في البلدات والمدن القريبة، فان غالبية المسيحيين النازحين من قراهم هاجروا او يخططون للهجرة الى خارج البلاد.
يحذر الناشط المسيحي، سامي بطرس، من ذلك: “نتيجة هذا الوضع سيزداد معدل هجرة المسيحيين.. أنا أعيش في قرية إينيشكي بمنطقة سرسنك، هناك اشتباكات وقذائف تسقط بين فترة وأخرى، نشعر أنه لا يوجد مستقبل لنا، لذلك أفكر مثل الآخرين بالهجرة”.
ويضيف:”إذا استمرت هذه الحرب لن يبق وجود للمسيحيين هنا، سيهاجرون جميعا إلى الخارج أو يستقرون في مدن أخرى”.
معظم هؤلاء، لم يكن يبدون في الماضي أي تفاؤل باحتمال عودتهم يوما ما الى قراهم، لكنهم اليوم يراقبون بشيء من الأمل مع الكثير من الشك، نتائج عملية السلام الجديدة المعلنة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، ويأملون استعادة الأمن وخلق أجواء تُمكِنهم من العودة في المستقبل واعادة الحياة لقراهم وحقولهم المدمرة.
عملية السلام وحلم العودة
صالح كامل، مختار قرية سرگلي، التي تتبع ناحية كانى ماسى، والتي نزح عنها سكانها، يقول: “لقد حاول اهالي قريتنا في منتصف العام 2024 العودة إلى منازلهم في القرية ولثلاث مرات متتالية، لكن الجيش التركي لم يسمح لهم بذلك”.
ويذكر بانه يستقر الان في دهوك “ليست لدينا حياة هنا، كانت لدينا بساتين وممتلكات كثيرة في القرية، لكننا هنا لا نملك شيئا.. حاولنا العودة عدة مرات لكن الجيش التركي لم يسمح بذلك، يقيمون نقاط تفتيش وأي شخص يحاول العودة للقرية يجبرونه على التراجع، والعودة من حيث أتى”.
ويضيف: “مع انتهاء المعارك هناك، تحدثنا مع السلطات المحلية المختصة حول رغبتنا في العودة، لكن هم فقط يقولون انتظروا… لكننا لا نعلم الى متى يستمر هذا الانتظار؟”.
بعد مرور اسابيع على اعلان حزب العمال الكردستاني عن حل نفسه وانهاء الكفاح المسلح، مازالت قرى محافظة دهوك القريبة من القواعد العسكرية التركية أو التي باتت خاضعة لمناطق السيطرة التركية، تتعرض لعمليات قصف، ولم تقم الحكومة التركية بأي خطوات قانونية لتغيير الدستور وتعديل قانون الارهاب او الافراج عن أربعة آلاف محكوم سياسي كردي، وهي مطالب أساسية لتحقيق السلام وفق رؤية حزب العمال الكردستاني.
وتفيد مصادر محلية كردية، بينها منظمة (cpt)، ان عدد الهجمات التركية على إقليم كردستان خلال الأسبوع الأخير من شهر أيار/ مايو بلغ 128 هجوماً باستخدام المدفعية.
المصادر تقول ان تركيا واصلت قصفها لمناطق عديدة في محافظة دهوك، بينها سفح جبل گاره مستهدفة قرى “مژێ، وکەڤنە مژێ، وسپیندارێ، وگێرگاشێ” الخالية من السكان، ملحقة اضرارا بمنازل الأهالي ومزارعهم المتروكة، كما استهدفت جبل “حەوت تەبەق” ومنطقة “بەرێ نزاركێ” التابعة لناحية شيلادزي ضمن حدود قضاء العمادية، ما أدى الى نشوب حرائق في المزارع والغابات والأحراش، كما حصل في محيط قرية “برجي”.
تلك الهجمات العسكرية الى جانب عدم اتخاذ الحكومة والبرلمان التركيين أية خطوات فعلية تدفع باتجاه انجاح عملية السلام، تضع الشكوك بشأن مستقبلها، وهو ما دفع مسؤول العلاقات الخارجية في حزب العمال الكردستاني زاكروس هيوا، الى القول أن “الحديث عن نزع سلاح الحزب سابق لأوانه، ما دامت الدولة التركية تواصل احتلالها وهجماتها في تركيا وإقليم كردستان”.
وذكر زاكروس، ان الدولة التركية “لم تتخذ الى الآن خطوات عملية، ولم تقم باية تغييرات قانونية او سياسية، وان عملياتها العسكرية المستمرة تتناقض بشكل كامل مع اي حديث رسمي عن الرغبة في السلام”.
استمرار الهجمات التركية مع عدم حصول استجابة تركية للمطالبة الكردية، سيعني في النهاية عودة المعارك، يؤكد ذلك الباحث السياسي صلاح احمد “حدث هذا في السابق، ففي العام 2015 انهارت آخر عملية سلام بين الطرفين”.
يضيف:”أي فشل جديد، سيعني تلاشي حلم عشرات الآلاف من سكان القرى الكردية بالعودة الى قراهم واستعادة أراضيهم وحقولهم، واستثمارها زراعيا وسياحيا”.
ويستدرك:”حتى مع تقدم عملية السلام، لا يعرف ما اذا كانت انقرة مستعدة للتخلي عن المناطق التي تسيطر عليها داخل العراق، أو القبول بعودة سكانها وممارسة حياتهم وان كان تحت الاحتلال التركي”.
المصدر: شبكة نيريج
بغداد اليوم- بغداد أعربت السفارة العراقية في دمشق اليوم الجمعة (6 حزيران 2025)، عن استيائها البالغ إزاء حادثة اقتحام مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني، في دمشق يوم الثلاثاء الماضي. وذكر بيان صادر عن السفارة، تلقته "بغداد اليوم"، أن