آخر الأخبار
وزارة التربية: لايوجد أي تعطيل للدوام الرسمي غداً الأجندات الحزبية والفساد بوزارة الكهرباء يلاحقان ملف الطاقة في العراق.. أين الموازنات الانفجارية؟ بغداد تستضيف جلسة البرلمان العربي في نيسان 2025 رئيس مجلس صلاح الدين: القوات الأمنية أعادتني للمنصب وانتهت الأزمة السوداني والحكيم يؤكدان على موقف العراق بعدم التدخل في الشأن السوري

العراق والموقف من الحرب

مقالات الكتاب | 12-10-2023, 20:34 |

+A -A

كتب د. عدالت عبدالله

الآن ما تهتم به الكثير من الدول، لاسيما المعنيين بالحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، هي طبيعة المواقف الدولية والإقليمية تجاه هذه الحرب وإتجاهاتها، ولا تتفهم معظم هذه الدول في الوقت الحاضر خصوصية المواقف ومنطلقاتها الموضوعية بقدر ما تولي الأهمية برصد تأثيرها المعنوي والمادي على مجريات هذه الحرب لصالح طرف ما ضد آخر.

والحق نقول أن ما جعل معادلة المواقف تسير على هذا المنحى الحاسم هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي جهرت وبكل صراحة بتأييدها المبكر لإسرائيل بذريعة دفاع هذه الأخيرة عن نفسها، في الوقت الذي كان من الأجدر أن يكون لها دوراً فاعلاً في احتواء الحرب وإيقافها تماشياً مع دورها المحوري في رعاية عملية السلام والإتفاقيات الأسرائيلية- الفلسطينية، التي وإن لم تحقق أي منها ما يتطلع اليها طرفي النزاع إلا أنها – على أقل تقدير - أبعدت بلادهما وعبادهما لفترات تاريخية لا بأس بها عن شبح حروب أخرى دموية لا تنتج سوى المزيد من روح الكراهية والعدوانية بين الأسرائيليين والفلسطينيين.

والموقف تجاه الحرب، هو في كل الأحوال، ضرورة بل حاجة سياسية وإنسانية إن كان متمثلاً بمبدأ الموقف من الحرب نفسها كشر حقيقي لايمكن تأييده في ظل أي ظروف كانت وتحت أي ذريعة، أو إن كان طامحاً الى الحد منها من خلال إطلاق مبادرات سلمية ودعوة الأطراف المتنازعة الى الهدنة والتفاوض واللجوء الى لغة الحوار والتفاهم السياسي.

 اما حصر الموقف وإختزاله قسراً في تأييد طرف ما ومعاداة آخر، فهذا أمر منافي تماماً لقيم الموقف الإخلاقي تجاه الحرب حتى وإن تذرع بمصلحة ما تمس الطرف المتبناة له. وقد لا نحتاج اليوم ونحن نعيش في القرن الحادي العشرين الى تذكُّر ما يقوله الفلاسفة بخصوص الحرب على غرار ما قاله الفيسلوف الألماني (كانط) مثلاً الذي كان يعتبر الحرب أكبر الشرور وأن السلام الدائم هو الخيار الحضاري الأمثل، ولا حاجة الى التذكير بما آلت اليها الحروب أيضاً من دمار وخسائر بشرية ومادية، وإنما كل ما ينبغي أن نفقهه تحديداً ودون أي تردد هو إن إرادة الحرب هي إرادة بربرية ووحشية، تتناقض تماماً مع ما توصلت اليه البشرية وتتباهى بها من طفرات حضارية وعلمية يمكن إستثمارها اليوم لتفادي الحروب وبناء التواصل السياسي المثمر والإبقاء على الثروة البشرية والحياة الآمنة. 

 اقول هذه المقدمات لأستحضر موقف العراق من الحرب الدائرة بين اسرائيل وحماس. الكل هنا، في العراق، لا يروم الحرب دون أدنى شك، وثمة رأي عام شعبي بهذا الإتجاه، يتبلور تدريجياً رغم أن الفضائيات المذهبية والحزبية تحجبه وتنقل لنا نقيضه!.

هذا الإتجاه المسالم، لا علاقة له لا بالموقف الأخلاقي من الحرب ولا بالموقف السياسي والآيديولوجي الحربي منها، انه بعبارة مختصرة خصوصية الموقف. أي أن العراق بغنى عن توريطه في المزيد من الحروب بينما هو مازال ينزف من حروب سابقة أشعلها نظام صدام والتطهيرات المذهبية التي تورطت فيها الأحزاب والقوى السياسية في عهد ما بعد صدام، وهذه الخصوصية بحاجة الى التفهم والإجماع الوطني قبل التفهم والقبول بها على الصعيد العربي والإسلامي. 

صحيح أن الدعم المعنوي والإنساني للشعب الفلسطيني المنكوب هو من البديهيات ومسلمات الواجب، إلا أن الإعتبار لحساسية التوقيت المحلي والدولي والحساب للحالة العراقية الخاصة ومقتضيات الحفاظ على البلد ومصالحه الحيوية ومراعاة الطاقة البشرية المستَنزَفة دوماً في حروب وصراعات عبثية وإنعدام وحدة الموقف أساساً وخصوصيات أخرى متعددة، تستوجب على بغداد أن لا تغامر إطلاقاً بمصير العراقيين، وأن لا تبادر في أي موقف ما بناء على إملاءات إقليمية، وإنما عليها التمسك بإستقلالية القرار السياسي أولاً، وتبني الموقف الذي تبلوره الجامعة العربية والدول الإسلامية ثانياً ليس إلا. 

بمعنى آخر، ان العراق هو بنفسه يحتاج الى دعم كافة الدول لبناء البلد وإعادة إعماره، خصوصاً في المناطق العراقية المنكوبة، التي دمرتها الحروب الداعشية ومازال أهاليها مشردين في داخل البلد وخارجه، وبحاجة الى الوئام السياسي الداخلي واللحمة الوطنية المرجوة، وعليه فتبدو من الحماقة أن يتم توريطه مجدداً في صراعات إقليمية جديدة يدفع المواطن العراقي ثمنها في النهاية دون أن يعي تماماً لماذا ولصالح من؟