تقرير: الشركات تكافح لاستعادة موظفيها بعد اتجاه العمل عن بعد
اقتصاد | 12-09-2022, 08:45 |
بغداد اليوم- متابعة
لطالما كان ديفيد سولومون، رئيس بنك جولدمان ساكس، ناقدا للعمل من المنزل، حيث وصف التحول المرتبط بالجائحة ذات مرة بأنه "انحراف". هذا الأسبوع، أنهى هذه الممارسة، وألغى معظم قيود كوفيد - 19 المتبقية في البنك للموظفين الأمريكيين، في محاولة لإعادة أكبر عدد ممكن إلى المكتب.
لأكثر من عامين، تبنت الشركات حول العالم العمل عن بعد، وترتيبات العمل الهجين بين المكتب والمنزل مع زيادة الإصابات وارتفاع عدد الوفيات.
لكن مع اقتراب نهاية الصيف في أمريكا الشمالية وأوروبا، تبذل بعض أكبر الشركات جهودا متضافرة من أجل العودة إلى المكاتب. تراوح هذه الشركات من شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية، التي طالب رئيسها إيلون ماسك الموظفين بالعودة إلى مكاتبهم لمدة 40 ساعة في الأسبوع، إلى شركة التكنولوجيا العملاقة أبل وشركة بيلوتون للياقة البدنية، حاولت كلتاهما إعادة العاملين إلى المكاتب لمدة ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع.
إنها ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الشركات الكبرى عكس التحول إلى العمل من المنزل. ففي خريف 2021 حتى في 2020، طورت الشركات خططا لبدء عودة واسعة النطاق إلى مباني المكاتب المهجورة، فقط لانتشار موجات جديدة من الإصابات التي تركت المديرين حذرين من الاختلاف مع الموظفين في وقت حساس للغاية.
لكن هذا العام مختلف. نظرا لأن الناس عموما أقل خوفا من انتشار الفيروس، يعتقد كثير من الرؤساء أن الظروف أصبحت الآن أقرب ما يكون إلى فترة ما قبل الجائحة. ومع اقتراب يوم العمال في الولايات المتحدة وبدء الفصل الدراسي في جميع أنحاء أوروبا، نفد صبر بعض المديرين التنفيذيين وأصبحوا يتخذون موقفا أكثر تشددا.
وفقا لمدير إحدى وكالات التوظيف التنفيذيين، يعاني قادة الشركات "إجهاد عمل الخير"، كرد فعل، على التركيز الكبير على رفاهية الموظفين أثناء الجائحة. "الشعور السائد هو أننا بحاجة للعودة إلى العمل".
مع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا إلى مواجهات مع الموظفين الذين اعتادوا على العمل عن بعد، ولديهم توقعات مختلفة حول التوازن بين العمل والحياة، والآن يزنون تكاليف العودة إلى المكتب مع ارتفاع التضخم.
تقول آن فرانك، المديرة التنفيذية لمعهد تشارترد للإدارة، هيئة مهنية في المملكة المتحدة "يرغب الناس في القدوم إلى المدن الكبرى لمخالطة المجتمع، ورؤية الأصدقاء والذهاب إلى المناسبات الثقافية. أما عندما يتعلق الأمر بالعمل، فسيقول كثير من الناس إنهم يمكنهم العمل بشكل أفضل في المنزل. لقد أجبرت الجائحة الناس على التساؤل (...) هل نحتاج حقا إلى تنظيم العمل بهذه الطريقة؟ وهذا يزعج الرؤساء التنفيذيين".
هذا يجعل الأسابيع المقبلة لحظة حاسمة بالنسبة إلى مستقبل المكتب، لكن أيضا لجميع الصناعات التي تتمحور حول موظفي المكاتب، من قطاع العقارات التجارية إلى محال الساندويتشات وصالات اللياقة البدنية.
قال إنريكي لوريس، الرئيس التنفيذي لشركة إتش بي، التي تبيع الطابعات وأجهزة الحاسوب المحمولة، الأسبوع الماضي "إن العمل الهجين موجود ليبقى". تضرر الانتعاش المتوقع في الإيرادات التجارية للشركة بسبب العودة الأبطأ من المتوقع إلى أماكن العمل، وتتوقع الشركة الآن أن تتعافى سوق المكاتب 80 في المائة فقط من حجمها قبل الجائحة.
"لست على علم بأي شركة قررت، أو أقنعت موظفيها، بأن عليهم أن يعودوا إلى المكتب لخمسة أيام في الأسبوع، كل أسبوع من الشهر".
بالنسبة إلى بعض الموظفين - ولا سيما ذوي الأجور الأقل - فإن ضغوط العودة تتضمن الآن أيضا مشكلات تكلفة المعيشة التي يواجهها كثيرون، بدءا من فواتير الطاقة المرتفعة إذا ظلوا في المنزل إلى نفقات التنقل من المكتب وحضانة الأطفال وإليهما.
تكشفت معضلة الموظفين على شبكة بلايند المهنية للنشر بهوية مجهولة. حيث كتب شخص في منشور حول سياسة العودة إلى العمل التي تتبعها شركته "إذا كانوا يجبروننا على التنقل، ألا ينبغي أن يعوضونا عن التكاليف؟". تساءل شخص آخر عن شرعية تفويضات فرض العمل من المكتب، "ماذا سيحدث إذا رفضت العودة إلى المكتب؟".
نموذج العمل لمدة ثلاثة أيام
منذ بداية الجائحة، كان اختيار طريقة العمل قرارا شخصيا لكثير من موظفي المكاتب. حتى بالنسبة إلى الرؤساء التنفيذيين غير المتحمسين لإعادة الجميع إلى المكتب، فإن الأسابيع المقبلة تمثل فرصة لوضع سياسات رسمية بشأن الشكل الذي سيبدو عليه مستقبل العمل.
لقد شدد بعض الرؤساء التنفيذيين على أهمية التفاعل وجها لوجه بالنسبة إلى العمل الجماعي، وثقافة الشركة وتدريب الموظفين المبتدئين. لكن في كثير من الحالات كانت التفسيرات التي قدموها حول سبب أهمية المكتب مبهمة.
يقول ستيفان شول، الرئيس التنفيذي لشركة ألايت سولوشنز، مزودة خدمات وتكنولوجيا قائمة على السحابة، "إنه كان مترددا في جعل أيام العمل في المكتب إلزامية... إذا طلبت العمل لثلاثة أيام في الأسبوع، فعليك أن تكون قادرا على شرح السبب. لأي غاية؟".
يقول إيثان بيرنشتاين، خبير السلوك التنظيمي في كلية هارفارد للأعمال "لا توجد طريقة واحدة صحيحة للعمل". عندما كان على الجميع العمل من المنزل بدوام كامل، كان الأمر سهلا على المديرين، حيث لم يكن هناك خيار آخر. لقد ثبت أن نموذج العمل الهجين أكثر صعوبة بسبب الطرق اللانهائية التي يمكن أن يتم العمل بها. يقول "هذه لحظة مهمة، نعم، في محاولة تحديد ما تعنيه كلمة العمل الهجين". مع ذلك، نظرا إلى وجود قليل من البيانات لمساعدة الشركات على رسم طريق، فإن هذا غالبا يعني أن تفضيلات بعض الموظفين - غالبا كبار الموظفين - ستقود سلوك الشركة.
تقول أماندا كوسدين، كبيرة مسؤولي الموظفين في مجموعة البرمجيات سايج، "إن التواصل البشري لا يزال هو الأمر الأكثر أهمية في كثير من أماكن العمل، ولا سيما بالنسبة إلى الألفي شخص الذين وظفتهم الشركة أثناء عمليات الإغلاق والذين يرغبون في بناء علاقات".
وتضيف "إن الشركة قررت اعتماد نموذج عمل هجين، حيث يحدد كل فريق الأيام التي يقضونها في المكتب، ويكون الموظفون متأكدين بشكل عام بأنهم ليسوا مضطرين إلى العمل خمسة أيام في الأسبوع في المكتب. في الوقت نفسه، لا أحد يريد العودة إلى مبنى فارغ، لذلك نحن بحاجة إلى وجود عدد كبير من الموظفين".
في المراحل المبكرة من الجائحة، ركز الرؤساء على الصحة البدنية والعقلية والمرونة في العمل، حتى يتمكن الموظفون من تلبية متطلبات الأقارب المرضى والتعليم في المنزل.
ثم بعد طرح اللقاحات، حاول كثير إقناع العمال بالعودة عبر تقديم امتيازات، من وجبات الغداء المجانية والتنقل إلى العمل ومنه في سيارات أوبر إلى فعاليات الشرب بعد العمل، وخدمات التدليك وخصومات الموظفين لتجار التجزئة المحليين. استضاف بنك جولدمان حفلات موسيقية بعد الظهر لموظفيه.
تقدم إنفوي، وهي منصة لمكان العمل في سان فرانسيسكو، الآن خدمة نقل ذهابا وإيابا، وبرنامجا لنقل الموظفين بالسيارات، ودعما شهريا للتنقل بقيمة 200 دولار لإقناع الموظفين بالحضور خلال أيام العمل الثلاثة المطلوبة في الأسبوع. في المكتب، توجد وجبات إفطار مجانية من الخبز والفاكهة، "ووجبات خفيفة في كل مكان"، وساعة ترفيهية مرة واحدة في الشهر، كما تقول آنيت ريفيس، كبيرة مسؤولي شؤون الموظفين في شركة إنفوي، مضيفة أنه "يتم تشجيع أصحاب الكلاب على إحضار حيواناتهم الأليفة إلى العمل حتى لا يضطروا إلى الدفع مقابل خدمات تمشية الكلاب". وتضيف "نحاول إزالة بعض العبء المالي، لكن أيضا نحاول بناء مجتمع".
لكن في حين يواصل بعض أصحاب العمل إعطاء الأولوية لمزايا مكان العمل، يتخذ البعض الآخر نهجا أكثر صرامة، يتزامن مع قيود الميزانيات الجديدة، حيث تستعد الشركات لتراجع اقتصادي محتمل.
حتى ريفيس تعترف بأن أولئك الذين يبقون في المنزل ينبغي أن يفكروا بشأن مخاطر احتمال أن يقدم المديرون ترقيات وزيادات في الأجور للأشخاص الأقرب لهم. وتقول "تحيز القرب حقيقي، وسيزداد سوءا في الأشهر الستة إلى الـ12 المقبلة".
تأثير الدومينو
من بين الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على مباني الشركات المملوءة، يراقب المسؤولون التنفيذيون الأسابيع القليلة المقبلة من كثب، لكن كثيرين يتوخون الحذر بشأن توقع زيادة في عدد الموظفين العائدين، خاصة بعد أن أصدر البعض توقعات مشابهة في الوقت نفسه من العام الماضي.
ألقت شركة سويت جرين، سلسلة مطاعم تقدم السلطة الأمريكية وتمتلك ثلثي منافذ بيعها في المناطق الحضرية، باللوم على "العودة الأبطأ من المتوقع إلى المكتب والانتعاش الحضري غير المنتظم"، حيث خفضت توقعات مبيعاتها للعام بأكمله. يقول ميتش ريباك، كبير المسؤولين الماليين، "إن حركة العملاء في المتاجر مثل فرعها في مركز التجارة العالمي ينبغي أن تنتعش بعد يوم العمال. لكننا شعرنا بشكل مشابه العام الماضي، وشعر العالم بهذه الطريقة منذ عامين".
يقول أكاديميون من كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك وكلية كولومبيا للأعمال "إنه كان للتحولات الضخمة في إيجارات المكاتب، والإشغال وعقود الإيجار تأثير كبير بالفعل في التدفقات النقدية لمباني المكاتب. إن الانخفاض بمقدار الثلث في قيمة مباني المكاتب في نيويورك في العام الأول من الجائحة ينذر بنهاية عالم العقارات المكتبية على المدى الطويل، بما يعادل خفضا بمقدار 50 مليار دولار لقيمة مكاتب نيويورك وضرر بقيمة 500 مليار دولار للصناعة على مستوى الدولة".
وجد تقرير التنقل المجتمعي من "جوجل"، الذي يرسم اتجاهات الحركة عبر أماكن مثل المكاتب، ومتاجر الملابس، ومحطات مترو الأنفاق، والصيدليات ومتاجر السوبر ماركت، أنه مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، لا يزال الإقبال على محال البيع بالتجزئة والترفيه منخفضا 26 في المائة في الحي المالي في لندن. بالنسبة إلى فئة السوبر ماركت والصيدليات، فقد انخفض 60 في المائة. وكلاهما يوازيان انخفاضا بنسبة 40 في المائة في التنقل إلى أماكن العمل.
لكن على الرغم من الضغط المتزايد من بعض الرؤساء، يبدو أن كثيرا من موظفي المكاتب لا يظهرون رغبة كبيرة في التخلي عن سبل العيش الجديدة التي يستمتعون بها بشكل كبير. إنهم موجودون بشكل أكبر لعائلاتهم، وقد قللوا من ساعات التنقل ووجدوا حريات جديدة من خلال الابتعاد عن مديريهم المباشرين.
أظهر أحدث تقرير صادر عن أدفانسد وورك بليس أسوشيتس، شركة استشارية، حول العمل الهجين العالمي، الذي يستند إلى نحو 80 ألف موظف في 80 مكتبا في 13 مدينة، أنه في اليوم العادي، يكون ثلثا المكاتب غير مستخدم وما يزيد قليلا عن ربع الأشخاص يأتون إلى المكاتب، مع انخفاض معدل الحضور إلى 12 في المائة أيام الجمعة.
في الولايات المتحدة، يشير استطلاع جديد أجرته مؤسسة جالوب إلى أن 22 في المائة فقط من الموظفين الذين شملهم الاستطلاع والذين يمكنهم العمل عن بعد موجودون حاليا في المكاتب معظم أيام الأسبوع، وأكثر من 90 في المائة ليس لديهم رغبة في العودة إلى العمل في المكتب بدوام كامل. ما يثير الدهشة أن النسبة المئوية لأولئك الموجودين حاليا في المكتب والذين يرغبون في العمل من المنزل بشكل حصري قد تضاعفت منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2021.
لقد تبنى بعض أصحاب العمل بالفعل الواقع الجديد عبر الإعلان عن وظائف افتراضية بالكامل أو حتى فتح مكاتب منفصلة عن المكتب الرئيس لمقابلة القوى العاملة الموزعة الآن.
يقول مراقبو الصناعة "إن إجبار الأشخاص على العودة إلى المكتب هو مسعى غير مثمر. لقد تغير العالم، وعلى الشركات أن تتكيف إذا كانت تسعى للاحتفاظ بالمواهب في سوق العمل الضيقة، ولا سيما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتان ستوفران لهم بدائل إذا استقالوا".
تقول فرانك "سيقول الموظفون لا فحسب. لقد اعتادوا على الأعمال المرنة وسيستاؤون منك لإخبارهم بأنه ينبغي لهم أن يكونوا في المكتب".