مقالات الكتاب 3-06-2025, 12:38 | --


كيف نخطو نحو المستقبل؟

كتب : فلاح المشعل

شعور الانتماء المتعصب للقبيلة أو الدين في المجتمعات الطفولية، غير الناضجة في وعيها الوطني وقيمها الحضارية، ينسحب لمساحة الأفكار والانتماء السياسي والحزبي أيضاً، وهو ما يترشح عنه تشدد يبلغ مراتب الكراهية والانتقام إزاء الآخر المختلف، وهنا تجليات صريحة لمنهج الفاشية في الحياة، وإحلال الصراعات الدموية بهدف إنهاء وجود الآخر، هيجان عدواني يديم نشاطه في مرجل عنف مفتوح على الزمن في مجتمعات متخلفة، تصرُ على المكوث في الماضي!

المجتمع العراقي بعد 2003 ونهاية نظام استبدادي، لم يشهد مرشحات تنقية وعي اجتماعي، أو أدوار لمصالحة وطنية فاعلة وحقيقية كما حدث في جنوب أفريقيا وغيرها من الدول، أو تنمية ثقافية لمفاهيم المواطنة ومعاني السلام الاجتماعي الذي يعمم شعور المواطنية، ويعيد تنظيم آليات التعايش والتشارك والتفاعل الإيجابي مع واقع التعدد والاختلاف بكونه إثراءً للمجتمع، وليس منطلقا للخلاف والاحتراب، كما يظهر لدينا عند كل حدث وطني أو مناسبة دينية أو سياسية أو تاريخية، بل وحتى رياضية.

مهيمنات التاريخ مثل الدين والقبيلة اشتقا لهما أخاديد صراعية إضافية، مثل صراع الطوائف، وصراع زعامات القبائل، وفاعلية كل منظومة صراعية وآلياتها تنشط بحسب درجة التوغل في درجات التعصب ومؤشرات الأمية والتخلف الاجتماعي، وبذات السياق فإن هذين السياقين، الطائفي والقبائلي، منقطعان عن الحاضر والمستقبل، ويتجهان عادة نحو الماضي.

أزمة تاريخيّة حقيقية تطبع البيئة الاجتماعية العراقية التي وجدناها جائعة لمفاهيم الثأر والانتقام من المختلف سياسيا وطائفيا، وهي تنذر بخطر متنام؛ لأنها تجد في البيئة الثقافية المتراجعة، وبنية السلطات الحاكمة، مناخات صالحة لنمو مطرد لتلك المشاعر عبر تراكمات تفعّلها بنحو مستمر، منهجيات المحاصصة في الغنائم والنفوذ والثروة والقوة، ما يجعل بروز روح التغالب أمراً تلقائيا وتطبيقا لمعادلة الهيمنة والبقاء للأقوى.

إن جميع استعارات المعرفة والفلسفة ومنتجات الفكر العلمي ومناهج الحداثة والدراسات الاجتماعية والسياسية، تبقى غير قادرة على إحداث تحولات اجتماعية نوعية، بل محصورة في مديات التداول الثقافي والدرس الجامعي، ولا تمس جوهر الحراكات الاجتماعية.

نحتاج في مشروع الانتقال والتغيير الاجتماعي، إضافة إلى وجود نظام ديمقراطي حقيقي، يختلف عن السائد المهجن، إلى عاملين أساسيين هما؛

تقنين العلاقة مع الدين، بما في ذلك ترشيد الخطاب الديني، وإيقاف زحف الخرافات والخزعبلات التي صارت تشتغل أكثر من الدين نفسه في عقول عامة الناس البسطاء، والأمر الآخر يتمثل بثورة فكرية سياسية تبني ثقافتها وقواعدها من خلاصات التجربة العراقية وتحولاتها خلال المئة عام الأخيرة، ثورة لا تقوم على عقائد سياسية وأيديولوجية فاقدة لصلاحية الحياة ونبضها المتجدد، بل مناهج بناء في الوعي الثقافي وتعميق فكرة المواطنية التي يشترك فيها العراقي مع العراقي الآخر بصرف النظر عن الفوارق الدينية والعرقية والطبقية، رؤية اقتصادية بانتقاء طرق اختزالية في التقدم كما حدث في ماليزيا وسنغافورة وغيرهما، مناهج تدريس حديثة، تنمية الفنون وانطلاقها، على أن تترافق جميع تلك المسارات مع مسار محايث يتمثل بالتنظيف المستمرة للذاكرة الاجتماعية من عقد الماضي وآثاره، نحن نحتاج المستقبل أكثر من الماضي.

لكن السؤال الأهم في كل ذلك، كيف نحدث مثل المتغيرات، هل نستطيع ذلك؟ وما هي الآليات؟ ومن الذي يقودها في مجتمع يرزح تحت نير الطائفية والفساد الشامل؟ أسئلة نحاول الإجابة عنها في مقالنا المقبل.

أهم الاخبار

الفيتو الأمريكي يُسقط مشروع قرار أممي بشأن غزة

بغداد اليوم – متابعة فشل مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء (4 حزيران 2025)، في تبنّي مشروع قرار جديد بشأن الأوضاع في قطاع غزة، وذلك بعد استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) لإسقاط المشروع. وجاء مشروع القرار ضمن مساعٍ أممية لوقف إطلاق النار

اليوم, 00:11