كتب: صلاح حسن بابان
بعد انتظارٍ يقارب أربعة عقود، أصبحت “حلبجة” أخيراً محافظة، لتنضم إلى 18 محافظة في البلاد وتكون الرابعة ضمن إقليم كردستان العراق.
تربعت مدينة “حلبجة” كآخر عنقود عائلة المحافظات العراقية بقرارٍ من مجلس النواب العراقي، صوّت عليه أغلب أعضائه منتصف شهر نيسان 2025، لتُمنح جزءاً من التعويض أو التكريم المعنوي عن تعرضها لواحدة من أبشع جرائم العصر الحديث، إثر قصفها بالأسلحة الكيمياوية المحرّمة دولياً عام 1988 على يد نظام البعث البائد، وكان ذلك في الأشهر الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) .
فقدت حلبجة يومها خمسة آلاف شخص من أهلها، كان جلهم أطفالاً ونساءً وشيوخ، وأصيب بين سبعة وعشرة آلاف شخص، بينما توفي آخرون في السنوات التالية للقصف، نتيجة المضاعفات الصحية والأمراض والتشوهات التي خلّفها الكيمياوي، ومازالت المدينة تُعاني، ولاسيما في تربتها وزراعتها، من آثار وأضرار ذلك القصف الوحشي.
استمّر مخاض تحويل حلبجة إلى محافظة لنحو 12 عاماً، بعد انطلاق أول الخطوات بقرار من حكومة كردستان صدر في حزيران 2013 تضمّن الموافقة على تحويلها إلى محافظة، ومن بعدها تم التصويت على ذلك في برلمان الإقليم في شباط 2015، لتصبح رسمياً محافظة ضمن نطاق الإقليم، وباتت مؤلفة من مركزها قضاء حلبجة، وأقضية: شاربازير وبينجوين وسيد صادق، بعد أن كانت جميعها مرتبطة إدارياً بمحافظة السليمانية.
واستكمل المخاض حينما شهدت الساحة السياسية العراقية عام 2013 محاولات عدة لإقرار المشروع الخاص بالمدينة، إلّا أن المساومات السياسية بين الأطراف الكردية من جهة، والشيعية والسنية من جهة أخرى، كانت أقوى من نوايا السلطة والمؤسسة التشريعية العراقية، لتبقى “حلبجة” تدور في دوامة المخاض العسير في وقت كانت تشهد فيه هجرة 200 عائلة على الأقل سنوياً، بحسب تقارير صحافية- باتجاه المناطق الأخرى بسبب تفشي البطالة، وغياب فرص العمل، والافتقار إلى المشاريع الاستثمارية والصناعية، وتراجع المستوى الاقتصادي، في ظل قلّة الدعم الحكومي وتراجع الفرص الاستثمارية والزراعية والصناعية فيها.
وبعد سنوات من التعطيل والتأجيل وسط المزايدات التي تُسيّر العملية السياسية في البلاد، كان الموعد في الجلسة البرلمانية التي شهدت محاولات عدّة من أحزاب شيعية ساومت نظيرتها الكردية لربط مشروع قانون الاستحداث، بملفات سياسية وقوانين جدلية، ولاسيما تلك التي تتعلق بقانون الحشد الشعبي وتحويل أقضية ونواحٍ ذات غالبية شيعية إلى محافظات، مثل أقضية تلعفر -أكبر قضاء عراقي- في محافظة نينوى، وطوزخورماتو في محافظة صلاح الدين، والفاو في محافظة البصرة.
كان تحويل حلبجة إلى محافظة، حدثاً نادراً في البلاد، إلا أن هنالك أمراً غير مسبوق قد حدث أيضاً، وهو تعيين السيدة نوخشه صالح، بمنصب محافظة حلبجة، وهو أمر يحدث للمرة الأولى في العراق، منذ تأسيسه بشكله الحالي قبل أكثر من قرن.
يفتح قانون الاستحداث آفاقاً جديدة أمام حلبجة، بدءاً من استحقاقات سياسية وقانونية واقتصادية واستثمارية وميزانيات مالية سنوية، وآلاف الوظائف والمناصب الإدارية والأمنية التي تبدأ من مناصب المحافظ ونائبيه ومجلس المحافظة، مروراً باستحداث قائممقاميات، ومديريات نَواحٍ، ودوائر خدمية، يكون الجزء الأكبر منها تابعاً للحكومة الاتحادية في بغداد وتخضع لإشرافها. وهو ما قد يعني مبدئياً أن النسبة المخصصة لإقليم كردستان من الموازنة السنوية ستكون أكبر من المقررة، كما ستحظى المحافظة الوليدة بحصة مستقلة من الأدوية والمشتقات النفطية التي ترسلها الحكومة الاتحادية لمحافظات الإقليم، فضلاً عن المشاريع الاستثمارية المتنوعة في مختلف المجالات.
بالمقابل، ستشهد المحافظة تصاعداً شرساً في المنافسة السياسية والاقتصادية والانتخابية؛ نظراً للامتيازات التي ستحصل عليها مُستقبلاً على مستوى الإدارة والأمن والسلطات التنفيذية والموازنات المالية، وستُقلب تلك الامتيازات كفّة معادلة الصراع السياسي والتنافس الانتخابي بين الأحزاب الكردية في كردستان، والحزبَيْن الرئيسيين بالدرجة الأساس -الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني- وستقلب معادلة الخصام الكلاسيكي “القديم” بين الحزبين من التنافس بين محافظتين خاضعتين للديمقراطي أمنياً وسياسياً واقتصادياً وهما أربيل ودهوك، مقابل السليمانية الخاضعة وحدها لنفوذ الاتحاد الوطني، إلى معادلة جديدة تتضمن التنافس بين أربيل ودهوك من جهة، تحت سلطة الديمقراطي، تواجههما في جبهة مقابلة محافظتا السليمانية وحلبجة، تحت نفوذ الاتحاد الوطني.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، ستتحول حلبجة أيضاً إلى ساحة صراع ونفوذ إقليميين ودوليين، وليس ذلك بمحل استغراب، فهذا هو واقع محافظات ومناطق كردستان قاطبةً، المنقسمة بين التمدد العسكري التركي، والنفوذ السياسي الإيراني، ولاسيما أن هناك حدوداً تجمعها بإيران، ناهيك عن أنها تعدّ نقطة استراتيجية للتبادل التجاري بين البلدين بامتلاكها موقعاً جغرافياً مميزاً، والعديد من المعابر والمنافذ الحدوية المترابطة مع الجمهورية الإسلامية مثل منفذي “شوشمي- تويله” و”بشته”، وتقع فيها أيضاً مناطق سياحية يمكن أن تتحول إلى مراكز تخدم قطاع السياحة في العراق في حال تم توظيفها بالشكل الصحيح، وأبعدت عن الفساد السياسي.
وأمام كل الإيجابيات والامتيازات التي ستُمنح لحلبجة بعد تحويلها إلى محافظة مستقلة، يجب ألا نتجاهل احتمالية أن تظهر “نقطة سوداء” في نهاية النفق يمكن أن تؤدي إلى إطفاء النور عن الطريق لاحقاً، وهي أن المحافظة الوليدة والمناطق المحيطة بها مثل “تويله وبياره” كانت بين عامي 2000 و2003 معقلاً حيوياً للجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرّفة مثل “أنصار الإسلام، وأنصار السنة، وتنظيم القاعدة” وجماعات أخرى قريبة من عقيدة تنظيم “داعش” الإرهابي. وخاضت إثر ذلك قوات الاتحاد الوطني الكردستاني لسنوات طوال معارك طاحنة مع تلك الجماعات إلى أن طردتها منها، إلّا أن كل الحملات العسكرية والإجراءات الأمنية المتبعة من الأجهزة الأمنية الكردية طيلة تلك السنوات، لم تستطع القضاء على الفكر المتطرّف في تلك المناطق ولاسيما مع سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة من البلاد عام 2014، حيث انضم العشرات من شباب تلك المناطق إلى صفوف التنظيم المتطرّف، فضلاً عن كشف الأجهزة الأمنية الكردية خلايا نائمة موالية للتنظيم في تلك المناطق.
كما وأنه ليس ببعيد أن تستغل دول إقليمية “السمة التاريخية” لحلبجة، وتحولها إلى “نقطة استثمار” كبيرة لصالحها بإحياء وتغذية ودعم تلك الجماعات المتطرّفة في حال تضاربت مصالحها السياسية والاقتصادية مع سياسة الإقليم من أجل زعزعة أمنه واستقراره، كما تفعل في سوريا ولبنان واليمن، أو أن تستخدم كورقة ضغط وتهديد من دولٍ غربية على إيران.
المصدر: نيريج
بغداد اليوم- متابعة كشف مكتب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في بيان، اليوم الأحد، (18 أيار 2025)، أنه تم تشخيص إصابته بسرطان البروستات مع انتشاره إلى العظام. وأضاف، أن بايدن وأفراد أسرته يدرسون خيارات العلاج، وفق رويترز. وكان قد تم فحص بايدن من جانب