آخر الأخبار
الداخلية تعلن القبض على قتلة طبيب الأسنان المتقاعد فيصل الحويزي انتشار أمني كبير بمنطقة الفضيلية في بغداد ​انتهاء منخفض "مسك".. العراق يتأثر بحالة جوية جديدة تصاحبها الأمطار مشروع يعيد اشجار العراق "المهاجرة" بـ 100 الف شتلة بعد البتاوين.. الداخلية تنفذ حملة أمنية في 3 مناطق جديدة ببغداد

أبعاد ٳخراج القوات الٲمریكیة من العراق

مقالات الكتاب | 17-02-2024, 16:48 |

+A -A

كتب د. عدالت عبدالله


قرار إخراج الأميركيين من العراق ليس سهلاً، ولا يجب أن يكون انفعالياً، أو صادراً بفعل ظروف استثنائية أمنية. قرار كهذا يبدو للكثير ممن لا يمكن تزييف وعيهم عبر خطاب فضائيات الجماعات المسلحة، بمثابة العبث والمجازفة بمصيير البلد والعراقيين جميعاً. هذه البداهة السياسية يعيها الكثير من الساسة في العراق، ولكنهم يتجنبون التعبير عنها خوفاً من فقدان الدعم السياسي الذي يتلقونه من جهات أجنبية ضمن تمسكهم التقليدي بمبدأ الاستقواء بالخارج.

مقاطعة نواب الكرد والسنة لجلسة البرلمان العراقي الخاصة بهذا الملف، هي، على أقل تقدير، مجد لأكثر من سبب، أهمه منع التهور السياسي وعقلنة القرارات المصيرية في هذه المؤسسة الاتحادية. كما أنَّ هذه المقاطعة تمنح فرصة للجميع للتأني والتمهل وقراءة السيناريوهات المحتملة والتداعيات المتوقعة والناتجة عن مثل هكذا قرار، لا سيَّما أنَّ لجاناً متعددة تتبع مجلس النواب، يُفترض أساساً أن يكون أعضاؤها من المتخصصين في مجالات سياسية واستراتيجية واقتصادية وأمنية، ومن القادرين على تجاوز لغة البيانات "المعلبة" والهتافات الاستفزازية والمؤتمرات الصحفية الارتجالية، والترقي إلى مستوى إجراء دراسات مستفيضة حول هذا الملف وتعقيداته وأبعاده المختلفة بالتنسيق مع مراكز الأبحاث الوطنية.

كما يتعين على لجان البرلمان ونوابه أن يتعاطوا مع مثل هذه الملفات بمنطق التفكير الاستراتيجي المتعمق والمُتجَرّد تماماً من الهواجس الأيديولوجية والشعارات الجهادية، وأن يضعوا مصلحة البلد العليا فوق جميع المصالح الثانوية، ويجسدوا بمهنية عالية إرادة الدولة وكافة مكونات المجتمع العراقي، وليس الخضوع والتسويق لأجندات سياسية ظهر لنا - من خلال التطورات والتحركات الميدانية الراهنة وعدم تنفيذ القرارات النيابية السابقة في هذا الشأن - بأنها لا تعبر حتى عن حقيقة موقف مكون ما من مكونات المجتمع، ولا عن معظم الأطراف السياسية المعروفة برفضها التقليدي للوجود الأجنبي على الأراضي العراقيَّة.

من جانب آخر، دعك اليوم من موقف الكرد والسنة وممثليهم السياسيين من هذا الملف، ينبغي على الساسة الشيعة أنفسهم، لا سيما القادة في الإطار التنسيقي، التفكير في هذه القضية بحذر ومن باب افتراض أن يكون ثمة مشروعاً ما لإفقاد هيمنتهم السياسية على البلاد تدريجياً ومن خلال وضع فخ لتوسع الهوة بينهم وبين القوى السياسية المُمَثلة للمكونات الأخرى للمجتمع العراقي، وبالتالي إثارة فتن جديدة تهز لنا مجدداً دعائم وحدة البلاد أرضاً وشعباً، المتمثلة في سيادة الحوار الوطني والتوافق والتفاهم بين أطراف العملية السياسية.

كما على القادة السياسيين في الإطار التنسيقي مقاربة المشهد وتطوراته بنظرة استراتيجية سياسية واقتصادية وأمنية واسعة، وتقدير الأحداث واقعياً ومن موقع المسؤولية الوطنية، وأخذ خطورة انعدام وحدة الخطاب والموقف بعين الإعتبار أيضاً، فضلاً عن تفهم حقيقة بسيطة، هي أنَّ البلد أصلاً لا يتحمل هزات أمنية وأهوال سياسية وأزمات اقتصادية جديدة لمجرد انفعاليات سياسية وأحداث أمنية أو نتيجةً لانتهاج شعارات سياسية ومطامح أيديولوجية فاقدة القيمة ومُجازِفة بمصير البلد.

بعبارة أخرى، ينبغي أن يفهم الجميع أنَّ التشديد على فكرة إخراج القوات الأميركية بعقلية إكراهية وبإملاءات خارجية، أو دون تفاوض ودي هادئ وبناء، أو بقرار برلماني أو قانون صادر عنه، سيكون في غاية الخطورة، بل يفضي إلى صراع أشد بعواقبٍ وخيمة ونتائج ملغومة، خصوصاً أنَّ الجميع يفقه جيداً أنَّ للأميركيين أكثر من ورقة ضغط أو عقوبة بإمكانهم اللجوء إليها ضد العراق واستقرار نظامه السياسي واقتصاده وأمنه بل وحدته أرضاً وشعباَ!


د. عدالت عبدالله 

اكادیمي في معهد KTI و باحث في المركز الاكادیمي للدراسات الوطنیة