المسؤولية أمانة.. عمار طاهر
مقالات الكتاب | 5-03-2023, 22:28 |
المسؤولية أمانة
عمار طاهر
ثمة خطوط فاصلة ترسمها الحكومة بين الدولة والحياة السياسية، فكلما كانت السلطة التنفيذية قوية قادرة على التخلي عن تبعيتها الحزبية، أزدهر البلد وسادت العدالة، وكلما ضعفت.. تلاشت هذه الخطوط وغدت باهتة.. فتختلط الأوراق، وتتداخل الألوان، ويصبح الرمادي سيد الموقف.
ولعل دعوة رئيس الوزراء محمد السوداني العلنية والصريحة لفصل العمل الحكومي عن الانتماء السياسي تصب في هذا الاتجاه، وتقود نحو هذا الهدف بشكل مباشر، فلا يجوز ان نثقل المؤسسات الرسمية بحمل الأحزاب السياسية، ونجعل منها ابوابا مشرعة لدخول بعض الفاشلين، ومحدودي الكفاءة.
لقد عانى العراق ويلات المحاصصة، وذاق مرارة التخلف طيلة السنوات السابقة، نتيجة وجود قيادات حكومية ضعيفة في مفاصل الدولة.. واجهات فقيرة بلا معرفة او خبرة، أكبر همها الوصول الى سدة المسؤولية.. بعضها عاث في الأرض فسادا، فكان يأتي على المال العام، كما تقبل الإبل على عشب الربيع.
تصريح رئيس الوزراء عززه وزير التعليم العالي والبحث العلمي نعيم العبودي فأعلن بلا مواربة عدم خضوعه للإرادات السياسية، وان اختياراته ستكون على أساس الخبرة الإدارية والكفاءة العلمية، ولاسيما ان وزارته نوعية قائمة على أساس العمل الأكاديمي، هذا التوجه الحكومي الصريح الذي نلمسه لأول مرة نتطلع ان يشمل جميع وزارات الدولة عن طريق تشجيع الكفاءات المستقلة واستقطابها، ومنحها فرص النهوض بالقطاعات المختلفة، لأن النجاح في النهاية يعود للأحزاب الداعمة، واظن وربما أكون واهما.. ان أيام الحكومة الحالية هي فرصة اخيرة في عمر النظام السياسي.
إن المسؤولية أمانة.. وصيانتها والحفاظ عليها شجاعة، ولاسيما في بلد مضطرب مثل العراق يعيش بيئة سياسية غير مستقرة، والحكومة الحالية تدير العديد من الملفات المهمة بشكل ناجح حتى الان، رغم امتدادها السياسية، والضغوطات الداخلية والخارجية التي تعترض طريقها، لذا عليها ان تتمسك بالخط المهني، وتعمل بتجرد بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية.
نعم عليها ان تتمترس خلف قضبان الصبر، وتصون الأمانة، وتتوخى الصدق مع نفسها ومع الناس، فالواقع الرديء لا تجدي معه مساحيق التجميل.. عليها ان لا تستحوذ او تحتكر، بل تفسح المجال امام كل طاقة عراقية تتفانى في خدمة الوطن، وقد صدق من قال.. من اناط المسؤولية لمن هو دون ذلك فقد خان الأمانة.. ومن لم يسلم الناس من سوء ادارته لإرضائه المخلوق على سخط الخالق.. فقد خان الأمانة.